تعرف القرضابية بمعركة الوحدة الوطنية إذ شارك فيها جميع أبناء ليبيا من طافة المناطق والمدن، كما أنها شكلت البداية لاندحار الإيطاليين التي توافق يوم 29 من أبريل وسجلت القرضابية هزيمة الإيطاليين في هذه المعركة التي تعتبر أكبر هزيمة تعرض لها الإيطاليين منذ غزوهم لليبيا منذ العام 1911.
فعقب هذه المعركة سقطت الحاميات الإيطالية الواحدة تلو الأخرى وبحلول منتصف أغسطس من نفس العام الذي وقعت فيه “معركة القرضابية” لم يبق بيد الإيطاليين إلا مدينتي طرابلس والخمس.
فبعد أن بسطت الحكومة الإيطالية نفوذها على نواحي طرابلس والجزء الغربي من ليبيا، تحركت القوة الإيطالية من ناحية الغرب ومعها المحلات الليبية الذين اعتبروا فيما بعد مجاهدين فأرادت ربط طرابلس الغرب ببرقة، ولكي يتسنى لها ذلك، كان لزامًا عليها أن تزيح معسكرات المجاهدين المرابطة في نواحي النوفلية دور المغاربة وجنوب سرت دور أولاد سليمان، وقرر “أمياني” بالتشاور مع حكومته وقيادته في روما استرداد فزان بأي ثمن وربط برقة بطرابلس.
وبعد أن وصل جيش الجنرال “أمياني” المكوّن من الليبيين المتعاملين معه وهم المحلات الليبية بقيادة “رمضان السويحلي” و”عبد النبي بالخير” وغيرهم، وكذلك كان العدو الإيطالي مدعم بالمرتزقة الأحباش والإرتريين بالإضافة إلى الجنود النظاميين الإيطاليين، إلى مدينة سرت وزحف يوم 29 أبريل 1915 على المجاهدين الذين تحشّدوا جنوب سرت قرب قصر أبو هادي، على الفور هاجمها المجاهدون المرابطون هناك وكانوا بقيادة “صفي الدين السنوسي” القائد العام للقوات وكان دور المغاربة بقيادة “صالح الاطيوش” و”حمد بن سيف النصر” دور أولاد سليمان، وكانت النتيجة اندحار الجيش الإيطالي وانتصار المجاهدين، ويذكر أن عبد النبي بالخير قائد قوات ورفلة قد اتفق مع رمضان السويحلي على الغدر بالطليان وهذا يؤكده ما كتبه الجنرال “جرازياني” في كتابه نحو فزان.
في صبيحة يوم الخميس 15 من جمادى الآخرة سنة 1333، الموافق 29 أبريل سنة 1915 صدر الأمر بالهجوم وما هي إلاّ لحظات حتى ألتقت طلائعه بالمجاهدين، فابتدروهم بالرصاص، وتدفقت سيوله عليهم من كل جهة فتمزق ذلك الجيش ولم ينج منه إلا 500 جندي، ونجا الكولونيل “أمياني” إلى سرت مجروحاً مع من بقي من الجيش، وبقي في مكان المعركة كل ما كان مع الجيش من معدات الحرب وعتادها من إبل وخيل وبنادق ومدافع ورشاشات.
وبحلول الظهر كانت فلول الإيطاليين قد تقطعت أوصالها، والتجأت إلى مدينة سرت حيث عاثت فيها فساداً وشهدت المدينة مذابح انتقامية استمرت ثلاثة أيام.
وبمجرد وصول إمياني إلى سرت جرّد جميع الليبين من الأسلحة وعقد مجلساً عسكرياً وحكم بالإعدام على كثير من السكان ومن أبناء الليبين الذين التجؤوا إلى سرت وفي مقدمتهم من الأعيان والرؤساء الحاج “محمد القاضي” من مسلاتة، والحاج “محمد بن مسعود” من قماطة، و”حسونة بن سلطان”، و”أبو بكر النعاس”، و”أحمد بن عبد الرحمن” من ترهونة، وقتل من غيرهم نحو سبعمائة، وأصدر أمرًا بالقتل العام، وبملاحقة وقتل رجال القبائل وعلى رأسهم قبيلة أولاد سليمان، فصار الجند يقتلون الناس في الشوارع وعلى أبواب البيوت، ويربطون العشرة والعشرين في حبل واحد ثم يقتلونهم، ورمي كثير من الناس بأنفسهم في البحر فرارًا من التمثيل بهم، فكان منظرًا مريعًا، وبعثوا إلى روما نحو ألف أسير أكثرهم من السكان والحمالين الذين استأجروا جمالهم.