بدأت هند حوار ذاتها، بالقول: منذ تلك اللحظة التي أعلن فيها الجد بأن أنور يعادل في الميراث أعمامه، تغيرت علاقاتنا العائلية ولم تعد كما كانت، ولكنها أقفلت هذا الموضوع لتشعبه وصعوبته، في هذا الوقت، وظل سؤالها الذي لا إجابة عنه: أين كانت تمضي الرسائل التي كنت أبعثها لجد أنور؟ وتساءلت مرة أخري أعرف أنه لا يقرأ ولكن صديقه الحاج منصور يقرأ ويكتب؟ تجاوزت هذه التساؤلات قائلة لم يعد لها قيمة تذكر. وقد تجاوزت عقدين من الزمن تقريباً وصار أنور رجلاً. بحكم السنين.
بعد زمن من العمل، والمثابرة والاتصالات الكثيرة المثمرة غدت هند الدخيلية تمتلك قدراً كبيراً من المعلومات ذات الصلة بقضيتها الجوهرية، المتمثلة في التحقق من شخصية غريب الكرنيش الذي ألقى لقاؤه قبساً ينير طريق بحثها المعتم، ويساورها إحساس بأنه ابنها؛ في لقاء غير عادي له سمة قد تكون قاسية، وما يمكن أن يجنيه من القيل والقال عزمت هند على دفع كل غالي من أجل ذلك؛ جلست في المقهى لوحدها وقت الغروب؛ وكان البحر أمامها والفكرة في رأسها؛ وبدأت تقول: الآن وبعد صراع؛ وخلافات؛ ومشادات لا تليق بين البنت وأمها، وإن كانت حياتي مع أمي لا تمثل حياة أم وبنت، وهي أقرب لحياة أختين مات أبوهما وعاشتا حياة التشرد بكل ما فيها. أصبح بحوزتي العديد من الأدلة، والقرائن، التي تجعل طرق هذا الباب مع الغريب أمراً مبرراً؛ وفيه قدر كبير من العقلانية وصار سرد الأدلة والقرائن أمراً منطقياً. في هذه اللحظة مر بها أحد الجيران قائلاً: مرحباً سماح لم يعد لك ظهور كما كان منذ زمن؟ وقفت دون أن تدري وردت بسرعة: مرحباً؛ نعم الألم والزمن يغير في حياتنا الكثير. يتصور الكاتب أن الجار طلب الجلوس ولكنها رفضت!! تجهم من رفضها! وبعد حين قال: نعم إنها الحياة وغادر المكان. وباشرت هند في سرد الدلائل التي بحوزتها : الأمر الأول المهم صورة عقد الزواج؛ يومها ارتديت أجمل فستان في عمري، وشعرت بنقلة في حياتي لم أعشها من قبل، ومن ذلك الزواج جاءت الثمرة الوحيدة التي أبحث عنها الآن إنه أبنى، الذي يعادل كل حياتي. في هذا العقد العديد من الأدلة: رقم جواز سفري أيام الشباب والحيوية؛ في تلك المدة بتلك الصورة الجميلة التي لن تعود، ورقم جواز سفر زوجي وصورته؛ زوجي الذي ألبسني الطرحة البيضاء حلم كل فتاة ، يا لها من لحظات سعيدة مرت في حياتي، صورة زوجي التي أثبتتها وأسمات ( مسابير) جسدي في ذاكرتي؛ ومن أهمها أبني أنور، الذي تركته طفلاً في بنغازي، وهي كذلك لن تعود وإن كان لها شبه كبير بعيون هذا الشاب؛ وحينها أخذت نفساً عميقاً، القرائن التي يقول عنها العلماء: الشعر ولون العيون، أدوات مساعدة للمقارنة وليست أدلة كافية، أيضاً وفيه تاريخ الزواج والمكان، تلك الصالة بأنوارها وفرقتها الموسيقية، وربما من المهم بعض الشهود؛ وأردفت تقول: إضافة إلى الصورة الثلاثية” أنا وزوجي وابني. التي كنت أعتبرها الكنز الثمين قبل حصولي على صورة العقد؛ إضافة إلى تلك الإسوارة التي كانت في معصم ابني؛ وأحضرتها معي بعد العودة. والتي جعلت منها إلهام والخبيرة رشا قرينة قوية؛ وقالت في نفسها: نعم العلم برهان! ومسكين من لم يتعلم! وما أقسى الحياة على الشعوب المتخلفة؛ ما زال هناك أمر آخر أود التأكد منه؛ حول ذلك الشاب الغريب، هل له أحد في المكان الذي أعرفه؟ . وهمت واقفة.
مع تحياتي في لوحة أخرى
الروائي د/ محمد محجوب _ أ. فلسفة العلوم