1935م _ 2013 م
عراب .. أديب ترك إرثاً ثقافياً ضخما تضمنته المكتبة الليبية .. بصمته لن تبهت تفاصيلها وإن غيبه الموت طالما نقرأ له ولمجايليه من الكبار طالما نؤمن أن الكلمة مؤثر فعال حينما يصدق القلب .. وتوفي فجر الأربعاء 26/ 2 /2013 بهدوء مشهده الإنساني كانت هدأة أنفاسه الأخيرة حيث تلقيت طرابلس خبر وفاته فجرا عبر رسالة قصيرة من نقاله والفجاءة هنا لكل من فتح الرسالة ممن هم في قائمة الاتصال معتقدا أنها من كامل فقرأ نصا يقول «الدنيا والدوام لله.. اليوم توفي والدنا كامل عراب».
في مدينة إقامته وأبنائه طرابلس رحل ابن الرجبان حيث زيد فيها سنة 1935م ، ونشأ في طرابلس التي عاش فيها يتيما .. وكم يؤثر اليتم إيجابا في البعض القادرين على جعل الفقد الأسري عوضه العلم والمعرفة والنشأة الكريمة التي بها يعاد التوازن .. تعب حين استكمل تعليمه الابتدائي بغريان .. وواصل إلى أن بدأ حياة عملية كإذاعي في الإذاعة الليبية التي كان ضمن مؤسسيها عقب الاستقلال ، وليس لهذا لمع اسمه بل لتمكنه من الإعداد البرامجي المتقن لمادة ثقافية أدبية جذابة لكل المستمعين مع صوته بقماشته العريضة وتمكنه من اللغة الأم وإن تنوعت برامجه كان صوته مطواعا ليتناسب مع كل مادة مقدمة فذكر جمهور المستمعين له ردحا من الزمن برامج تركت أثرها فيهم : برنامج كلمات في الفن والتي أذيعت كبرنامج مع كونها زاوية مخصصة لكامل عراب عبر مجلة الإذاعة الصادرة منذ منتصف الستينيات وانتشرت عربيا حتى واكبها كتاب وإذاعيين من مصر وتونس // وذاع صيت برنامجه المرتبط بالجمهور مباشرة وعنونه بـ ( طابت أوقاتكم ) // وجنح شعرا وثقافة بينهم مع برنامجه أجنحة الكلمات .. كامل عراب وهكذا اشتهر عربيا ومحليا كإذاعي وكاتب .. رحل عن عالمنا بعد صراع مع المرض .. ولم يصرعه المرض إلا وقد خاض صراعا من أجل الثقافة في بلاده التي أعارت في زمانه لكتابها بالا ومكانا مقدرة أقلاما دافعت باستماتة عن العروبة ومكانتها في العالم رغم نظرة الغرب الدونية لنا نحن العرب والمسلمون خاصة .. فأحد كتبه التي ترجمت لغير العربية بعنوانه الصاعق ( شمس الله تشرق على الغرب _ فضل العرب على أوروبا ) .. ولكل منّا في الحياة دور يليق بكينونته لم يبحث كثيرا عن مكانه الطبيعي ليلعب دورا حياتيا مؤثرا وكأنه استوحى قيمة أدبية قادمة فقد كان شابا ممشوق القوام ابتسامته خجولة صوته هاديء يؤثر الصمت الطويل على كثرة التكلم إلا فيما يفيد أو يوجه له وهو المفوه القدير وعند الحديث عن الإعلام والنقد والقصة والشعر في الثقافة الليبية بشكل عام ، كان كامل عراب اسم من أول الأسماء التي تقفز أمامنا وقد عاصر أسماء كبيرة لها شأنٌ في القصة والمقالة والصحافة والشعر .. واستهللت الكلام عنه بهكذا بداية لأنه لم يبدأ رحلته العملية كإذاعي وأديب كما عرف لاحقا من يصدق أنه كان نائب عريف في البوليس الملكي، لم يجد نفسه هناك فسرعان ما قدَّم استقالته وحالفه الحظ الذي تعثر مع بدايات عمره ليتحصل على عمل في مؤسسة التأمين الاجتماعي ، واستطاع أن يطلع ويعيش واقعه كما أراد لنفسه أن تكون .. سمع مرة عن مسابقة للمقالة والقصة للناشئين نظمها حينها «نادي الشباب الليبي» ولم تسع الفرحة قلبه حين تحصل على فوز مستحق بالجائزة الأولى .. هنا اتضحت ملامحه الحقيقية لينطلق في طريق كان مقدرا له ووجده مع رحلته الإذاعية كمذيع وكاتب لكنه طور من قدراته مع ازدياد العمر والمعارف والمعرفة المستقاة ليرأس تحرير مجلة أدبية مهمة ( الفصول الأربعة لأكثر من مرة ) ليصبح مديرا لإدارة البحوث بالمؤسسة العامة للصحافة أواسط السبعينيات .. ومن ثم .. مديرا لإدارة التأليف والترجمة والنشر بالهيئة القومية للبحث العلمي أواسط الثمانينيات وتؤهله مناشطه وأعماله المتقنة ليعين كعضو بالمكتب الشعبي للاتصال الخارجي (عن رابطة الأدباء) أواسط الثمانينيات ..
لحظة أمل
لماذا تجبرونني على البوح
بكل الأسرار التي بين ضلوعي
حسنا …
سأمزق الأقنعة الكاذبة التي تعلو وجوهكم
أصيخوا السمع
مهرة الريح التي ألقيت السرج على ظهرها
امتطيتها في خفة البرق
فعبرت بي نحو سماوات
لا تراها عيونكم الكئيبة
والمسير يتواصل بكامل الهادي عراب لخبرته الإعلامية والأدبية أختير مستشاراً إعلامياً لمكتب المنسق العام .. كما مستشار تحرير بمجلة الملتقى .. ومع كل مهامه الثقافية الأدبية والإعلامية الموكلة إليه لم ينس خدمة الوطن في مجالات أخرى فنراه في حقبة زمنية من عمره المكلل بالمتاعب مع النجاحات سكرتيرا عاما لغرفة التجارة والصناعة والزراعة بطرابلس .. ولكنه أنهى حياته العملية الزاخرة حين بدأ في أواسط التسعينيات كمدير عام لصندوق تنمية الإبداع الثقافي وظل داعما للمثقفين الصغار والكبار والمهتمين بالشأن الأدبي الليبي حتى طرحه المرض وبعامل العمر .. ولم يثنه هذا عن حضور ومشاركة المحافل الأدبية في طرابلس ومدن ليبيا المختلفة .. كان موقعه المفضل للتلاقي والتواصل مع الصحب من الأدباء أروقة وأزقة وحارات المدينة القديمة التي يؤثر عبق الماضي فيها على كل من مرها فما بالكم من عاشها وعاش فيها مع مكتبة الفقية وحوش القره مانلي ووسعاية الفرنسيس …. عراب الرجباني الطرابلسي الليبي .. صاحب الإبداعات الواسعة المهمة .. ككتابه التأريخي فضل العرب على أوروبا .. ومعارك الأمس .. والمقالي عين على الواقع .. والأدبي أنيق الكلمات ودقيق المعاني ” أوقات للتأمل ” 2006 م حيث تنقلاته المقالية فيه بين ( حق الحوار …حق النقض // الرجبان ملاذا و مستقراً // إبراهيم بيوض القصاص // عندما يغيب المنهج// السيدة المبجلة قصيدة العامية // الأنثى بصيغة الذكر // مسارب تؤدي إلى متاهة // السيد جاد الله // كان شفافاً خفيف الدم والروح // لحظة فرح // بين مزدوجتين // و .. روايتان )) ولم يقف عند المقالات المؤرخة والتوعوية والمبينة فقط بل كتب الرواية والشعر فبرز ديوانه للقراء ( رغبة الصمت بهجة الكلام ) علامة أخرى على عبهريته الفذة بين مجايليه وصحبه أمثال رحم الله من توفاه الأجل وأطال بالصحة عمر الآخرين .. علي الرقيعي _ محمد مفتاح الدعيكي _عبد الحميد البكوش _ كامل المقهور _ إبراهيم الفقيه _ عبدالله القويري _ علي مصطفى المصراتي _ وفاضل المسعودي _ خليفة الفاخري _ خليفة التليسي _ محمد المسلاتي _ نوري الحميدي _ سليمان كشلاف .. وصديقه المقرب الذي أثر رحيله في الراحل عراب الشاعر الجيلاني طريبشان ..
أسهم عراب في إثراء المشهد الصحفي والأدبي بكثير من الكتب الأخرى التي أصدرها : الكلمات 1986.م / بدون مراوغة 1986.م/ انتقام الغزلان المسحورة 1986 م / وصل ما انفصل 2008 م / اختلاجات الزمن الساخن 2008 / بنكهة الأدب أحيانا 2008 م/ 7 أكتوبر قراءة في الواقائع الليبية / وعلى طرف اللسان _ الذي جاء في مجلدين .. معارك الأمس 1986 م / مع عديد المقالات والدراسات النقدية التي أبرز فيها قدراته وإمكاناته ، فحقق حضورًا لافتًا ومميزًا حتما بمشاركات مهمة أخرى بالكتابة في مؤلفيْن نقدييْن هما «آراء في كتابات جديدة1983م»و«دراسات في الأدب1986م» وأحيانا الوقت لا يسعف أحد منّا ونحن نخطط لمستقبل الأيام إذ نسير في الحياة بفكرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إعمل لديناك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) كامل عراب ألف عديد المخطوطات الشعرية والنقدية وبدأ بالفعل جمعها للطباعة والنشر وعاجله المرض ثم الموت فتأجلت المشاريع الدنيوية لعل أسرته الكريمة غير البعيدة عن الوسط الثقافي تستكمل رحلة نشرها للاستفادة منها .. وأختم هذه السيرة المؤرجة الصعبة السلسة في آن حيث الكسر ثم الجبر بفضل الله بقراءة لإحدى اللقاءات التي أجريت مع عراب نهاية العام 2012 ختمه بخوفه على كنزه الأهم والأعظم وكأنه يوصي قائلا :
«أملك مكتبة ضخمة جدًّا ، فيها جُل ما كُتب عن الأدب والنقد والسياسة والفلسفة ، لدي عناوين لأمهات الكتب أيضًا، الأدب العربي من الجاهلي وحتى هذا اليوم وأدب أميركا الجنوبية والشمالية والأدب الروسي. أعتقد بأنَّ غالبية العناوين موجودة بها، ولأنَّ زوجتي سيدة لا تُعتَبر بعيدة عن الوسط هي الأخرى أتمنى أنْ تمنحها لمركز جهاد الليبيين ليتم الاستفادة منها لأعرف أنَّ مصير الكُتب صار في مكان آمن».