علي جمعة اسبيق
*************
عندما يكتب شاب ناضج ولد عام 1990 في مدينة الابرق شرق البيضاء وتطل على شحات بجمال الثلاثة وخصوصية كل واحدة منهم هيئة جمالية ومناخا يكتب مستحلبا جوهر الأقلام و وجدانات الكتاب ليستخلص جملا تعريفية ولا أعمق يقول فيها اسبيق الروائي نادر الحدوث : “يمكن للكاتب أن يقول الحقيقة، فقط ليحافظ عليها، دون انتظار أي انتصار، ستبقى الحقيقة صامدة، تواجه أي محاولة للالتفاف عليها وفي الكتاب ستفرض نفسها ولو بعد حين، عندنا مثل شعبي يقول: (كلام الحق وجاع)، أنت دائما في مواجهة عند قول الحقيقة، ربما سيكسر قلمك لكنه كما النحلة تموت بعد أن تغرس آخر دفاعاتها في جسد الحقيقة“.
إذن هو متمكن من سبر غور المعاني لدى الكتاب وربما عبر عن ذاته الكتابية أيضا .. ليس لكونه المتحصل على ليسانس لغة عربية من جامعة عمر المختار ، ولكونه طالبا بالدراسات العليا قسم الأدبيات فليست الدراسة الأكاديمية صاقلة للموهبة الربانية التي تهبط قدرية على صاحبها فتشكله وتحدد مساراته منذ الصغر فكثر حولنا درسوا الشعر والأدب ولكنهم لم يستطيعوا صياغة بيت أو كتابة قصة قصيرة أو خاطرة أدبية عميقة .. هذا الروائي القاص الموهوب منذ الصغر صقلته الكتب والأمكنة .. الكتب التي زينت غرفته وكانت مجتمعة هي أثقل من وزن جسمه الصغير وهو ابن السنوات التسع حيث بدأت علاقته بالكتب وعشق اقتنائها ونهم القراءة وهو في الصف الثالث من المرحلة الأساسية علي جمعة استهواه كتاب بينا هو في أحد الأسواق العامة صغيرا فاشتراه ودب عشق الكتب حتى في قلبه وعقله معا ولبنة لمكتبة خاصة تضم كتبا عدة استشف منها أن الفكرة ترك النص يحلل نفسه ولا يتدخل هو برأيه الشخصي فكان قاسيا على نفسه حين قال في هذا الحياد حيال أبطاله وعقدة نصه القصصية وحتى ملامح السردية المتميزة عن كتابات غيره من الروائيين .. قال في هذا : “لا يمكن أن أفرض ( علي إسبيق) على القاريء، علي إسبيق نكرة ، مزاجي، قد لا يروق لأي شخص، لذلك يجب أن افصله ورأيه عن القاريء، وأقدم نصا حياديا قدر الإمكان، أنا أسرد من باطن الأرض التي تدور فيها الرواية، من البطوم والشماري والوادي من عيون السهل والجبل والحيوانات، لأنها شاهد عدل، ولا تفق إلا في صف الحقيقة السردية للموقف الحال، ولا استخدم سلطة الكاتب، فقط لا أتدخل في سير الحكاية هذا كل مافي الأمر“. أما عن الأمكنة فهي قصة أخرى معه .. وقد ولد بالابرق ودرس بها وتخرج عن جامعة عمر المختار بمدينة القبة ولكنه الآن في مرحلة دراساته العليا فقد تخير جامعة محمد بن علي السنوسي في مدينة البيضاء .. وهو القائل عن ميزة ارتباط المكان بماهية الكتابة وألوانها وعمقها : “ من الإنصاف أن أعتني بالأمكنة في كتاباتي، الأمكنة تتحدث كثيرا، وتقول الكثير، الأمكنة تعني لحظات كانت هنا وأشخاص مروا من هنا، أمم وأناس وحضارات، الأمكنة إرث، يجب أن يدون كل كلمة تخرج منه“.
حين نتحدث عن مبدع مثله علينا أن نغوص في كنه حكاياته لأن التميز لا يأتي عن إهمال لموهبة وقد تكون أكثر من هبة منحها الله له فساهمت كلها مجتمعة من تشكيله وصياغته فكريا وروحيا كإنسان مختلف بدأ الكتابة منذ مراحله المدرسية الأولى وتألق عبرالإذاعة المدرسية وساهم شغفه بالقراءات المختلفة صغيرا خاصة بكتب التاريخ وسير الأعلام المختلفين المشارب والمسارب وأمنياته أن يكون أحدهم يوما ما بتأكيد هبة الله له ( الكتابة ) وكانت لتضيع الموهبة إذا لم يجد الطفل في نشأته من يدعمه ويصدقه ويؤمن بما لديه من إمكانيات تؤهله لأكثر مما هو عليه .. فكانت الوالدة هي الداعم والدافع ثم الصحب الصدوقين .. الذي شاركوه شغفه بكرة القدم فنشأ في ساحة معشوشبة بالأخضر الطبيعي برائحته المنعشة حين تختلط بماء المطر والندى أحيانا بنادي الابرق حيث يقطن والعائلة ويتابع كل صغيرة وكبيرة هناك حتى شب عن الطوق ليصبح إداريا بذات النادي .. ومايزال الملم بكل مجريات أحداث الكرة الليبية فهو من مشجعي نادي النصر بنغازي ومن عشاق ريال مدريد ومانشستر يونايتد .. ومايزال القارئ والدارس والكاتب الروائي والمقالي المتمكن من إبداعه الأدبي .. فلنتوقف هنا ونقرأ شيئا من روايته ( غسيل أرحام ) لنعرفه عن كثب :
هنا دنيا آخرى، لا تمت لدنياكم بصلة، أنت حين تدخل هذا الحي من بنغازي، فإنك تدخل دولة أخرى، بتجارها، وساستها، ورجال دينها، وبلطجيتها، هنا حيث القانون الخاص، حيث يدفع الأغنياء للجميع، ويفتي الإمام لخاصته، ويسعى المتعاطون لإيجاد واقع يخصهم، الكثير من الأولاد هنا ينسبون لرجال ليس لهم بهم صلة، قد يكون والدك الحقيقي واحد من ثلاث :
_ ذاك المترنح الذي اشتم لتوه نوعا من الكوكايين المضروب، أو ذاك الغني الذي يصفع سائقه، أو ذاك الإرهابي الذي يخفي نفسه خلف كتاب لم يقرأ منه سوى أنه لسيد قطب، لكن الجميع يعرف أمك، فأمك لا أحد في هذا الحيي يجهلها.
هكذا عبر عن مساؤئ في بعض الأمكنة التي كانت بحاجة لمعالجات مجتمعية ومن هو الكاتب الصادق لولا أن يعيش معاناة البيئة المحيطة فيدرس الثغرات ويبحث عن الحلول وإن كان السرد عبر رواية .. كاتبنا اليوم من هذا النوع وأكثر لأنه عالج وعايش مجتمعه ومافيه عبر الرواية كما المقالة ودائما .. لا يخذل الله من يؤمن بما حباه من موهبة ويسير ليس معصوب الأعين بل في دروب مضيئة بأعين ثاقبة نحو هدفه فكانت لسبيق حظوة وحظا أن لملم أفكار قصصه ورواياته في سن مبكرة فصيغت عبر دفتي كتاب مصدرا عددا من الأعمال التي في ميزان غيره من غير المتمكنين من لغة وصياغة جملية معمقة وسردية سلسة ما احتفت به ورغبت بمجموعاته القصصية والروائية دور نشر كبيرة .. ومن باب التشويق والحبكة غير الاعتيادية عند علي جمعة اسبيق أنه في قصته قمر دلالات على قهر أنثوي من نوع مختلف بينه بعدم تصديها بالرد والكلام في مواجهة الظالمين في مجتمع ذكوري وتركها طيلة قصة تدور حولها