أصحاب الكلام الحافظين للموروث الأدبي الليبي كثر جدا كتبهم لا تخلو من نماذج للأدب الشعبي الليبي بكل صنوفه وألوانه وكذلك أسماء من برعوا فيه رغم أن كل امرأة ليبية ورجل ليبي قديما كان الكلام المتداول بينهم هو كلمات شعرية عبر غناوة أو مثل أو مجرودة أو ترجيبة أو غناوة رحى وغناوي الجلامة وفي أيام الحصيد.. فكانت البيئة تتطلب ذلك الملام والحب والحث على العمل والدعاء والتدريب على تجارب الحياة بحلوها ومرها كلها كانت هكذا تصاغ وحتى البينات حين يتحلقن حول البئر لملء الماء ويسمون (الورّادات _ وكم اشتهرت الأغاني عليهن خاصة تلك التي تقول ” ياوارده ع البير ياوراده.. اسقيني وانا العطشان ياوداده ” حيث تقول الحكاية إن شباب النجع والشابات الورادات كانت أكثر الزيجات تتم حينما يردن الفتيات ويتقرب الشبان بحجة العطش.
يقول أصحاب الكلام عبر عديد الكتب الجامعة للموروث الأدبي الليبي..
لكل فئة من البشر ولكل إقليم من العالم ادبة وتراثه الشعبي الذى جلبه معه من قديم الأزمان ويعتز به وهذا اللون من التراث يمر في كل مرحلة بتطور معين لتتلائم مع المرحلة الجديدة ويواكب تطور العصر لكنه يظل محافظا على أصالته وهو يعبر عما يشعر به أصحابه سواء من حالات الفرح او الحزن فهو الطريقة التي يعبرون بها عما يجول بخاطرهم من مشاعر وأحاسيس كما انه يمتاز بلونه وطابعة المميز الذى يميز أصحابه عن غيرهم من الفئات.. يعتبر الأدب الشعبي عند القبائل الليبية سمة أساسية يتميزون بها فهم أجادوا الشعر وحملوه نظمه وقافيته معهم بالإضافة الى لهجتهم المحلية التي تعد من اقرب اللهجات العربية قربا الى العربية الفصحى والتي برغم مرور الزمن فأنها لم تتغير كثيرا على الرغم من اختلاطهم بثقافات وأمم أخرى بفعل عامل الهجرة والاستعمار الأجنبي بعكس الكثير من الشعوب العربية ..وعند النظر في الشعر الشعبي في ليبيا وألوانه وأنواعه بداية من تعريفه نجد اختلاف البحاث والدارسين والمهتمين بهذا اللون من أنماط الفلكلور الشعبي فبعضهم سماه الشعر العامي ، وأطلق عليه البعض الاخر اسم (الملحون ) ، وقال بعضهم إنه (الزجل)، وعندما تقف بين الناس وخاصة الشعراء منهم تجدهم ينعتونه (غناء) وهي تسميات كلها يعيبها عدم الدقة في التعريف ، فالشعر الشعبي من حيت أنه شعر يعبر عن العواطف والأحاسـيس ، لا يختلف عن الشعر بالفصحي إلا في الإدارة المستعملة وهي اللغة ، أو على الوجه الأصح اللهجة ، أما أغراضه فهي تكاد تكون وحدة ، والصلة وطيدة بين شعر الفصحي وشعر العامية فكلاهما يغترف من نبع واحد ، هو نبع اللغة العربية التي تفرعت منها لهجات عديدة ، اختلـفت بـاختلاف عوامل الاختلاط بالثقافات الأخرى ، ثم خالطها بعد ذلك التطور للتتلائم مع طبيعة المجتمع الجيد وتطلا عته لتلبى رغبات أفراده ونجد هذا الاختلاط في تلاقي القبائل العربية التي انتشرت في ربوع الدنيا بسبب حروبها مع غيرها من الشعوب كالفرس والرومــان أيام الفتح الإسلامي أو بسبب الهجرات بعد ذلك ، وحين انتقل العرب الي ربوع الأندلس والهند والصين وآسيا الصغرى وجزر البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ، حيث التحمت ثقافاتهم مع ثقافات هده الشعوب ، وامتزجت بعض الكلمات من لسان هؤلاء مع لغتهم الفصحى علما بأن هذا التلاحم والامتزاج لم يتسبب في أي نوع من أنواع المخاطر والتهديد لهذه اللغة من حيث بقائها واستمرار وجودها حتى يومنا هذا حتى وان شنت ضدها حملات موجهه للقضاء عليها .
وفى معرض اختلاف هده التعريفات بين البحاث والدارسين حول تعريف الشعر الشعبي ، فهو زجل عند بعضهم وملحون عند البعض الآخر، وعامي عند البعض ، الا انه وان كانت التسمية الأخيرة يستبعدها البحاث ، لأنها تسمية لجملة من ألوان الفنون الشعبية القولية ، أو يعرف بالمأثورات الشعبية ، وهي دئماً مجهولة المؤلف تتوارثها الأجيال بالرواية الشفوية ، وتصمد للزمن. ويميل البحاث إلى التسمية التي تقول بالشعر الملحون ، فهذا الوصف أليق به ، ووصفه بالملحون أولى من وصفه بالعامي ، حيث ينصرف المعنى نسبة للعامية ، أو إلى عامية لغته ، وحتى نبتعد به عن هده الصنعة من الأدباء ، وعندما نقول عن الملحون فهو من لحن يلحن في كلامه أي أنه ينطق بلغة غير معربة ، أو يقول شعراً ملحوناً .
وعند قيامنا بجمع ألوان عديدة من الشعر الشعبي وقصائـــد متنوعة الأغراض ومتباينة الأشكال الفنية ، تنحصر في جملة من التسميات تعارف عليها المهتمون بهذا اللون الأدبي ، وأصحاب الباع الطويل من القول فيه، وهم فحول شعراء الملحو وجدنا انه لهذا يوجد عدة أنواع كثيرة يختلف كل منها عن الاخر فى بنائه الشعرى ولحنه الفني والقولي وحتى في طريقة أدائه حيث ان كل نوع يصلح لغرض لا يصلح له الاخر ، ومنها الألوان الاتية): المجرودة _ القسيم _ بيت الطق أو الطبيلة _ البو طويل الشتاوة _ غناوة علم والتي يوجد لها اكثر من أربعين مجال تقال فيه_ الملزومة _ القصيدة_ ضمة القشة _ مهاجاة الرحى _ التهينيم _ المهاجاة _ أغاني العمل : الحصاد والدراس والرغاط) .
– كل هذه الألوان من الغناء أو شعر الملحون تختلف من حيث أبنيتها الفنية ، وتصلح كل منها لغرض لا تصلح له غيرها ولأن الألوان عديدة قد نستقي من أصحاب الكلام بعضا منها ونتواصل معهم لنعرض البقية ونتعرف عليهم في سلسلة مقالات أصحاب الكلام .. وأورد هنا بعض الأمثلة من واقع الشعر أو بالمجمل الأدب الشعبي .
المجرودة
مرحبتين أهلا بالجودة .. مرحب ياصادق في اوعودة .. تستاهل منا مجرودة ونزيدك ميه واثنين
غناوة العلم
ومن منا لا يعرف غناوة العلم أو كما قيل عنها قصيدة البيت الواحد باللهجة الليبية فيقول الغناي :
نرجاهم اطناشن عام .. بحساب يوم في شان الغلا
كبيرة عليه العقل .. تجفاه دار ويعاودلها
والغناوة المعروفة : مقاعد أصحاب الصوب .. اسماح غير ياما دونهن
ضمة القشـة
وتعرف ضمة قشة’ هو فن شعبي دارج عند الليبيين اشتهرت به منطقة الجبل الأخضر بمعظم مدنها العريقة ، حيث تؤدى الأغنية بصوت مرتفع نسبيا وبنبرة مائلة غامقة الصوت ، كما يبدأ المؤدي (الغناي) بشطرة البيت الأخيرة حيث يكررها عدة مرات ثم الشطرة الأولى مكررا ، وتمتاز ضمة القشة بالبلاغة والاختصار والتعبير عن معان كبيرة في عدد قليل جدا من الكلمات … وهذا نموذج عنها انتقيناه للشاعر القدير بوبكر بوخمادة رغم أنها صوتيا مختلفة تماما عن كونها مكتوبة كشعر :
واجع العين خطاهم .. اعزاز غير ما ألقيت اللى يفداهم
عليــــش ساكتــــه
واجع العين أخطور .. خطاهم اللى ماله سبب مذكور
وعندى العقل من طول الرجاء مقهور .. حتى وهم غنايا جابده ذكراهم
لوكان البكاء ينفع بكايا جور .. عليهم اللى ماعاد هناك افداهم
امغير عاد ماعمره قضىَ صيّور .. ابكاء العين غير ايهوّنه فرقاهم
وحتى وهم غنايا حاجرين احجور .. رحيل خاطرى ديما ايسوق وراهم
طال ابكاها .. عليهم وماقبلت بحد علاها
عدّوا وخلّوهن اديار احذاها .. خاليات غير ايخطّرن ذكراهم
عليهن أن جت عينى ايزيد كداها .. وتنظر مطارح فى مكان القاهم
عرب قبل كانوا قوتها ودواها .. اليوم قاصره حتى على طرواهم
واجع العين وصار .. خطاهم ونا ع الموجعه صبّار
واللى قبل حاسبهم ولى أنصار .. وما يطولنى ضيم الزمان احذاهم
اليوم رادّين وجايـّين اصدار .. شورى ونا مسّع خطيت معاهم
لوكان الكفا بالعيب فيه أفخار .. نقدر انردّه مرتين اكفاهم
عربنا ايقيموا شكر من شكّار .. ولاينسمع حتى انكان شناهم
و ودّك الشاعر كان جاب اشعار .. يطرى اللى ديما رفيع نباهم
والدنيا قديمه حبل ع الجرّار .. وين الصحابه والنبى وضناهم ؟؟
وخطّرها الا مدعَى غلاء بأجرار .. متقطّعات فيه اقسام من يالاهم
وماعد انجبّد للقدم تذكار .. ولاعد أنخطّى خطوتين وراهم
تحرير عفاف عبد المحسن