بقلم القاص- مفتاح الشاعري
وقبل البدء في خلخلة بقلم القاص مفتاح الشاعري نذكر القارئ بما يراه من مُحِصَ نَصُه ” حقائق الأسطورة ” من قبل القاص الشاعري وقد عرض أ. مفتاح الشاعري هذ النقد المتأني الدقيق خلال أماسي البيضاء الثقافية .. حيث نرى أن لا خلاف ولا اختلاف في وجهة نظر الكاتب والمكتوب عن نصه الأدبي لكن التمعن النقدي يأتي لسببين الأول هجومي لا فائدة من متابعة الكلام المكتوب إذ ستشتم من الوهلة الأولى رائحة الحسد الأسود تجتاح الأجواء فيخنقك الحرف قبل استكمال الجملة حتى .. والثاني لحب في التعمق والتعرف والحلحلة والخلخلة في أجزاء ومعاني وما بين سطور ما كتب واهتماما ببوح صادق وأنيق تتنفس معه حد الاسترخاء ” وهذا ما التمسناه في قراءة الشاعري لحقائق الأسطورة والجامع الذي استشفيناه أن كتب الأديب بودوارة هتونا مختصرا لحاجة كل شيء لكل نقد بناء قائلا : ( ما أحوجنا إلى نشر ثقافة النقد والتمعن، في زمنٍ أصبحنا فيه لا نتقن سوى ثقافة الكراهية بلا حدود ) _ المشرفة _
![](https://almenassa.ly/wp-content/uploads/2024/05/خلخلة-1024x683.jpg)
قرأت العديد من الورقات النقدية في أدب القاص الليبي (الصدّيق بودوارة) كان ذلك عقب صدور مجموعته القصصية الأولى( شجرة المطر) ومن خلال تلك الورقات تعددت المذاهب النقدية التي غلب على بعضها طابع القراءة الأولى الخالية تقريباً من مضمون النقد مما تسبب في وقوع أصحابها في شرك التعمق المباشر نحو( ورقة التوت) ذلك أن الحقيقة التي يفضّل الكثير عدم البوح بها هي أننا بمثل تلك القراءات نخلط بين الانطباع الأوليّ و النقد على الرغم من وضح الفارق بين النقد الحقيقي و اللا نقد إن أُسس رسالة النقد التي كانت ولازالت تقر بان العِلم يبحث الأشياء العامة , أما الفن فإنه يبحث في الأشياء الخاصة.. والأدب من صنوف الفن وهو بذلك يحمل تلك الصفة الخصوصية من البناء الدقيق لوحدة فنية مستقلة عن ( بقية العلوم ) وبالتالي فهو غني بقوانينه ومنهاجه الفني المستقل .. وعندما نتعرض – بالنقد – لأصحاب هذا الأدب وإبداعهم فإنه من الضرورة بمكان أن يدرس كل كاتب كوحدة مستقلة – بمعني أن أية محاولة , لتشويه ما يكتب أو تحريفه أو تحميله غير ما يتضمنه هو نوع من القبح الغير مبرر إطلاقاً , وإن كان ذلك من خلال بهرجة الكلمات وتنميقها. أيضا فإن محاولة خلق دراسة مقارنة بين أديب وآخر سيظل نوعاً من العقم الغير مجدي لاكتشاف نوعية وقوة الأديب يقول الدكتور عيسى الناعورى : (النقد هو كشف وإنارة لجوانب العمل الفني تبين مزايا الفن والإبداع والخلق فيه بوعي وبصيرة وفكر نّير ) . وعلى ذلك فإن الإيمان بأن الخلق والإبداع هما أساس العمل الأدبي هو وحده فقط ما يخّلص النقد من النزاعات الخاضعة للمذاهب والأهواء .إن النقد المنتشر بكثرة على خارطة ثقافتنا الآن يغلب عليه طابع القصور في ثقافة من يتصدى له أو أنه يخضع لمعايير شخصية أو مزاجية ليخلق في النهاية روىء نقديه بعيدة عن الذوق والوعي. وإن هذه الظاهرة أيضاً تؤكد الرأي القديم المتجدد القائل بأن( البعض) من الذين يتناولون النقد يعانون في واقع الأمر من حقيقة انهم لم ينتجوا شيئاً بعد.أي أنهم مازالوا في بداية الطريق , مما خلّف في نفوس الكثير منهم هذا التردد الذي خلق منهم طابوراً من ( المتأدبين ) وأداة تحطيم لأسماء لها بصمة واضحة في مسيرة الأدب. وعند ما نورد ذلك فهذا يعنى دعوتنا الصادقة والصريحة لإبعاد النقد عن تسلق أكتاف الغير لبناء صرح شبه ثقافي يقوم على أساس محكوم عليه سلفاً بالانهيار. أو الحساسيات التي كانت وراء الكثير من الآراء والتي لم ترق إلى مفهوم النقد. إن للناقد –الأصيل – نظرته للنص الأدبي بما يحمله من جوانب جمالية وبناء لغوى جيد , متحاشياً الخلط بين رسالة النقد و العلاقة الشخصية .. سواء كانت هذه العلاقة إيجابية أو سلبية . إن العودة بالرسالة النقدية إلى أسسها الصحيحة, وأصحابها المتخصصين هي خدمة جليلة للأدب والأدباء. ومجمل القول فإن مرحلة التباعد آلتي حدثت بين وجهة نظر الناقد والأديب أصبحت واسعة لأن العامل الأساسي المتكون في ذهن الأديب هو أن أعماله ستكون بمنظور شخصي وليس نقدي, بواسطة( بعض )الأيدي الغير مهيأة للقيام بواجب النقد الذى نعرف . إن الصديق بوداورة في كثير من قصصه أجاد لعبة الغوص في (اللاواقع) فأجاد الولوج من باب لم يطرقه الكثير نظراً لما وراء هذا الباب من حساسيات محسوبة ..هذا الولوج في حقيقته الأولي هو شد الرحال نحو (الأسطورة).. ليس لأن الواقع فقير بصوره .. لكنه كان نوعا من الترفيه الباذخ والمحسوب بدقة من القاص ودلالة على تمكنّه , وكان بذلك قد نجح فعلاً في تحميل قصصه بمجموعة رسائل بلاغية قد لا يتيسر قراءتها لو وضِفت من خلال القصص التي تحمل طابع المباشرة, وهذا أيضا لا ينفى الموافقة على أن هذا الترفيه الباذخ كما أسلفنا القول , هو إقرار بأن الواقع قد لا يشبع النفس الظمئ بالصور لشدة الواقعية المحيطة .. إن من يقرأ للصديق بودوارة سيجد الغوص في عالم – اللاواقع أو الأسطورة – هذا الفن الرفيع الممتنع الذي عرفه القدماء قبل الكتابة ذاتها عندما رغبوا في سوق محاولة تفسير الظواهر الروحية أو الطبيعية ليصلوا إلى ما يريح عقولهم دون مزيدٍ من الاستغراق في البحث عن قاعدة الحقيقة – التي ولدت بعد ذلك على حقب متعاقبة من حضارة الإنسان. والأسطورة أيضاً عرفت مكتوبة حينما كتبت ملحمة جلجامش السومارية والتى كانت هي البعث الأول لها – أي الأسطورة – .. وزميلنا الأديب ( الصديق بوداورة ) عندما خاض هذا العالم الضبابي بقلم ولسان المتمكن – خلق نوعاً من التوازن الدقيق بين البحث والسؤال , والكمّ من الإجابات في فسحة تمتد حدودها من حيث نجلس إلى ما وراء الحاجز الضبابي الآخر الذي نجهل أكثر تفاصيله .. وعودة للتوضيح فإن هذا التوازن كان الجسر أو حلقة الوصل بين أطياف شخوصه وبين واقعيتنا. والمدقق في مجموعته شجرة المطر سيجد هذا الميزان الخفي. ويتملكني شعور بأن بودوارة كان يدعونا إلى نبذ الاسترسال في قوقعة أنفسنا داخل الواقع المقروء سلفاً وإن كانت هذه الدعوى بعيدة عن المباشرة.وفي ذات الوقت فإن بودوارة كان أكثر حرية في تحرى الأحداث ودفعها بالتساوي بين عالمنا والعالم الهلامي الآخر. فالترقب هنا قائم بين أن نفهم ما يريد أن يقوله لنا وبين ما يرمى به إلى خيالاته الأدبية وراء حجاب الأسطورة.