د. علي عبيد

الحاج عطية بالكاد يفك الخط، فكل ما تعلمه لا يزيد عن قصار السور في كتاب القرية قبل أن تدفعه ظروف البحث عن لقمة العيش إلى هجر الدراسة جملة وتفصيلا. لكن الحاج عطية يتمتع بفضول شديد وتوق إلى اكتساب المعارف والخبرات بالملاحظة والتجربة اليومية.

مستواه الدراسي المتواضع لم يسمح له بتجاوز النطق العامي المبسط للكلمات العربية والأجنبية؛ فهو يسمي ألمانيا جرمانيا، كما سمعها من والده، وأمريكيا أميركا، وبريطانيا الانجليز، وهكذا.

 عندما ظهر الهاتف النقال سارع الحاج عطية إلى امتلاك جهازه، رغم تنذر اقرانه. وكم راقت له الأمور عندما أمتلك هؤلاء العجائز نقالات فبادرهم بسخرية مضادة، وعيّرهم بأنهم مجرد تابعين بلا عقول. بظهور الانترنت، لم يتردد الحاج عطية في شراء جهاز هاتف ذكي والاشتراك فيما تقدمه من خدمة، وطلب من بعض الشباب فتح حساب له على الفيسبوك.

 عالم النت أعجبه كثيرا، فقد وفرت له صفحات الفيسبوك “الهدرزة” الصامتة، واشبعت مقاطع اليوتيوب فضوله عن أشياء كثيرة. مع كل ذلك احتفظ الحاج عطية بمصطلحاته الخاصة؛ فاليوتيوب هو الطيوب (مع أن الكلمتين لا علاقة تربطهما)، والفيسبوك هو الفوسا (لعلها من بقايا الكلمات الإيطالية)، لكن أغرب مصطلح وضعه الحاج عطية هو العنترنت قاصدا به الانترنت..

 كيف اختار الحاج عطية هذا المصطلح؟ وما علاقة عنتر بالنت؟ لا أحد يجد تفسيرا لذلك، فعالم الحاج عطية مغلق وليس من السهل الولوج إليه.

 في الأيام الماضية، كنت في مناقشة افتراضية مع أحد طلابي هروبا من تبعات اللقاء المباشر الذي يفرضه ازدحام طرابلس المزعج. ما حدث جعلني أتعرف على ما يقصده الحاج عطية بالضبط من مصطلح العنترنت.

 كنا نتبادل النصوص والاستفسارات حول اطروحته بقصد مناقشة ما تحتويه من مادة متعلقة بالبحث، وكانت النت في البداية ضعيفة للغاية، فإرسال الملف عبر الماسنجر يتطلب عدة محاولات، ثم أخذت النت في الانقطاع لفترات غير معلومة.

النتيجة أن النقاش الذي يحتاج لساعتين، تطلب بضعة أيام. لم تكن هناك أي طريقة لجعل النت مستدامة، وليس أمامنا من بد غير تحمل عنتريات النت، وعنتريات من يدير النت، رغم دفعنا للاشتراك الشهري كاملا غير منقوص.

عندها فقط عرفت بالتجربة المعنى الدقيق لمصطلح العنترنت الذي نحته الحاج عطية. فشبكة كل العالم هي الأنترنت، وشبكة بلادنا العزيزة هي العنترنت.