الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-09-20

1:46 صباحًا

أهم اللأخبار

2024-09-20 1:46 صباحًا

Wide-Web-608

عفاف عبد المحسن

كان المسرح ولا يزال من أهم وربما أول المحطات في تكوين الحياة الثقافية للمجتمعات كافة حتى وصلنا رغم أننا نعيش على مسرح مفتوح حوارياتنا عليه هي حكاياتنا الحياتية اليومية بين كل من نتعايش بينهم ومعهم ونعيش لهم أو لأجلهم دون شعور منّا ولا تقمص لشخصوا أخرى نحن أبطال على ركح الحياة بمجرياتها اليومية .. فهل استطاع المجسد العادي غير الاعتباري على مسرح الحياة الكبير العام أن لا يعرض نفسه للمخاطر حتى عبر تمريره لفكرة ما .. تعرضه لمعالجات لموقف أو أكثر ؟!! سنقول لا فالمواجهات تكون صعبة هذا يوصلنا لفن جديد حياتي نمرر عبره ضمنا أو علنا فكرة .. أو قيمة تبليغية أو ترشيدية أو حتى تخريبية على هيئة عمل فني ونقلص مساحة المسرح الذي نعرض عليه روايتنا أو حكايتنا وبداية نحدد ماهية الجمهور المدعو للحضور والتلقي وإذا انتشرت الرواية المسرحية والكلام عنها كان إيجابيا جلب الجمهور جمهورا أو آخرين أخذهم الفضول لمعرفة كنه ما يدور وهكذا .. نصل هنا للتسليم بأن الخطاب المسرحي هو أفضل وسيلة تعبيرية عن أفكار و إيديولوجيات قد يتعذر على المؤلف التصريح بها وإذا ما وجدنا أنفسنا نواكب اليومي والمتداول والمتعارف عليه ونسعى لنختلف في المضامين بما يتناسب ونمط عيشنا وعقيدتنا وعرفنا المجتمعي الخاص ننسحب من العام الشامل إلى الخاص المغلق والمقنن الفني بقواعده وأبعاده ودلالاته ورسالته المبتغاة وأهدافه التي رسمت قبل أن يكون شيء اسمه مسرح أو ربما تكون ثم تنوعت أهدافه ورسمت قواعده..

وأعرج على قول الدكتور – عمر محمد الطالب: إن المسرح فن أدبي وبصري يستمد أصوله من مقومات الأمة وثقافتها وأصولها. ولا يشترط أن يكون منسوخا عن المسرح اليوناني القديم أو المسرح الأوربي الحديث … ” و ينحوا هذا المنحى أيضا الكاتب: عبد الكريم برشيد بقوله: إن المسرح العربي قد ولد يوم ولد المجتمع العربي وهذا الوليد لا يشبه إلا ذاته لأنه في تركيبه مخالف للمسرح اليوناني الغربي و هذا شيء طبيعي مادام أنه مرتبط بشروط جغرافية و تاريخية و اجتماعية وذهنية و نفسية مختلفة. *

إذن من منطلق تساؤلنا .. هل ندعم جميعا قول الشاعر لوركا ( شعب لا يهتم بمسرحه ، ولا يدعمه ، هو شعب ميت او في طريقه إلى الموت ) ؟ نفتح أبوابا لتساؤلات أخرى قد تجيبنا شيئا فشيئا على فرضية هذا البحث في كنه الجمهور كسبب رئيسي في التجليات المسرحية .. مما يعني أن المحترف المجسد للحوار المسرحي قد يخرج عن النص مرتجلا ما يدعم المعنى في حال وجد في حركة الجمهور ما يدعم ويشجع ويرفع من معنوياته مضيفا كلمة أو جملة حوارية لا تشوه أصل النص بقدر الرفع من مزيد من الاستثارة للمتلقي للتفاعل والتقييم الإيجابي لما يقدم له .. أو كثافة الأعمال التي تجعل المسرح بؤرة ثقافية مشتعلة جذوتها في البلد أو في مدينة بذاتها أن الملهم للكاتب المسرحي هي وقائع حين يضعها في حواريات ونقلات إخراجية ناجعة متعلقة بكماليات تتجانس وفحوى الأحداث وإسقاطات المعاني .. يراها تغيرا في نمطية عمل  مسؤول وانتقاء لتداول كلامي أو تصرفي اختلف بين الناس .. ويفتح هذا وذاك أبوابا أخرى لتساؤلات لا تنتهي .. إذ الدارس المتدارس في آن لأبجديات التغيير التي يحدثها أستاذ الشعوب لن يتوقف عن طرح الأسئلة فالإجابات دائما تكون غير شافية أحيانا وأخرى هي مفاتيح لمغاليق أخرى مبهمة لدى السائل الدارس أو القارئ المدرك ..    

فمن يمكنه نكران أن المشاهدة المسرحية توفر للمتفرج  نوعا من المتعة مع إعمال التفكير بعدها فيما شاهد وسمع وشعر متفاعلا بين الجميع ” تارة ضاحكا وأخرى مستاء وثالثة باكيا ورابعة معترضا على صوت طفل يبكي بين الجمهور مؤثرا على مستوى الصوت أو مخرجا الجميع من لحظة الانتباه والاستمتاع ” ؟ من يمكنه أن يعترض على فكرة تقول : إن الجمهورعنصر فعال ومكون ضمن أساسيات العمل المسرحي كالسينوغرافيا والديكور وحركة الممثلين على الركح ومن دونه مشاركة لا تكتمل التجليات المسرحية ؟  

تقول آن أبوبوزفيلد ( الجمهور هو المعني بالخطاب المسرحي مثلما هو المتلقي الذي يتسلم جميع الرسائل والأخبار في عملية الاتصال هذه ، لأنه ملك الحفل وسيده الأوحد)** .

في ندوة مسرحية ترأسها الكاتب المسرحي علي الفلاح قال مستهلا حديثه عن المسرح : إن هذا الفن السامي حافظ على كينونته وتواصله منذ آلاف السنين ولعل من اللافت أن العلاقة بين المسرح والجمهور هو الذي يشغل المسرحيين منذ الأزل إلى اللحظة الراهنة ومانحن هنا في ندوة تحمل عنوان ( المسرح الليبي الكوميدي بين التقليد والتجديد ) إلا لتأكيد هذه العلاقة ( ……. ) خاتما إدارته للندوة بكلمة قال فيها : المسرح الليبي حمل بمهام غير ضرورية فالقضايا المصيرية مثل فلسطين لا تحررها المسرحيات ولا الشعر بل تدخل في انساق مجتمعات لها تكوينها السياسي والاجتماعي .. وتساءل : ما أهمية المعاهد الفنية في دولة لا تعترف بالمسرح وتصنف الممثل كهاوي .. لا بد من وقفة جادة لتطوير المسرح فبلد لا يوجد به احتراف لا يوجد به هوية ولن تغير من ثقافة الشارع  كثر من المهتمين والكتاب أكدوا أن المسرح منوط به التغيير للأفضل والأقيم في واقع الشعوب ونمط الثقافة المتداولة في الشارع العام .. إذن جمهور المسرح ليس مجرد حائط رابع لا حياة ولا تفاعل بل هو يمثل جزء مكملا لروح ومعنى النص مع السنوغرافيا والحوار والمسرحيين .. مراسل للموقع الإلكتروني ( ليبيا اليوم )  تطرق لأهمية المسرح عبر تأثيره المباشر والقوي في جمهور المتفرجين حينما يعالج العمل المسرحي أو يتطرق إلى الواقع المعاش ويعزو نجاح مسرحية المستشفى لمخرجها داوود الحوتي إلى أنها لمست الواقع الحقيقي متمنيا أن يخاطب المسرح الشارع الليبي مخاطبة حقيقة خاصة وان له دور اساسى في تغيير المجتمعات والوقائع والواقع .. كما فعلت عديد المسرحيات التي نقلت واقعا يتذمر منه الشارع في إطار الكوميديا السوداء حيث عدوى ضحك المتلقي خاصة مع ازدحام إطار موقع الجمهور المتوقع شيئا مختلفا حينما يعلن بشكل مميز عن مسرحية ستعرض لكاتب ما يدركون أنه غير سطحي ولفنان أو أكثر يجسد أدوارا كم مثلتهم من قبل ولمخرج أدرك كيف يوظف النص والمسرحيين المحترفين على الركح مع باقي مكونات العمل لمسرحية للفرجة والاستمتاع والاستعلام والاستفادة والمعالجة في آن كما في أعمال كثيرة أثرت في الشارع الليبي  على سبيل المثال لا الحصر :

كوشي ياكوشة // طار الحمام / خرف ياشعيب / حلم ليلة صيف / قالك ولعلي / على الهامش / الحجالات / ……… والمستشفى التي تركت جدلا كبيرا بين المراقبين وصناعها إلى أن عرضت وتحول الجدل لجمهور المتلقين .. وهنا يستوقفنا رأي آخر يؤكد رؤية خاصة وعامة حول النص المسرحي المحبوك ناقلا لوقائع حواريته قريبة لذهنية المتلقي والنتيجة تأثير غير مباشر أو مباشر في جمهور المتلقين أو كيفا من شأنه تعميم التأثير الإيجابي المرجو إذ يرى الصحفي عبدالرحمن سلامة : أهمية مخاطبة الجهات المسؤلة لدعم المسرح في ليبيا بناء على تأثيره الواضح على مستوى ثقافة الشارع عبر المتفرجين بمستوياتهم المختلفة وأهمية مخاطبة الناس عبر الركح .

المنطلق الأقرب للصورة التي يستنتج منها معنى العنوان أن الجمهور سبب رئيسي في التجليات المسرحية وعنيت هنا بالتجليات ليست فقط تماهي الفنان المسرحي مع الشخصية التي يجسدها ووحي المكان بتفاصيله الملهمة من ديكور وإضاءة وخلفية موسيقية واستخدامات السينوغرافيا تلك بين صعود الحالة وهبوطها ومواقع الخفوت والإبهار المتسلسلة مع الحوار المتداول .. بل المكمن الحقيقي لهذه التجليات هو .. ( الجمهور)  فالجمهور الذي يستمد متعة حقيقية أثناء الفرجة على الرواية المسرحية متفاعلا مع مجاورينه في قاعة العرض المتسعة لأكبر عدد من المتلقين اختلفت مشاربهم الفكرية والمجتمعية أو اتفقت في أشياء .. مختلفة في أخرى .. وهذا التنوع مطلوب وصحي إذ يدعم اختلاف الرؤى والأبعاد ورسم الدلالات سواء على الوجوه أو عبر المناقشات المحتدمة بعد العرض أو أثنائه أو عبر أقلام الكتاب العاديين أو الكتاب الناقدين المسرحيين أو الناقدين الروائيين أي المتخصصين في النص فقط .. أولئك  على الركح المنتظر نجاحا لما تعب في تجسيده مؤمنا برسالة يستعرضها مدركا أن وصولها بهكذا طريقة أقرب للعقل والروح والنفس مؤدية لتغيير يبتغونه يحسب لهم إذن فقدان التفاعلية الحقة التي منشأها جمهور كثيف يفقد المسرحي تجلياته إذ يأتلق بالمعنى ويكثف قيمة المرسل ربما بإيماءة لم يدرجها المخرج ضمن تعليماته .. بكلمة تثري الحوار لا تميعه أو تضيعه ومن فنان مجسد لشخصية ما تحدث العدوى لمن يتلقى منه ( كيو ) حواره فيتجلى الآخر والآخر ..

وهكذا نعود إلى جملة مهمة تفيد المعنى كتبها أوبرسفيلد (( إن الجمهور يستمد اللذة في المسرح من صحبة الذين يرافقونه في المسرح ويستمدها من الضحك المجلجل أو الدموع وهنا تصبح لعملية العدوى ضرورتها بالنسبة للذة المتفرج )) .. أوافق أوبرسفيلد عن المحاكاة والعدوى واللذة والتفاعل سواء لجمهور متجانس ثقافيا أو مختلف وفي الأخير سيكون الاندماج مستحب وملطف أكثر للأجواء التي قد تبدوا قبل العرض مشحونة ثم يذوب الجليد بتوافق الجميع ضحكا أو بكاء أو تصفيقا حارا وهذا هو روح العمل المسرحي إذابة الاختلافات صغرت أو كبرت الاتفاق على المعنى والمضمون وقد يكون الاختلاف على طريقة التجسيد أو التناول في جزئيات بعينها .. وأزيد على هذه الصورة غير النمطية بأنها عملية تبادلية فحيث يشعر الجمهور بهذا الاندماج غير المعلن وغير المتعمد والسبب تعميق الفرجة مع صدق الرواية وقوة التجسيد من قبل الفنانين .. يتجلى الفنان المسرحي وهو يكسر حاجز الجدار الرابع ويخترق لب الجمهور السرق بداية كل حواسه بدء بالنظر وقوة ملاحظة العين لحيز المكان المزدحم بالتفاصيل ولم تؤذه بل جذبت سمعه للتمعن في ماهية الحوار المتبادل على الركح وهل يتطابق ومجريات الأحداث ثم خلقت الشعور بالرضى فالشعور بالسخط وكذا الشعور بالحزن حيث تنهمر دموع .. المعادلة إذن حسب المعطيات المذكورة تعطي المطلوب إثباته : أن اندماج الممثل يخلق التجلي المنبثق أصلا عن تعاطي وتفاعل وتلذذ جمهور الفرجة بتنوعه بما يقدم على الركح نصا مسرحيا أداء تمثيليا تدعمه المكملات المسرحية الواجبة للمشهدية مع فن إخراجي مدروس بتؤدة .

في زمن التثاقف لا الثقافة في وقت أصبح الخروج عن المألوف هو المتآلف والمقبول .. من أين تستقى القيم والمبادئ والأخلاقيات إذا آمنا بالمقولتين ( المسرح أستاذ الشعوب _ وأعطني مسرحا أعطيك شعبا ) وإذا ماسلمنا بهكذا تجاوب بين طرفي المعادلة المسرحية وهنا أنوه إلى الطرفين بأنسنة العمل أي ممثل إنسان يفكر ويجسد يقدم عرضه لمتفرج إنسان يستقبل الرسالة الفنية المسرحية متفاعلا معها ويعيد تفاعله للمسرحيين فيتجلوا متصاعدين بروايتهم لقمة التراجيديا .. قمة الكوميديا .. قمة الدراما بشكل عام المحملة بقيمة إذن (في هذا الزمن يجب أن يترسخ لدى كل شخص كيف ما كان أنه سيد و ممول للعرض وباعتبارها جملة صحيحة مؤداها فائدة عامة ستعطي فرصة لأكثر مشاهدة من الجمهور , أكثر تقبلا للمسرح وحضورا عائليا ملحوظ لقاعاته فتستقى الحالة القيمية المرجو تسربلها بسلاسة في جسد المجتمعات التي تتقبل الأعمال الفنية الحية التبادلية بين المتفرج والفنان على خشبة المسرح . وتثبيتا للفكرة أن التجليات المسرحية يخلقها الجمهور تقول آن أبوبوزفيلد ( الجمهور هو المعني بالخطاب المسرحي ولا مسرح بلا جمهور ) . ***

**_____________________________

 1) * كتاب” ملامح المسرحية العربية الإسلامية “

2) ** كتاب قراءة المسرح لــ / آن أوبرسفيلد..  

 3)*** دراسة الدكتور نايف الشبول : أهمية الجمهور في إحياء العمل المسرحي .


اكتشاف المزيد من المنصة الليبية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة