قالت صحيفة “ ذا أرب ويكلي ” The Arab Weekly” الصادرة من لندن، إن الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة حقيقية بشأن تونس، مشيرة الى أن الاتحاد الاوروبي يدفع ثمن سوء فهم يعود إلى ما قبل عام 2011 عند سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها، أن عدد التونسيين الذين شاركوا في التصويت في الانتخابات الرئاسية التي منحت الرئيس قيس سعيد ولاية ثانية (27.7%) أقل من أي انتخابات منذ سقوط بن علي في يناير 2011.
مشيرة الى أن نسبة 89% من الناخبين الذين أيدوه قد تؤكد وجهة نظر الأغلبية لدى التونسيين الذين أدلوا بأصواتهم، ولكن في عالم تونس الحديثة، لا شيء كما يبدو، حيث قالت إن” القمع المتزايد يأخذ شكل منع المرشحين من الترشح، وإرسالهم إلى السجن بحجج كاذبة، وحرمانهم من “التوقيعات” التي يتعين عليهم جمعها قانونًا.”
واشار التقرير التحليلي إلى أن سعيد احتفظ بدعم شعبي واسع النطاق. وقد ولد هذا الدعم من اليأس الهادئ في نظام شركاتي حيث يمتلك المطلعون قوة اقتصادية وسياسية حقيقية، حيث يقبع رجال الأعمال الأقوياء في السجن في انتظار المحاكمة بتهمة الفساد المزعوم، و تم إقصاء الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان قوياً ذات يوم و إسكات وسائل الإعلام الحرة نسبيًا.
وقد وثق هاشمي عليا، محرر نشرة إيكوويك الإخبارية ، الرحلة المتسارعة التي تقطعها تونس نحو حافة الهاوية الاقتصادية ، حيث أشار إلى إحصائيتين في ميزانية 2025، التي عُرضت للتو على البرلمان.
ومن المقرر أن يقفز الاقتراض المحلي من 11.7 مليار دينار تونسي هذا العام إلى 21.9 مليار دينار تونسي في عام 2025 (بعبارة أخرى، سيطبع البنك المركزي النقود) بينما سيتم خفض اللجوء إلى الاقتراض الأجنبي من 16.5 مليار دينار تونسي إلى 6.1 مليار دينار تونسي. وتغلق أسواق الائتمان الأجنبية لأن قيس سعيد يرفض التوسط في اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وقد تدفع هذه الاستراتيجية عالية المخاطر الاقتصاد إلى حافة الهاوية.
وتطرق تقرير صحيفة “ذا أرب ويكلي ” الى الجانب السياسي في تونس ، حيث أشار الى توجه البلاد نحو الهاوية السياسية. وجاء في التقرير :” فقد بدأت العودة إلى الاستبداد قبل فترة طويلة من انتخاب سعيد لأول مرة للرئاسة في عام 2019، وتميزت بالعديد من أوجه القصور: الفشل في إصلاح الأجهزة الأمنية ومحاسبتها ديمقراطياً؛ وعدم رغبة الحكومات المتعاقبة في إصلاح الدولة الشركاتية التي فضلت المطلعين والريعيين؛ والفشل في إصلاح النظامين القضائي والضريبي وإنكار الشق الاقتصادي والاجتماعي المتزايد بين ساحل مزدهر نسبيًا وداخل فقير يصدر مياهه وموارده الطبيعية (الفوسفات والنفط) والقوى العاملة إلى مراكز المدن الساحلية، تونس وسوسة وصفاقس.”
وفي تقرير داخلي أعدته مؤخرا دائرة العمل الدبلوماسي بالاتحاد الأوروبي، وردت تفاصيل عن “تدهور واضح للمناخ السياسي” و”تقلص الحيز المدني” في عهد قيس سعيد. ويخشى الاتحاد الأوروبي أن تكون مصداقية سياسته الخارجية على المحك في سعيه إلى تقييم المخاوف المتزايدة بشأن سحق المعارضة في تونس وميثاق التكامل بين الاتحاد الأوروبي وتونس لعام 2023 الذي يهدف إلى منع الناس من الوصول إلى شواطئ أوروبا من ذلك البلد.
ولقد واجه الاتحاد الأوروبي مواقف مماثلة (ولا سيما فيما يتصل باحترام حقوق الإنسان في البلدان التي كان يساعدها مالياً لإبطاء حركة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا) عندما وقع اتفاقيات مبنية على خطوط مماثلة مع تركيا ومصر. كما يغض الاتحاد الأوروبي الطرف عن عودة تونس إلى الاستبداد لأنه يخشى فقدان نفوذه هناك لصالح الجزائر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة التي تقدم مساعدات مالية مباشرة وغير مباشرة.
وحسب الصحيفة فإن المعضلة التي تواجهها بروكسل هي نتيجة لميل الاتحاد الأوروبي إلى الخلط بين الدفاع عن مصالحه الخاصة وتعزيز الديمقراطية، التي يعتبرها جزءاً من “قيمه الأساسية”. وقد أدى هذا الخلط إلى ارتباك لا نهاية له حول ماهية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حقاً، وخاصة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط الجنوبية التي أصبحت أقل ميلاً إلى الخضوع “للإملاءات” التي تفرضها عليها دول العالم الغربي التي لم تعد تحترمها.
وختم التقرير بالقول:” إن أحداً لا يتوقع أي تغيير بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس. فقد تلاشت الآمال التي ولدتها ثورة الكرامة في عام 2011 في رمال التاريخ المتحركة مع عودة البلاد إلى قواعدها الاستبدادية التقليدية.” وأضاف:” إن معركة سعيد ضد الفساد حقيقية ولكنها أشبه بشكل متزايد بمحاولة صد طواحين الهواء. إن كبار رجال الأعمال محتجزون تحت الحبس ولكن لم يتم تقديمهم للمحاكمة قط. إن المحاكمة العادلة لأحد السجينين مثل كامل الطيف قد تظهر كيف بنت المجموعات الخاصة الرائدة ثرواتها على الوصول المتميز إلى السلطة السياسية والرأسمالية المحسوبية، والتي يدعي الرئيس أنه يكرهها. لكن مثل هذه المحاكمات تبدو غير مرجحة على الإطلاق. يطارد الخوف غرف اجتماعات مجلس الإدارة في تونس وصفاقس، والمستثمرون من القطاع الخاص سواء كانوا محليين أو أجانب مضربون. إن الدولة التي تفشل في الاستثمار في اقتصادها تنتهي في النهاية إلى الانهيار.”