تشهد ليبيا حالة غير مسبوقة من التغير المناخي تهدد سلامتها وتضعها أمام تحديات غير مسبوقة حيث أصبحت الأمطار الغزيرة التي تؤدي للفيضانات مشهدا مألوفا في أكثر المدن الليبية جفافا مثل سبها والكفرة في الجنوب الليبي أما الشرق فقد شهد كارثة طبيعية غير مسبوقة تمثلت في إعصار درنة المدمر.
سلامة السدود
التغيرات المناخية تطرح تساؤلات حول مدى سلامة السدود في ليبيا خاصة بعد انهيار سدين في مدينة درنة خلفا آلاف القتلى والمفقودين وفي هذا الشأن قال مدير إدارة السدود بوزارة الموارد المائية بالحكومة الليبية عبدالله الديفار إن السدود الرئيسية في ليبيا بوضع جيد وكذلك السدود الثانوية أما عن سدي درنة اللذين انهارا العام الماضي فسوف يتم إسناد مهمة إعادة إنشائهما إلى شركة دولية متخصصة.
ورغم رسائل الطمأنة التي أرسلها مدير إدارة السدود في مقابلة ببرنامج حديث ليبيا مع الإعلامية عفاف عبدالمحسن إلا أنه حذر المواطنين من السكن أو التواجد في مجرى الوديان أو بالقرب منها مؤكدا أن الوزارة غير مسؤولة عن تبعات هكذا ممارسات كما أنه أكد أن الوزارة تتحرك في حدود إمكانياتها لكن بناء وصيانة السدود يحتاج لميزانيات في الوقت الذي ترتبط فيه وزارة الموارد المائية بميزانية محدودة لا تستطيع تحمل هذه التكاليف.
خطة متكاملة
واقترح مدير إدارة السدود إنشاء جهاز أو هيئة طوارئ لديها إمكانيات لتقوم بأعمال صيانة دورية للسدود كل عام خلال فترة الصيف كما دعا إلى أن تكون هناك نقاط إنذار مبكر في السدود في حالات الطوارئ.
وشدد مدير إدارة السدود على ضرورة أن تكون هناك خطة متكاملة للتعامل مع الحالات الطارئة سواء فيما يتعلق بعملية الإخلاء أو الوجهة التي سيتم نقل المواطنين إليها وأعمال الإعاشة وتلبية الاحتياجات الأساسية.
وبذلك فإن الإجراءات الاحترازية أصبحت ضرورة حتمية نتيجة للتغيرات المناخية التي أضحت أمرا واقعا ناتج عن التطورات الصناعية على مدى سنوات حسبما قال عضو هيئة التدريس بجامعة بنغازي قسم كيمياء ونائب مدير شبكة التغير المناخي العربي والمدير التنفيذي وخبير في الكوارث الطبيعية د.سامي المبروك.
وحذر خبير الكوارث الطبيعية في مقابلة مع قناة ليبيا المستقبل من خطر محدق بليبيا يتعلق بتهديد موردها الزراعي لدرجة احتمالية وصولها لنقطة الصفر وأيضا موردها المائي وهذا الأمر ناتج عن العبث بالموارد الطبيعية التي زادها تعقيدا التغير المناخي.
درجات الحرارة
وأضاف المبروك أن أساس التغير المناخي هو ارتفاع درجات الحرارة وتزايدها عبر سنوات وهو ما أدى لكل الظواهر التي نشهدها من ارتفاع منسوب البحر أو الأعاصير أو سقوط أمطار غزيرة أو حرائق الغابات.
وسلط خبير الكوارث الطبيعية الضوء على الوضع في ليبيا قائلا إنها من الدول المتضررة جراء التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى لأن البحر المتوسط بمساحته الشاسعة تعرض لارتفاع في درجات الحرارة حيث أن الأبخرة التي تتطاير عبر السنوات أدت إلى ما شهدته المناطق الصحراوية في الكفرة وسبها من أمطار غزيرة.
إجراءات احترازية
وحث المبروك على ضرورة وجود إجراءات احترازية تخص الطبيعة الجغرافية لكل منطقة في ليبيا ونوع التهديد الذي قد تتعرض له فمثلا الأراضي الصحراوية قد تتعرض لأعاصير رملية وارتفاع درجات الحرارة وغزارة الأمطار.
واقترح المبروك إنشاء غرفة طوارئ رئيسية تقسم ليبيا إلى مربعات وتضع خطط حول ما قبل الكارثة ومرحلة الهلع أثناء الكارثة وما بعد الكارثة واعتبر أن مرحلة ما قبل الكارثة الطبيعية هي الأهم وتتمثل في التوقعات والتنبؤات في الزمن القصير والمتوسط والبعيد لكن في ليبيا لا توجد توقعات حتى قصيرة المدى حيث يتم قبلها بيومين التحذير من أمطار لكن التعامل مع هذا التحذير يحتاج لمؤسسات قوية ومتخصصين في مختلف المجالات المرتبطة بالتغير المناخي مدعومين بإمكانيات مادية تمكنهم من العمل وأشار إلى الحاجة لدراسات تنبع من الواقع الليبي تجريها الجامعات والمؤسسات البحثية ليتم بعد ذلك وضع خطط طويلة وقصيرة الأجل.
وفي هذا الشأن تم استحداث مركز الاستشارات للعلوم البيئية والتنمية المستدامة والذي تندرج ضمنه العديد من الإدارات المتعلقة بالتغير المناخي من كوارث وزلازل وتنبؤات وتأثير التغير المناخي على الأمن الغذائي والمائي.
مواجهة الكوارث
ودعا المبروك السلطات الليبية إلى مقاومة التغير المناخي بالعمل على الأمور التي تخفف من آثار التغير المناخي في ليبيا عبر استزراع واسترجاع الغطاء الأخضر المنزوع وتقليل الانبعاثات الصادرة من السيارات وتحسين البنية التحتية المتهالكة التي لا تستوعب الأمطار في الظروف الطبيعية فكيف تستوعب الأمطار غير المتوقعة.
وعقد المبروك مقارنة بين دول العالم المتقدم وليبيا فيما يتعلق بمواجهة التغيرات المناخية قائلا إن العالم يضع ميزانيات لمواجهة الكوارث الطبيعية بينما تعمل المؤسسات في ليبيا بشكل منفرد بسبب قصور في بعضها مشيرا إلى احتمالية أن تكون اللجان المنبثقة عن مختلف المؤسسات أدت دورها وأرسلت تقاريرها للجهات المختصة التي لم تتخذ خطوات عملية ملموسة.
وأمام هذا الواقع يظل التغير المناخي خطرا محدقا ليس فقط بالأمن الغذائي والمائي في ليبيا وإنما أيضا مهددا لحياة البشر وممتلكاتهم.