الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-09-20

4:40 مساءً

أهم اللأخبار

2024-09-20 4:40 مساءً

إعـــــــادة نشـــــر

soaad

نعيمة اقوية

لم يكن أبي مولعا بالكتب، فلم نكن نمتلك مكتبة في البيت…لكنه كان راويا جيدا يبرع دائما في رصد التفاصيل ونقلها إلينا  بدقة متناهية، لقد كان صيادا يغيب لأيام، ويعود ومروياته في حضنه…كان ماهرا في اقتناص كل شاردة وواردة مهما بدت تافهة….

إن أبي كان أول كتاب أقرأه واحفظ تفاصيله واتشرب أسراره..!

عكس أبي، كان عمي رحمه الله يقتني مكتبة ضخمة في بيته تحوي الكثير من الكتب القيمة وأمهات الكتب التي كان يوصي بإحضارها من خارج البلاد، لذلك كانت كتبه عزيزة على قلبه كما كان صارما جدا بشأن إعارتها لأي أحد…لقد كنت أتشوق لتصفح كتب عمي صعبة المنال وتحت وطأة إلحاحي وافق على أن أقرأ ما أشاء ولكن عنده في البيت…وهكذا كنت في كل زيارة إلى بيت عمي أتوجه مباشرة إلى الكتاب الذي كنت قد بدأته في الزيارة السابقة وأشرع في القراءة حتى يحين موعد عودتنا إلى بيتنا..

لقد شكلت مكتبة عمي ملامح هذا العشق وبلورته بشكل أو بآخر…وبمرور السنوات، بدأت أشعر بشيء ينمو بين جنبي وتحت جلدي وبين رموشي وتحت أظافري، عشق يتجاوز سني عمري، لكني كنت أستعذب احتشاده في داخلي واستحواذه على اختلاجاتي وكنت أتركه يغمرني ويحقن أوردتي بدهشته ويحيلني صومعة تتوق للحظة تجلي….لذلك حين كنت أتسكع لأول مرة بين أروقة المكتبة المركزية لجامعة قاريونس شعرت إنني كنت هنا ربما في حلم بعيد أو أمنية ملحة يصعب تجاهل ايقاعاتها لقد كانت رائحة الأوراق مألوفة  فكلما قلبت كتابا تفوح تلك الرائحة التي كانت تلهب خيالي وكلما تصفحت حرفا انتصبت أمامي المدن المفقودة والبشارات المزروعة بين ثنايا الكلم، وينتشر فتات المسك ويسيل رضاب المعاني وأصير مأخوذة بتلك الفسحة الخفية بين السطر والسطر، هناك..اشتعلت، وهناك أتقد قلبي وتوهجت روحي ولا أبالغ…!

كنت قد هيئت أنسجتي و أصابعي لهذه الرائحة وهذا الغبار وكنت قد خربشت خارطة تشبهني لاكتشاف المغاليق و الأسئلة العمياء التي ذاب وأحترق أصحابها ليضمنوها بين سطورهم..

وبأصابع مرتعشة حررت قلبي واطلقته نورسا ابيضا يلتقط المفاتيح الشاردة  في الفضاء لهذه الكتب يستطيب الطيب ويلوكه ويتحاشى الخبيث ويعافه …

قرأت كل ما وقع بين يدي من كتب حتى تلك المهلهلة مجهولة العناوين والمصدر…بل صارت بعد نزع أغلفتها أكثر إثارة لأكتشف فحواها….

لقد كانت لي حكاية مع كل كتاب،،بعضها كان مجلجلا حررني

من أغلال السائد والمألوف وبعضها كان راقصا صعب علي مجارة فوضاه وبعضها كان محيرا ومربكا ومع ذلك لم استطع أن أقاوم أغراؤه وجاذبيته باختصار لقد كان الكتاب رفيق طفولتي وصباي وربيعي الذي طالما جددني…!


اكتشاف المزيد من المنصة الليبية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة