اللوحة الخامسة من رواية مر القدر
في اليوم الذي انتظر فيه أنور سماح البحر وكانت هي في زيارة والدتها في منطقة الدخيلة لم تتوقف الزيارة على المساعدة فقط ولكنها كانت تحمل الكثير من الدلالات وأهم عمل فيها البحث عن الصورة المهمة والوثيقة الأهم والتي لا يملكها أنور وربما لم يفكر فيها . تلك الوثيقة التي تحمل في ذاتها ثلاث وثائق يعتد بهن في محاكم العالم بشيء من السهولة وجدت الصورة الوحيدة لديها، وبعد عناء وتعب جلست إلى جانب أمها السيدة، اشفقت عليها وسألت بنوع من الحيرة: عما تبحثين ؟
فقالت بنوع من الحسرة: أبحث عن عقدي الوحيد، الذي فَرِحت به في حياتي مرة واحدة؛ وبشيء من الأسى رددت: لم أجده لم أجده؛ بعد تأمل طويل في وجه ابنتها البائسة؛ وبعد صمت طويل قالت الأم السيدة لا تقلقي: قفزت هند وأسرعت في السؤال: كيف لا أقلق؛ يا أمي؟ إنه الأمل وربما يكون هو؛ فقالت الأم: لا ألومك ولكني أرى أنك تعيشين في أوهام . هنا قالت سماح: الأمل في الله دائماً موجود نهضت الحاجة الكبيرة وكأن لمسة كهرباء لسعتها وقالت: نعم ونعم بالله ؛ وعقدك يا ابنتي هو ما احتفظت به إضافة إلى عقد زواجي من أبيك، وهما أثمن ما عندي؛ دون سابق قول تعلقت سماح في رقبة أمها مما أجبرهما على السقوط على ذلك السرير القديم تبكي وتضحك وتقول: هل ذلك حقاً يا أمي والحاجة تقول: نعم نعم . أريده الآن أريد أن أرى تلك الوثيقة التي ربما تثبته لي .
فقالت الحاجة السيدة: أنت هذه الأيام لست هند التي أعرفها تبدلت كثيراً في مَرَّات كثيرة ألحظ علامات الفرح تعتريك بقوة ثم لا ألبثُ أن أراها تتبدل إلى علامات حزن، وفي أحيان أخرى أجدك حيرى تتخبطين بين هذا وذلك فيمتلأ قلبي خوفاً عليك .جاشت مشاعر المحبة والعطف عند هند على أمها فقبلتها دون أن تنبس بكلمة واحدة.
و همس في بال أمها شيء يقول: لا تنسي أنها أم لم تر ولدها منذ ثمانية عشر عاماً وأن زوجها مات في تلك الحرب اللعينة في أفريقيا التي وقعت بين الحكومة الأوغندية والحكومة التنزانية الدولتين الأفريقيتين الجارتين وهي حرب اندلعت بين البلدين عام 1978-1979م، أدت إلى الإطاحة بنظام عيدي أمين. حيث بدأت بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 1978م – وانتهت بتاريخ 11 نيسان/أبريل 1979م وكانت النتيجة انتصار (جوليوس نيريري) الرئيس التنزاني والإطاحة بنظام (عيدي أمين) تلك الحرب التي شاركت فيها بلاده وخسرت أنا كل شيء . ربتت الأم على كتف الأبنة العزيزة وقالت هذا هو.
مع تحيات دكتور محمد محجوب
انتظروا لوحة قادمة من رواية مر القدر