من رواية مر القدر
في جلسة هادئة؛ ودافئة بعبق التاريخ والذكريات بين العم وابن أخيه أسر العم مراد بشيء مما يدور في خاطره، واستهل حديثه قائلاً: يا بني العلاقة بيننا لا سبيل إلى تحديدها زمنياً هو تداول الأيام بين شعبينا يؤيدها التاريخ والتاريخ ليس ملك الشعوب لوحدها، وإن حاولت نكرانه أو تزويره فتلك طامة على من يحاول ذلك. صمت قليلاً وأردف قائلاً: تاريخ أمريكا ليس ملكها، وتاريخ الهند كذلك. وما بيننا يا عزيز ليس هيناً، أنتم ( سكان ليبيا) حكمتم ونحن حكمنا؛ ونحن جميعاً حكمنا الفرس! وإن كان الزمن ضئيل؛ وحكمنا الترك زمناً طويلاً. أنصت أنور بكل جوارحه ولم ينبس بكلمة واحدة. ومن أرضنا ( مصر) ومن أرضكم ( ليبيا) ” فكرة الانتماء” التقى حجاج بيت الله الحرام على أرض مصر في جزيرة أم الرشراش؛ حيث غادر اجدادنا جميعاً منها منطلقاً لأداء فريضة الحج؛ هنا نطق أنور أم الرشراش؟ قال العم: نعم. قال أنور أين هي اليوم؟ شهق العم وزفر وبين شهيقه وزفيره ماتت أجيال وأجيال!! كأنه يعبر بذلك عن نهاية جيوش عربية مع عدم عودتها لحضن الوطن العربي، وقال بعد وقت طويل إنها ميناء إيلات اليوم. إيلات؛ نعم، ميناء اسرائيل . أم الرشراش الجزيرة المصرية التي يقول عنها أهل العلم؛ لولا احتلال الكيان الصهيوني لام الرشراش في عام 1949م، لما كانت هناك امكانية من الأصل للتفكير في الخطة الصهيونية لوصل البحرين الأحمر والميت ، والأدلة والحقائق التاريخية بالوثائق والخرائط تؤكد أن أم الرشراش هي قطعة مغتصبة من أرض مصر، وقد قُدِّمَ وصفٌ جغرافيٌ تاريخيٌ لأم الرشراش يقول :” تقع منطقة أم الرشراش في الموقع القديم الذي يقع في الطرف الشمالي الغربي لخليج العقبة وكانت في العصر الإسلامي ملتقى الحجاج المصريين وحجاج بلاد الشام في طريقهم للأراضي المقدسة، وقد انتعشت التجارة فيها كميناء رئيسي لمرور الحجاج .. وكانت تحت الحكم المصري في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وأثناء حكم الطولونيين، وازدهر العمران بها، غير أنها سقطت في يد الصليبيين أثناء الحروب الصليبية، حتى حررها صلاح الدين الأيوبي، بعد معركة بحرية طاحنة، وطرد الفرنجة منها لكنهم عادوا من جديد ليتمكن السلطان الظاهر بيبرس من طردهم منها نهائيا عام 1267م ميلادية، واستردها فاستعادت مكانتها الدينية للحجاج، وأقام الغوري عليها قلعة لحمايتها كميناء مهم لمصر، وتعود تسمية تلك المنطقة ب ” أم الرشراش ” إلي إحدى القبائل العربية التي أطلقت عليها ذلك الاسم، وظلت تحت الانتداب البريطاني إلي أن سيطر عليها الإسرائيليون واحتلوها وطمسوا معالمها، وقاموا بتحريف اسمها إلي ” إيلات ”، وأصبحت تمثل لهم موقعا استراتيجيا مهما حيث أن أكثر من 40 % من صادرات وواردات إسرائيل تأتي عبر ميناء إيلات الذي احتلته إسرائيل من مصر. ومن أرضنا يمم نحوكم المجاهد عبدالرحمن عزام باشا محارباً مع أبناء ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي؛ وكان الزمن من 1916م إلى سنة 1922م . وله عندكم خؤولة ونسب. فضلاً عن التاريخ القديم وأسره الليبية التي حكمت مصر. باختصار يا بني نحن وطننٌ يُمَزق؛ منذ القدم، واليوم يعمل الاستعمار على تضييع شخصيتنا؛ وشخصية كل دولة. فرضوا علينا الوصاية؛ ويريدون منا فرض الوصاية على بعضنا. بعد هذا السرد الجميل من قلب حنون على الابن والوطن، قال أنور ما أحوجنا إلى هذا العلم وهذه الحقائق فقال العم صدقت. وعُلِق الحديث بينهما.
مع تحياتي في لوحة أخرى
الروائي د/ محمد محجوب _ أ. فلسفة العلوم
________________________**
هامش جزء أخير من مقدمة الرواية بقلم الراوي :
وقد قسمت الرواية إلى لوحات ، كل لوحة فيها تحمل فكرة أو هكذا تزعم، تبدأ هذه اللوحات من رقم ( 1) إلى ( 24) كما أشرت إلى الشخوص الذين عبروا عما يدور في وجدان أبطالها، أيضاً الأماكن التي دارت فيها الأحداث، وما يمكن توقعه من بعض المدن، خصوصاً غريان التي يتربص بها عدد لا بأس به وما يمكن أن يحدثه ذلك في تاريخ ليبيا القادم.
لك أيها القارئ أن تنتقد هذا العمل، مع مراعاة شيء واحد وهو أن تميز بلادي جوهرة ، فهذه الرواية فكرة باحث حاول أن يرسم من الحروف لوحة فنية.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من المنصة الليبية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.