وهي بطلتها مكتفية بالصمت وكأنه يقول ( إن لفي الصمت كلام .. وأي كلام ) فكانت روح القمر ساقطا حال كل أنثى في هيئة تلك القمر وقال هنا : ” قمر لم تبرر لهم ، لأن الحدث فوق مستوى التبرير، فمهما قالت لن تصدق، كذلك قمر وحالها لاجدوى من نطقها، في مجتمع لا يصدق الإناث فقط لأنهن إناث، كل قمر مهما كانت محقة مخطئة عندهم مهما تحدثت وأقسمت ودللت، لذلك لم أرهق بطلتي في الحديث يكفيها مالقته من مجتمعها“. رواية (روح قمر) صدرت للكاتب الروائي عن دار إرفاء في المملكة السعودية .. كما صدرت له مجموعة مجموعة قصص وحكايات شعبية طبعت في القاهرة عن دار أفاتار تحت عنوان (إلداد)في العام 2018 م .. أما رواية (بريق أسود) فصدرت عن دار فنون المصرية ، ورواية (بلاد الذهب) صدرت عن دار الرائدية في السعودية ( جناح جواري الخليفة ).. شطيرة الكتب بنغازي _ (جناح جواري الخليفة) الطبعة الثانية عن دار الرائدية السعودية (الغرفة 34) عن دار الجابر .
فلنتعرف على لونه الإبداعي أكثر بعد معرفتنا به شخصية إبداعية متصاعدة نحو الجهبذة بقوة امتلاك أدوات المبدع الحقيقية بدء من موهبة تبينت ملامحها منذ الصغر صاغها المكان وصقلت عبر الزمان واتضح لونها صاخبا ثابتا مريحا واثقا من انعكاساته على الآخرين عبر دراسة أكاديمية يكتمل معها إطار الصورة البديع لليبي الشاب ( علي جمعة اسبيق )
في إحدى قصص مجموعته إلداد ” محبوب لله “
منذ كنت صغيرا وأنا ادفع ثمن أخطاء لاعلاقة لي بها ، فأنا يهودي ، ولست صهيوني ، لكن هذا النوع من المسلمين لا يريد أن يقتنع بأن نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام .. تعايش مع اليهود بل مات ودرعه قد رهنه عند أحد أجدادي الغابرين ، نسيت أن أعرفكم بنفسي أنا إلداد يهودي الديانة عربي الأصل ليبي الجنسية أسكن هذه الأرض منذ منذ قبل ولادتي وقبل ولادة أبي وقبل أن تفكر رئيسة عشيرتنا من الزواج بجدنا الأول ، هذه القطعة من الأرض في شرق ليبيا في الجبل الأخضر تسمى ( ملم اليهود ) أي مجمع اليهود نسبة لتواجد من يدين بالديانة اليهودية بها ، هي أرض صغيرة خضراء معتدلة الطقس كثيرة الخضرة تحيط بها المراعي من كل جانب ، هذا الجمال الذي و هبه الله لبلدي ليبيا وهذه التمازج بين ثقافات أبنائها الذي سيختفي و يذوب نتيجة إعاقات ذهنية ومن هنا تبدأ حكايتي أنا ( إلداد محبوب الله ) .
لم يكتب اسبيق الرواية والقصة فقط بل له أطروحات أدبية بحثية مهمة في علم اللغة العربية .. وعديد المقالات التي نشرها عبر الصحف الليبية .. تبقى له مع نشره لإصدارته التي ذكرتها آنفا عدد من المخطوطات الجاهزة للنشر بإذن الله منها :
(ﻛﺸﻚ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺣﻜﺎﻳﺎﺕ ﺷﻌﺒﻴة
(ﻧﻴﺮﻭﻥ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ
(ﺍﻟﻜﻨﺰ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ
(بوزقراب) مجموعة قصصية
(ﺍﻟحشاشين) ﺭﻭﺍﻳة