د. علي عبيد
أجرى أحد علماء السلوك تجربة على قطيع من الخراف لمعرفة ما إذا كانت هذه المخلوقات قادرة على ترتيب الأولويات.
وضع على مسافة مناسبة من القطيع معلفين، الأول مملوء بالتبن، والثاني مملوء بالذرة، وكان معلف التبن أقرب إلى الخرفان.
أطلق الخرفان على المعلفين وراقب سلوكهما.. كل الخرفان تجمعت على المعلف الأقرب إليها، ولم تذهب إلى المعلف الأبعد إلا بعد حدوث تزاحم.
أعاد التجربة بتبديل موضع المعلفين، فكان أن تقدمت الخرفان ناحية المعلف الأقرب، ولم تذهب إلى المعلف الأبعد إلا بعد حدوث تزاحم.
بعد تكرار التجربة خلص عالم السلوك إلى أن الخرفان لا تملك القدرة على ترتيب الأولويات.
حسب قواعد المنطق، ترتيب الأولويات يتكون من مجموعة من المراحل:
الأولى هي التعرف على فضاء الحالة ويقصد به عدد العناصر المطلوب ترتيبها، في حالة قطيع الخرفان: التبن والذرة.
الثانية المعيار الذي يستعمل للترتيب، كأن نقول الأكثر فائدة، أو الأرخص سعرا، أو الأقرب مسافة.. المقياس دائما مرتبط بطبيعة فضاء الحالة.
الثالثة هى تطبيق المقياس على عناصر فضاء الحالة وتحديد الأنسب فالأنسب، أو المهم فالأقل أهمية.
ترتيب الأولويات عملية ضرورية ومستمرة تمليها طبيعة الحياة.. قد تكون بسيطة للغاية لا تزيد عن اختيار المقهى الذي نريد أن نقضي فيه ساعة مسامرة مع الأصدقاء، وقد تكون بالغة التعقيد كاختيار الاتجاه المناسب للمستقبل الدراسي أو الوظيفي.
في السياسة والاقتصاد وإدارة الدول أغلب المشاكل شديدة التعقيد.. ترتيب هذه المشاكل في نسق من الأولويات، في ضوء محدودية الموارد وتفاقم الحاجة، يتطلب عملا علميا كبيرا، وهو عمل تقوم به فرق من المتخصصين والبحاث.
الدول التي تتجاهل ترتيب أولوياتها في كل المجالات تجد نفسها دخلت في حلقة الهدر المكررة للموارد والجهود والوقت.
على مستوى الأفراد، الذي لا يجيد أو لا يبالي بترتيب أولوياته يجد نفسه تتقاذفه العشوائية كما تتقاذف أمواج البحر غشيم السباحة.
يس سرا أن هناك قصور في القدرة على ترتيب الأولويات في مجتمعنا، وهو ما يبدو واضحا في أغلب مشاهد الجدل البيزنطي التي تظهر على الفيسبوك.
الانسان حيوان ذكي ميزه الله عن غيره من المخلوقات بهبة العقل، لكن من الملاحظ أن هناك من جمّد عقله واستغنى عنه، الأمر الذي يجعل منه مجرد خروف من الخرفان التي تتزاحم على التبن وتترك الذرة.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من المنصة الليبية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.