الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-11-22

6:35 مساءً

أهم اللأخبار

2024-11-22 6:35 مساءً

الصادق النيهوم..لمن لا يعرفه

01

امجاور اغريبيل

النيهوم لمن لا يعرفه كاتب ليبي ولد بمدينة بنغازي سنة 1937 وتوفي يوم 15/11/1994 ودفن بمقبرة الهواري وتوقف عن الترحال بعد ان احتواه القبر رقم 144 وبين مولده ووفاته عاش حياة زاخرة بالعطاء الفكري واﻷدبي.

عاش يتيما بعد موت امه المبكر متنقلا بين منزل اخواله بسيدي حسين ومنزل عمه بالشابي ولم يستقر بمنزل والده بسوق الحشيش إلا عندما باشر دراسته اﻹبتدائية بمدرسة اﻷمير.

قضى نصف طفولته في نصب الفخاخ للعصافير والنصف الآخر في قذف أنوف المارة عبر سوق الحشيش بمقلاعه الصغير وعندما اصبح كاتبا لم تفارقه هذه العادة فقضى نصف حياته في اصطياد أخطاء الليبيين والنصف الآخر في إخراج لسانه للقراء على نحو لا يدعو للضحك دائما.

يتميز أسلوب النيهوم بخصائص تظهر مجتمعة ﻷول مرة عند كاتب ليبي وهي السلاسة وغرابة التعبير مع بساطته والمزج بين خلاصة الثقافة اﻷوروبية والتراث الليبي بمقوماته العربية واﻹسلامية مع ادراك للعلاقة بين الموضوعات بطريقة لا تخطر على الكثيرين.

هذا ما كتبه عنه الأستاذ علي فهمي خشيم تحت عنوان الظاهرة النيهومية ولعله لم يذكر سوى نصف الحقيقة اما نصفها الآخر فهو أن النيهوم ليس مجرد كاتب ساخر يجد دائما طريقة ما للتعبير عن أفكاره وفي كل الظروف بل هو اكثر من ذلك فيلسوف ومفكر ومحاور ومجادل بارع يملك قدرة خارقة على رصد الواقع واكتشاف اخطائه.

يصفه البعض بانه بروتاغوراس الثقافة العربية بل اكثر من ذلك يشبهون كتابه تحية طيبة وبعد بكتاب هكذا تكلم زرادشت .

يملك القدرة على عرض أفكاره وايصالها للقارئ بأسهل الطرق وفي قالب ساخر يعتمد المفارقة والتناقض وسيلة لتقريب المعنى وتوضيحه.

كاتب لا يتملق القاريء ولا يطلب وده بل هو يتعمد استفزازه ومشاكسته على نحو يدفعه دائما إلى التفاعل مع مايقرا وهي مهمة صعبة قام بها واتقنها النيهوم على مدى ربع قرن من الزمان.

يقول الصادق النيهوم في إحدى مقالاته موجها حديثه إلى المواطن الليبي …أيها المواطن بعد ان تقتل الوقت لا تنسى ان تحمل جثته معك…في مقال نشر بتاريخ 23/8/1968 يقول…أننا مجرد امة عجوز  تحلس في شمس افريقيا المحرقة تغسل قدميها في مياه البحر وتبيع براميل الزيت…

ناصب النيهوم المواطن الليبي العداء وجعله هدفا لسخريته اللاذعة وهي بالطبع سخرية هادفة تسعى إلى نقد الواقع وتعريته بل وإلى هدمه بقصد البناء عليه او على اﻷقل تهيئته ﻷعمال بناء وتشييد ستتم لاحقا.

إننا امة تقبض راتبا شهرباً تنفقه في شراء كل شيء ينتجه اﻷخرون وإذا كان هذا يبدو سلوكا طبيعيا لنا فأنه بالتأكيد لا يبدو كذلك لدى الرجال المجربين الذين تعلموا أن السماء لا تمطر ذهبا ولافضة …فماذا ينتظرنا في نهاية المطاف ؟.

الحاج الزروق نموذج للمواطن الليبي الذي ناصبه النيهوم العداء وهو ظل بحسب تعبيره طوال الف عام يقضي وقته جالسا عند رأس الزقاق ينعم بلعب السيزة ويعوج طاقيته وفي المساء يعود إلى بيته لينعم بقليل من الحب وطبيخة القديد.

الحاجة امدلله والسيدة ف . م نماذج للمراة الليبية التي كان لها نصيبها من كتابات الصادق النيهوم وهي كتابات منحازة تدافع عن قضايا المراة ضد تسلط الرجل.

في كتابه فرسان بلا معركة يقول متحدثا على لسان إحدى النساء الليبيات…مولاي أنا ولدت رغم انفي كعادة اﻷطفال وقطعت القابلة صرتي بأسنانها ووضعتني في قدر من الماء الساخن وتركتني انضج مثل سلحفاة مسلوخة الجلد معلنة ﻷهل البيت ان نحاسة البنت لا تغسلها سوى الدموع.

…مولاي كبرت رغم انفي كعادة اﻷطفال وبدات اصحو قبل الطيور  وتعلمت كيف اغسل الصحون بالعوين واغسل جوارب اخوتي والحصران القديمة وأمسح بلاط المرحاض كل جمعة واوقد النار بعود ثقاب واحد.

مولاي انا قضيت في دكاكين حميد خمسين عاما من نسخة واحدة ودفنوني بعد ذلك في المقبرة التي تقع على بعد مائة متر من بيتنا فهل ارسلتني إلى هذه الدنيا لكي امشي بها مائة متر داخل نعش.

لقد سخر الصادق النيهوم من الحاج الزروق والحاجة امدلله سخر من اعراسنا وماتمنا من  اغانينا ومطربينا من طرق تربيتنا ﻷطفالنا وتسلطنا على نسائنا من جهلنا وثقافتنا المتخلفة من العفاريت واﻷشباح التي تسكن بيوتنا وتطارد المارة عبر شوارعنا من الشياطين التي تعيش معنا وننسب إليها كل اخطائنا ونزواتنا.

لقد سخر النيهوم من الجميع …

النيهوم الذي كتب تحية طيبة وبعد وفرسان بلا معركة ومن مكة إلى هنا والقرود وعديد المقالات وناصب جميع الليبيين العداء وتناولهم بالنقد بقلمه الرشيق ولغته الفريدة لم يقف عند هذا الحد فقد كتب في مرحلة لاحقة بدت مختلفة عن سابقتها كتب صوت الناس واسلام ضد اﻹسلام واﻹسلام في اﻷسر ثم محنة ثقافة مزورة.

وجه اﻹختلاف ان النيهوم قد تناول بالتحليل والنقد مواضيع تعد مقدسة ويعد اﻹقتراب منها إعتداء على ارث اﻷمة وثقافتها وماترسخ في وجدانها.

من ناصبهم النيهوم  العداء هذه المرة ليسوا الحاج الزروق ولا الحاجة امدللة ..بل هم الحكام ورجال الدين .

وهذا هو ما وضع النيهوم في مرمى نيران كهنة المعبد ومثقفي السلطة فتعرض لحملة تشهير وتشكيك في دينه واتهموه بالكفر واﻹلحاد ﻷنه قال ان الدين اﻹسلامي مختلف عن دين الفقهاء لكن هذا لم يمنع البعض من القول بان النيهوم يعمل بدقة وإقتدار على ملامسة مسلمات مكرسة منذ مئات السنين  وتفكيكها  وإعادتها إلى مرجعيتها الحقيقية دون مجاملة أو محاباة يعمل مبضعه الحاد في نسيج الموروث يطأ ارضا محرمة يطال برجا عاليا مدججا بالقتل والقتلة.

نوال السعداوي في تعليقها على كتابه اﻹسلام في اﻷسر كتبت.. ما احوجنا إلى مثل هذه الكتب الشجاعة التي تهتك بعض الحجب والمعميات السياسية والدينية الرائجة هذه اﻷيام تحت ستائر كثيفة من أدخنة المباخر والخطب والنصوص المحفوظة.

ولم تنسى نوال السعداوي ان ترد على دعوة النيهوم إلى تفعيل دور الجامع وتحويل يوم الجمعة إلى اجتماع عام لتدارس قضايا ومشاكل الناس. ردت بقولها ان الناس بقريتها بدلتا مصر تجتمع يوم السبت في السوق الكبير وليس في الجامع يوم الجمعة بغض النظر عن الدين او العقيدة.

الدعوة إلى تفعيل دور الجامع و الديمقراطية المباشرة التي تبناها النيهوم في مواجهة ديمقراطية اﻷحزاب والبرلمانات اعتبرها البعض دليلا على ارتباط النبهوم ببعض اﻷنظمة السياسية في المنطقة والتي دعمته بالمال لتمويل العديد من مشاريعه الثقافية مثل تاسيسه لدار التراث ثم دار المختار  واصداره لسلسة من الموسوعات العربية من بينها تاريخنا  وبهجة المعرفة  وموسوعة الشباب  واطلس الرحلات وموسوعة السلاح.

قضى النيهوم اواخر ايامه بمدينة جنييف في أحدى ضواحيها المطلة على البحيرة من الجهة الفرنسية كان متزوجا من سكرتيرته المسيحية الديانة الفلسطينية اﻷصل والمولد السيدة اوديت ولديه  طفلان كريم وامينة من زوجته السابقةالفنلندية التي هحرها بعد ان غادر فنلندا ليستقر في سويسرا.

وصل النيهوم الى سويسرا بعد رحلة طويلة من بنغازي إلى بيروت ثم فنلندا ليستقر اخيرا في جنييف حيث وافته المنية متاثرا بمرض سرطان الرئة له ما له وعليه ما عليه رحمه الله وانار قبره بقدر ما حاول ان ينير حياتنا ….انتهى

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة