الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-09-19

4:09 صباحًا

أهم اللأخبار

2024-09-19 4:09 صباحًا

"عروس الشعر الفارسي القابعة بين الحب والموت "

“عروس الشعر الفارسي القابعة بين الحب والموت “

 د. ماوريتسيو دل توركو – شاعر واديب إيطالي

” أرغب في تعليق قلبي على الأغصان كفاكهة طازجة “

فروخ فرخزاد

كنت دائماً لا أحبذ تصنيف الشعر أو الأدب بشكل عام إلى شعر أو أدب نسوي في مقابل الشعر والأدب الرجالي فالشعر يظل شعراً وحسب بغض النظر عن جنس قائله وكان بحثي دائماً عن الأنثوية في الشعر وهذا ما دفعني هنا للكتابة عن شعر الشاعرة الإيرانية ( فروخ الزمان فرخزاد ) فما تكتبه هذه الشاعرة هو بحق شعر أنثوي صرف لا يصدر إلا عن نفس أمنت بأنوثتها في مواجهة عالم من الذكورة الصرفة في رحلة بحث عن ذاتها وصولاً إلى الشخصية التي أرادتها لنفسها . فقد رفضت فرخزاد في شعرها أن تخضع للتقليد الذي يسمح للرجال فقط بالبوح بالمشاعر الخاصة في الشعر , في حين أن الشاعرة تتكلم بصفتها امرأة , وتتكلم عن الأحاسيس الشعرية للجنس النسائي , وتلغي الحواجز الطبقية بين الذكر والأنثى ويظهر واضحاً لمن يدرس حياة وأشعار الكاتبة إحساسها الكبير ببيئتها ومجتمعها الإيراني خلال فترة حكم البهلويين ( 1926 – 1979 ) رفضها وتمردها على هذا المجتمع أنها من صنف الشعراء الذين لا يمكن لك فصل شعرهم عن سيرتهم الذاتية .يقول مايكل هلمان في كتابه ” امرأة وحيدة” ( أن أحد الأسباب التي تربط أشعار فرخزاد بسيرتها الذاتية والعالم من حولها – وهذا سبب آخر لاعتماد هذه الأشعار على إنها وثائق لدراسة حياتها – يكمن في اعتبار فرخزاد الشعر رفيقا ومرآة , ووسيلة لمعرفة الذات . أضف إلى هذا اعتقادها بأنها يجب أن تحيا وتنظم الشعر بما أمكن لها من الصراحة وعدم النفاق . وهذا , بالطبع , صبغ شعرها بنزعة أنثوية فريدة من حيث ارتباطه بوجهات نظرها والمضمون, وهذا شأن لم يسبقها إليه أحد في الأدب الفارسي ) بينما يقول ( دل توركو) أستاذ الآداب الشرقية بجامعة نابولي والمتخصص في الشعر الفارسي الحديث والذي ألف كتاباً عن حياة فروغ فرخزاد وأشعارها ” أنها حينما كانت تكتب قصيدة كانت تستحضر كل تجارب القهر الأنثوي وتستحضر كل قصص العشق وكل خطوط الألم وكل هذا يحتشد في إطار من الرومانتيكية العالية وأيضا تشعر انه تحت جلد القصيدة فورات محمومة لجسد ينبض بالثورة  والعطاء”

 ولاشك أنه لا توجد شاعرة عانت من القمع والإقصاء والاضطهاد والإشاعات في حياتها وفازت بالخلود بعد مماتها كالشاعرة الإيرانية ( فروخ فرخزاد ) والتي ولدت في عائلة عسكرية في طهران سنة 1935 ولها ستة أشقاء. واستكملت دراستها حتى الصف التاسع ,  وما أن بلغت الثالثة عشر من عمرها حتى كانت تقرض الشعر بشكل منتظم , وقد نحت معظم قصائدها و خلال تلك الفترة , منحى الغزل التقليدي , ولم تنشر مطلقاً .

وقد دفعها عدم الحصول على محبة أبيها إلى اختيار زوج يكبرها بخمس عشرة عاما وإلى السعي إلى إنشاء صداقات وعلاقات حميمة مع شخصيات أدبية مثل “نادر بور” وإلى إقامة علاقة طويلة الأمد مع رجل يكبرها بثلاثة عشر سنة , هذه العلاقات كانت تحاول من خلالها البحث عن محبة الأب وفهمه اللذين لم تحصل عليهما في المنزل , فالذي اختبرته هناك في منزل أبيها كان تجسيداً لعدوها الذي طاردها طوال حياتها وهو النظام الأبوي الإيراني . بعد أقل من عامين من زواجها حدث الطلاق بينها وبين زوجها وحصل الزوج على حضانة الابن مما دفع فروخ لإكمال مسيرتها الأدبية. وفي هذا تقول فرخزاد عن نفسها :

(( أؤمن باني شاعرة في كل الأوقات . أن يكون المرء شاعراً يعني أن يكون إنساناً . أعرف بعض الشعراء الذين لا تمت تصرفاتهم اليومية إلى قصائدهم بصلة . بمعنى أخر هم فقط شعراء عندما يكتبون الشعر . ))

 (( الشعر أمر جدي بالنسبة إلي . انه مسئولية أحملها تجاه كينونتي . هو نوع من الإجابة اشعر أني مجبرة على إعطائها لحياتي .. لا ابحث عن شيء في قصائدي . بل اكتشف نفسي خلال قصائدي ))

 وقد اجبرها صمودها في هذا المجال على التخلي عن كل أمر آخر تقريبا : عن زوجها وابنها الوحيد ورضا عائلتها وبعض أصدقائها وسمعتها وراحة بالها .

في عام1955 أصدرت أول ديوان لها  بعنوان” الأسيرة ” و احتوى على 44 قصيدة ،مما جذب الانتباه إليها والرفض من مجتمعها كمطلقة تحمل أفكار نسوية جدلية فتعرضت لانهيار عصبي في عام 1955 و أدخلت لمصحة نفسية ، و تركت إيران إلى أوروبا في رحلة استغرقت 9 شهور في عام 1956 و أصدرت مجموعتها الثانية في نفس العام تحت عنوان ” الجدار ” و أهدتها لزوجها السابق وفي العام1958  أصدرت ديوانها الثالث بعنوان “عصيان” وقد جوبهت هذه الدواوين بالرفض والاستهجان من قبل القراء والنقاد في إيران وذلك لما تحمله من جرأة وصراحة والحديث عن الجنس من وجهة نظر أنثوية . كما  كانت عصرانية فرخزاد عاملا آخر في رفض القارئ لها هؤلاء القراء الذين يعتبرون الحداثة في الشعر كهجوم على المعتقدات التقليدية وكفضيحة. تماما كالفردانية في طريقة العيش .

 وحيث أن التعبير عن العلاقات الجنسية لا يتجلى في أي منحى من مناحي الشعر الفارسي خلال الفترة الأخيرة بمثل الوضوح الذي يبين في شعر فرخزاد فقد هاجمها احد النقاد قائلا : ((اعتبرت الآنسة فرخزاد أن حق الحرية الجنسية هو الحق الأهم والأشد حيوية , على المرأة أن تطالبه من المجتمع . من هذا المنطلق حاولت أن تؤلب النساء على الرجال مفترضة أن (( مذبحة الرجال )) سوف تنهي كل أنواع الحرمان الاجتماعي للمرأة مما سيؤدي إلى تحرير النساء نهائياً .))

لذلك فإن هذه الصراحة غير المنتظرة من امرأة في مجتمع يتوقع الحشمة من نسائه هي التي سببت ردود الفعل السلبية تجاهها . فلقد اعتقد بعض النقاد والقراء , بجدية . عندما ظهر ديوان الأسيرة أن مثل هذه الأشعار يمكن أن تفسد المجتمع الإيراني واستمرت وجهة النظر هذه إلى الثمانينات حيث أوقفت السلطات الدينية الشيعية صاحب اكبر دار نشر في طهران في 1981 واتهمته بجريمة نشر أعمال فروغ فرخزاد .

وقد كان رد فروغ فرخزاد على منتقديها :

(( أنا اعرف أنني لم أنجز عملا خارقا . ربما لأن امرأة ما قبلي لم تبادر إلى فك أغلال القيود التي كبلت أيدي النساء وأرجلهن . ولأنني فعلت هذا للمرة الأولى , ارتفعت , ربما , جلبة كل هذه الضوضاء حولي ))

ولكن رغم ذلك تمكنت فروغ على الرغم من كل الصعوبات ومن دون أي توجيه ومحاطة بنظراء ونقاد وقراء مصرين على تحطيمها , من الإقلاع والطيران والتحليق عاليا ومن أن تكون طيرا بذاتها في إيران أيامها هي . عندما كان عدد قليل من الأشخاص قادرين على الطيران أو جريئين إلى حد المخاطرة بالطيران .

في العام 1959 سافرت فرخزاد إلى انجلترا لدراسة إنتاج الأفلام والإنجليزية . عند عودتها إلى إيران خاضت تجربتها الأولى في تصوير الأفلام الوثائقية وبدأت بتحرير فيلم بعنوان (( حريق ))  وفي السنة ذاتها قامت برحلة إلى خوزستان وأصبحت منذ ذاك ناشطة في مجال الأفلام ممثلة في بعض الأحيان , منتجة في أخرى , ومساعدة ومحررة , وكان اثنان من هذه الأفلام وثائقيين قصيرين عن عادات المغازلة الإيرانية فضلاً عن (( مياه وحر ))1961 الذي صور الحر الاجتماعي والصناعي المسبب للدوار في بيئة عبادان .

 عرض حريق في خريف 1961 ولاقى نجاحا كبيرا وفي الصيف الذي تلا العرض ساعدت فرخزاد في إنتاج فيلم بعنوان ((البحر)) وقد مثلت فيه دوراً ولكن الفيلم لم ينته .

وفي عام 1962 سافرت فرخزاد مع ثلاثة من زملائه إلى تبريز وصوروا خلال اثني عشر يوما (( المنزل اسود )) وهو وثائقي عن مستعمرة الجذام الموجودة هناك والذي فاز بجائزة في مهرجان (أوبيرهاوسن) غرب المانيا للأفلام الوثائقية  . وفي نفس العام أنتجت فيلما وثائقيا أخر لصالح دار نشر كيهان حول مظاهر إنتاج الجرائد , وفي أواخر عام 1963 مثلث فرخزاد دور ( الربيبة) في النسخة الفارسية لمسرحية  ( لويجي بيرانديللو ) (( ست شخصيات في بحث عن الكاتب )) وقد حققت المسرحية نجاحا باهرا لم يسبق له مثيل , كما أسست مع آخرين مشروع نشر جديد اسمه (جوانه) بهدف نشر خمس كتب كل شهر , وساهمت في تأسيس مجلة جديدة اسمها (هنر) . وكان أكثر مشاريعها إثارة تحضيرها للقيام بالدور الرئيس في النسخة الطهرانية لمسرحية برنارد شو ( سانت جون ) التي كانت فروغ تعمل عل ترجمتها للفارسية حيث كانت المسرحية في مجملها نقدا للنظام الملكي وللمؤسسات الدينية وكانت النسخة الفارسية منها تشكل استفزازا قويا في طهران في العام 1967 فضلاً عن ذلك كانت المواضيع المتعلقة بالتمييز على أساس الجنس والمعايير المزدوجة وما شابه ذلك مما تطرقت إليها المسرحية تشكل تحديا للمثقفين الحكوميين وغير الحكوميين على حد سواء . هذه المشاريع والأنشطة التي انخرطت فيها الشاعرة وهذه الضجة الكبيرة التي كانت تثار حول شعرها وحياتها دفعت بمنظمة اليونيسكو في عام 1963  إلى إصدار فيلم عنها مدته 30 دقيقة .

 و في العام 1964 أصدرت ديوانها الرابع ” ميلاد آخر” والذي كان علامة في تاريخ لشعر الحديث في إيران,
والذي يمثل مرحلة النضج في شعرها ولاقى هذا الديوان قبولاً أفضل من سابقاته في الأوساط الثقافية الإيرانية ولدى القراء حيث خرجت في هذا الديوان عن الأوزان و التراكيب التقليدية في الشعر الإيراني . وفي مجمل قصائدها  تمكنت ” فروغ فرخزاد ” من وضع أسس (( الثقافة الأنثوية )) في الشعر الفارسي. وفي الحقيقة لقد أدخلت فرخزاد نوعاً أدبياً مختلفاً وجب على الشعراء الإيرانيين بعدها أن يتعاملوا معه. فمن بين نظرائها الشعراء , وحدها فروغ فرخزاد كانت تدفع بقصائد جديدة ورؤى جديدة . وذلك لسببين , أولا, لم تكن أبداً قاطعة في التزامها المواضيع الاجتماعية حيث كانت تسمح لقصائدها بان تكتب نهاياتها الخاصة ولم تكن تدمغها بنهايات إيديولوجية  معدة مسبقا . كانت الأديبة الحديثة الحقيقية الوحيدة بينهم , مع الـ ((أنا )) الصريحة والذاتية والفردية الخاصة بها .

ومن الملفت للنظر هنا أن عنوانين دواوين الشاعرة كانت تعبيراً حقيقاً عن مراحل حياتها فمن ” الأسيرة ” في ظل السلطة والسيطرة الأبوية إلى ” الجدار” القاسي من التقاليد الذي كبلت حريتها إلى “الثورة” على كل هذه القيم البالية لتولد الشاعرة من جديد في “ميلاد آخر”

وفي السنوات الأخيرة من حياتها كانت فروغ شعلة من الحيوية والنشاط  والشخصية الأكثر إثارة للجدل والنجمة الأكثر بروزاً في الحياة الثقافية الإيرانية كانت بحق وكما بعني أسمها ضوءاً أضاء سماء في سماء مظلمة (( فروغ بالفارسية تعني الضوء ))

في 14 فبراير 1967 توفت فروغ في حادث سيارة عن عمر يناهز الثانية والثلاثين وحيث أنها طوال حياتها لم تحصل على مباركة البلاط والسياسيين ولم تحصل على مباركة رجال الدين فلم يقبل أحد عند موتها أن يؤم الصلاة في جنازتها مما دفع الأديب والناقد مهرداد صمدي إلى القيام بذلك .

 و بعد وفاتها نشر لها ديوان بعنوان “لنؤمن ببداية فصل البرد” ويعد من أقوى الدواوين في الشعر الفارسي الحديث.

في الذكرى الأولى لوفاتها وفي الأعوام التي تلتها حتى انتهاء عهد بهلوي امتلأت الصحف والمجلات الإيرانية بمقالات تستذكر فرخزاد . إن هذا الكم من الكتابات والنقد الأدبي الذي خصص لها في السنوات التي تلت وفاتها لربما جعل منها واحدة من أكثر النساء الإيرانيات  اللاتي جرى تداول شعرهن منذ ما يقارب 3000 سنة , توج هذا الاهتمام بها وبشعرها بتكريمها في خريف 1968 خلال أمسيات الشعر الشهيرة التي كانت تنظمها مجلة ((كوشه)) . في ذكري مرور أربعين عاما علي وفاتها أقام قسم الدراسات الشرقية في جامعة نابولي احتفالا كبيراً ومتميزاً حيث دارت فيه النقاشات لفترة طويلة عن فروغ فرخزاد كما القي شعراء ايطاليون قصائدها علي جموع الحاضرين وتم عرض نسخة نادرة من فيلم “البيت أسود”

الآن 90% من شعر هذه الأديبة العظيمة مترجم للإيطالية وشعرها يدرس كجزء من منهج كبير عن الشعر الفارسي الحديث بل والأكثر من ذلك أن القناة الإيطالية الثالثة راي تري تسعي لإنتاج فيلم تسجيلي مدته 50 دقيقة عن حياة فروغ فرخزاد يقوم بكتابته والإعداد له ماركو دل توركو.

في نهاية هذا الملخص لسيرة الشاعرة الذاتية لا يسعني إلا أن اختم ببعض مما كتبته د . زبيدة أشكناني في تقديمها لكتاب ” امرأة وحيدة ” عن الشاعرة :

“عاشت فروغ فرخزاد فقط اثنين وثلاثون عاماً ولمن في حياها القصيرة هذه كتبت الشعر وعملت في السينما والمسرح وأتقنت فنون الرسم والخياطة والتصميم  وأبدعت في كل هذه النواحي , ولكنها خلدت بسبب الشعر الذي اعتبرته حياتها فكانت صادقة متمردة في شعرها مثل صدقها وتمردها في حياتها , وكان نصيبها من كل ذلك النبذ , فلم تنتقد أي شاعرة مثلها بسبب شعرها الذي اعتبر حينها مخالفاً للأخلاق ومناقضا للقيم .

بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على وفاتها تصر منذ فترة مجموعات من النساء والرجال على التجمع عند قبر فروغ في مقبرة ظهير الدولة في طهران كل سنة في الخامس عشر من شهر فبراير لتشعل الشموع وتقرأ بعض قصائدها وتتذكر في طقس فبراير البارد المرأة التي كتبت منذ أكثر أربعين عاما لنؤمن ببداية فصل البرد . ثم يتركها الجميع ….  امرأة وحيدة “.

سالم العالم – ليبيا

المصادر :

1 – امرأة وحيدة ” فروغ فرخزاد وأشعارها”

     تأليف : مايكل هلمان

     ترجمة : بولس سروع

     مراجعة : أ.د. فكتور الكك

     العدد 368 من سلسلة إبداعات عالمية  منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب –الكويت

2 – موقع الشاعرة على الأنترنت .

3 – مجموعة مقالات بالعربية عن الشاعرة .


اكتشاف المزيد من المنصة الليبية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة