اليوم ليس لدينا صاحب واحد للكلام ولكنهما اثنان .. استقينا كلامهما عن ( الكرمود ) من خلال .. بحث كبير ومتكامل للدكتور يونس فنوش .. ثم مقال في كتاب الشاعر عبد السلام قادربوه وقد سبقنا بالكلام أيضا في موضوع سابق مع بداية سلسلة أصحاب الكلام عن بيت الجلاس في كتابه مقاعد أصحاب الصوب .. لندخل إذن في صلب موضوع اليوم عند أصحاب الكلام .. وسنبدأ بما أورده قادربوه في مقالته.. والكرمود بلهجتنا أو الهودج باللغة العربية أو الباصور .. هو عبارة عن مقعد متنقل يوضع على الجمل تركب داخله المرأة يتكون من عدد من الأخشاب الرقيقة سهلة التشكيل ويكسى الكرمود كله .. أعلاه وجوانبه بنسيج من صوف او غيره ويزين بالألوان والزخارف ويبطن .. فلا يبرز من أخشابه سوى بعض أطرافه كمقابض من الخارج لحمله او إنزاله.. والكرمود في مجمله .. شبه مظلة تقي من بداخلها من كل العوامل الخارجية الطبيعية مثل البرد والريح ورؤية الناس لمن بداخله أيضا صونا لحرمة المرأة في حال ترحال القبيلة من نجع لآخر أو العروس من بيت أهلها لبيت زوجها سواء في ذات النجع إذا كانت ستقطن بعيدة بعض الشيء عنهم أو لذهابها لقبيلة أخرى في نجع آخر ..
إذن .. يستعمل الكرمود اساساً لتحقيق الستر للمرأة اثناء التنقل والترحال وكذلك يستعمل في الأعراس .. فيزين الكرمود والجمل الذي يحمله (البتات) وهي ممتلكات العروس ويسير إلى جانب الجمل الذي يحمل (كرمود) العروس الفتيات من صويحباتها وجاراتها وقريباتها عن يمين وشمال .. بينما يسير الرجال في المقدمة … على أن يكون من بينهم الشاعر ” الغناي ” الذي يتخير الوقت المناسب ليلقي أروع ما لديه
يقول في البداية وهنا يتحدث للموكب وبصوت عالي
( ألزم رحيلك ) يعني (( اوقف)) توقف . لذي يُسمَّى مايسرده من شعر بشعر (الرِطيز) لأنه لا يقال فقط شفاهة بل مع الحركات الاستعراضيّة المصاحبة وتُسمَّى بنفس الاسم. بمجرد أن يُشير الشاعر إلى الموكب في صيغة الأمر أن: (ألزم رحليك) وهو يقصد توقَّف عن السير يدرك من في الموكب أنه سيبدأ إلقاء قصيدته ، فيتحرك لأخذ مكانه كالتالي ..
يجلس جلسة تشبه القرفصاء وإن كانت أعلى منها قليلاً، .. فتكون الرِّجل اليُسرى أقرب إلى الأرض .. يكملها ومع آخر كلمة في نهايتها يقوم بالحركات الاستعراضية (( الرطيز )) المستمد منها النص اسمه موجها بندقيته إلى الأرض مطلقا إطلاقة واحدة منها (خرطوش عادة يستخدم في المناسبات)
ثمّ يوجِّه بندقيته إلى الأرض ويُطلق إطلاقة، وتتجاوب الفتيات في الجهة المقابلة، فيُطلِقنَ الزّغاريد، ويدور الرجال نحو الاتجاه الذي كانوا يسيرون فيه، ليواصل الموكب رحلته نحو بيت العريس، وقد يتوقَّف أكثر من مرَّة إذا عَنَّ لشاعرٍ أو راوي إلقاء نص من نصوص الرطيز مثل :
ألزم رحيلك … وِدّنِي نِشْكِي لَكْ
الضّحِكْ ساعة…. والبكاء مِشْوار
أنتْ يا النّاوي…. بُو قْرُون ملاوي
طْرِيتْ لِي سْطاوي… في الغلا بَيْطار
صوب عزيز ياعيني صادك .. صوب عزيز .. امخليني في الليل قفيز ياعيني صادك ….
ومع صاحب الكلام الدكتور يونس فنوش الذي كتب عن الكرمود وأغاني الكرمود – يقال كرم فلان كرما وكرامة أي أعطى عن طيب خاطر .. وهى التكرمة أى موضع الجلوس من فراش أو سرير او غيره مما يعد لإكرام الجالس .. والكرمود في أدبنا الشعبي هو موضع جلوس العروس على ظهر الجمل الذى يحملها يوم عرسها الى منزل زوجها ، وعلى الرغم من كونه في الفصحى هو الهودج والذى يقصد به المقصورة ذات القبة التي توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء فيقال هودج أي مشى متثاقلا في ضعف .. بسبب حمله الثقيل .. إلا ان لفظ الكرمود كان أفضل في التعبير وأسمى في المعاني ليطلق عليه .. لما فيه من معانى أسمى توضح مدى أهميته في عين أباءنا وأجدادنا ، ولكم تغنى شعراؤنا بالكرمود واصفين ما فيه … العروس اثناء انتقالها من بيت أهلها إلى بيت زوجها على الكرمود .. يرافقها أهلها الذين يتغنون بأجمل الكلمات التي تصف الكرمود .. ويصفون من يحمله أيضا بكلمات يشارك فيها الجميع كبيرهم وصغيرهم نسائهم ورجالهم وأطفالهم وهو ما يعرف في أيامنا هذه بالزفة .. ولكن مع الاختلاف في كثير من التفاصيل ، وفى الكرمود قال الشاعر الشعبي :
العين اتمنى يا عزيز اتجيبك
اقسام حلوة بعد ياسك طال
حافل وفى كرمود وفى ترتيبك
معاك عاليمين وعاليسار جمال
ونشدوا الجمل ونشرفوا تنسيبك
غالى وما كيفك علم عالبال
وتلقى مراسم فرح فى ترحيبك
خيل وصبايا ايزغرتن ورجال
وتلقى شريكك فى الحياة ونصيبك
وينخن بنات النجع عالطبال
تحرير – عفاف عبدالمحسن