رشفات من عسل

بقلم الصديق بودوارة

زمان ..

وبعد أن انتهت الحرب العالمية .  وفي عام 1945 .

في النمسا ..

البعيدة عني .. وعنك .

فمن ينتظر راتبه نهاية كل شهر ليأكل أولاده .

لا حق له في التفكير في النمسا.

النمسا تريد السفر إليها ..

والسفر يريد المال.

والمال ضائع بين أبواب المصارف وورقة الخمسين ومصائد المرابين الجبارة.

المهم ..

في فيينا عاصمة النمسا في عام 45 بعد نهاية الحرب ..

انتهت الحرب كما يبدو.

لكن الحروب لا تنتهي ..

إنها تترك مضاعفاتها حية ترزق.

وتتوقف المضاعفات طبعاً على طبيعة الشعب .

في فيينا وبعد الحرب. .

تدمر كل شيء ..

وأصبحت الحواضر العامرة خراباً مهجورا لا ناس فيه.

في غمرة هذه الفوضى .

استولى مئات المتشردين على مئات المكتبات العامة والخاصة.

كانوا يحملون آلاف الكتب على ظهورهم  ويتجولون بها في الشوارع.

كانوا يبيعونها   بأسعار رخيصة جدآ لكل من يشتري.

أثناء ذلك ..

احتاجوا إلى التعريف ببضاعتهم المسروقة. .

فبدأوا  يقرأون هذه الكتب ..

لكي يخبروا الزبائن عن محتواها.

يوما بعد يوم.

شهرا بعد شهر ..

لاحظ الناس أن متسولي فيينا ومتشرديها أصبحوا أكثر تادبا في الحديث ..

وأنهم بدأوا يستعملون مفردات راقية وعميقة .

لقد بدأوا يتعلمون من الكتب .

وتحول اللص المتشرد إلى كائن محترم ومهذب لأنه أصبح يعرف  الكثير عن العالم .

حدث هذا في فيينا .. يا صديقتي.

حدث هذا في فيينا يا صديقي .

فلا تفرط في الحلم حتى لا تموت.

لأن مضاعفات الحرب تتوقف دائما على طبيعة الشعب.