محمد المعداني

استيقظت صغيرتي فيروز من نومها سعيدة مبتهجة كابتهاجها باستقبال يوم العيد .. والواقع أنني ووالدتها ندرك سر سعادتها وابتهاجها ، ففي هذا اليوم السعيد سيتم تكريمها وتمييزها عن طلبة مدرستها بمنحها لقب الطالب المثالي ، وذلك الأمر يدخل البهجة في نفوسنا ويعزز ثقتها بنفسها ويؤكد أن جهودها ومجهوداتنا تستحق التقدير .

على تمام الساعة الثانية عشر ظهراً كانت فيروز في كامل أناقتها متهيئة للذهاب إلى مدرستها مستبشرة كل خير، متمنية العودة إلى المنزل حاملة شارة الطالب المثالي لكي نطبع على خدها الصغير قبلاتنا ونقول لها بكل جوارحنا : ( ما شاء الله عليك ) ، كما نفعل دائما حينما تعود من مدرستها حاملة حقيبتها المدرسية المليئة بالكتب بيد وممسكة بأحد كراساتها المليئة بكلمة ممتاز وعبارات الشكر والتقدير باليد الأخرى ، وتقول لنا بملء شدقيها : (جبتلكم ممتاز) .

كانت واثقة من حصولها على لقب الطالب المثالي وكانت تعتقد أن اختيار الطلبة المثاليين في المدرسة يعتمد بالدرجة الأولى على تحصيلهم العلمي وسلوكهم ومثابرتهم .

كانت تعتبر أن بطاقة المتابعة الشهرية التي توضح تفوقها وحصولها على أعلى المعدلات في القدرة على الاستيعاب والسلوك والهندام والنشاط والمشاركة داخل الفصل هي المعيار الحقيقي الذي تتخذه إدارة المدرسة في اختيار الطالب المثالي .

لم تسمع عزيزتي فيروز بالمثل الشعبي الذي يقول : (الحرة أول ما اتزرب ,,, اتزرب بيتها) ، ولا شك أنها لو سمعت به لما فهمت معانيه ، ولكن بعض المعلمات الفاضلات (سامحهن الله) في العديد من المؤسسات التعليمية يعتبرن ذلك المثل من الأمثال الشعبية التي جسدت حكمة أجدادنا ، ويعملن به في التعامل مع طلبة المدرسة التي يتعلم فيها أبناؤهن .. تعتبر العديد منهن أن التمييز بين فلذات أكبادهن وباقي طلبة المدرسة حق مشروع لهن ، فالكبد (حرفه) وعاطفة الأمومة تتغلب على المرأة فتنحاز لمن تحرص على مستقبلهم ، وتنسى قدسية مهنة التعليم وأن مستقبل فلذات أكبادنا جميعاً أمانة في عنقها ، فتبذل قصارى جهدها من أجل أن يتميز أبنها عن باقي طلبة المدرسة ولاشك أنها بذلك وبتطبيقها لهذا المثل بهذه الكيفية تسيء إلى أبنها أكثر من إساءتها إلى أبنائنا ، فسوف لن يهتم ذلك الابن بمستقبله الدراسي وتحصيله العلمي ويسند تلك المهمة لوالدته المعلمة التي تستطيع الحصول على كافة أسئلة الامتحانات قبل أوانها ، ولا تجد صعوبة في الوقوف على كتفه أثناء إجابته على أوراق الامتحانات ، ولكن فيروز لم تكن تدرك ذلك . كانت معتمدة على قدراتها ولم تكن مهتمة بعلاقتي الشخصية مع مدير مدرستها الذي تجمعني به علاقة حميمة .

عندما أعلن عن نتيجة التقييم ولم يقع عليها الاختيار وخاب أملها في الحصول على ذلك اللقب ، شعرت أن الابتسامة التي تعلو محياها تلاشت كما يتلاشى نور الشمس حينما تخيم عليه سحابة شتاء . 

شعلة الحماس التي تتأجج في أعماقها انطفأت كما ينطفئ لهيب الشمعة حينما تعصف به الرياح العاتية ، انقبض قلبها الذي كان يرفرف من السعادة .

حينما أرادت إدارة المدرسة التقاط صورة تذكارية تاريخية للطلبة الذين رأت أنهم الأفضل في المدرسة أرادت فيروز أن تعلن عن احتجاجها على ذلك الاختيار الذي لم يكن منصفا لها ، عقدت حاجبيها وعبرت عن غضبها بتكشيره ارتسمت على صفحات وجهها البريء.