من رواية مر القدر للدكتور محمد محجوب
في الوقت الذي فتحت مقابلة سماح البحر عديد الأفاق أمام أنور، وزادت قوة الأدلة عنده في إثبات أنها والدته، صدم بخبر غير مؤكد بعد؛ وهو يرجو عدم صحته بأي حال؛ لأن نتائجه سوف تقلب كل المعطيات أو جلها رأساً على عقب، ولكن الأحداث حين وقوعها لا تبالي بقضية أحد، والأعمار لا تستشيره هذا الخبر يزيح شاهداً له مكانة خاصة في القضية؛ محور اهتمامه وقضية عمره، ويضع على كاهله مهمة تحريك جزء لا يستهان به من مدينة عُرِفت بقسوة أهلها، هذا الشاهد يعرف والده ويعرف أمه، وهي تعرفه جيداً؛ وقالت ذلك في المقابلة الأخيرة؛ وكم كانت دقيقة في تحديد ملامحه ( الحاج منصور) كثف أنور الاتصالات بمدينة غريان موطن الحاج منصور الأصلي حيث قبيلته لا زالت تقطن هناك وهو يعرف بعضهم، سأل عنه فكانت بعض الردود كما تعلم حياته عندكم في بنغازي ويقال أن اخباره جيدة، هذا ما أعلم عنه؛ فقال هذا رد يطمئن، والسؤال الآن يجب أن يكون في بنغازي وفيها الخبر اليقين! فجاءه الرد والله الأخبار متداخلة ولم تتضح بعد هناك من يقول كما قلت، وهناك من يقول هذه أخبار كاذبة قال لي شخص أعرفه رأيته اليوم وقال شخص أعرفه أيضاً يرجح أنه مات زادت حيرة أنور وبدأ يقول في نفسه هذا الفقد يسهم بقوة لا يمكن حسابها في عدم عودة أمي إلى بنغازي، لا شيء مؤكد. قد تتحقق معرفتها وتستحيل عودتها أعرف أهل غريان يموتون في كلماتهم مهما كان صوابها، زاد ضغط أنور وعلى الفور طلب كأس ليمون. وصمم على معاودة الاتصال، وليته لم يفعل لأن الخبر الأخير الأشد مرحباً أنور، نعم توفى وهو راجع من صلاة الفجر والله قالوا أنه اغتيل؛ على يد أحد أقربائه الذي جاء من هناك، ويقال أن الاغتيال تم بطريقة بشعة جداً، مخزن كامل لبندقية كلاشن كوف صبت في جمجمة الحاج منصور، لا تزعل يا صديقي هذه نهاية حياتهم الكرام أبناء الوطن صُدم أنور ووقع الكأس من يده ومن شدة هول الخبر ظل يردد اغتيل الحاج منصور، اغتيل وطنٌ بكامله. أسرع النادل ليقول: هذه الدنيا حياة وموت؛ وإن اغتيل صاحبك فكم من رفيع وعالم اغتيل في وطننا العربي؛ لا تحزن فنحن شعوب وأوطان تقتل. في بلادنا هنا اغتيل عالم الفيزياء على مصطفى مشرفة ونقلته إذاعة لندن عبر المذياع كأول خبر في حينها وربما لم تتحدث عنه أية إذاعة عربية على كل حال تداخلت المعلومات، وزادت الاتصالات، بين بنغازي والإسكندرية وغريان التي كان خطها ضعيفا في الاستجابة، وكذلك في ردود من تم الاتصال بهم، وهذا ما كان يخشاه أنور، والأصعب من هذا وذاك أن مسألة وفاة الحاج منصور لم يعرف لها صدق خبر في هذه الليلة قال أنور ما أسهل ليلة سقوط غرناطة قياساً بليلة هذه الأخبار إنه سقوط جديد . كانت ليلة مظلمة وقاسية في مسار جزء مهم من قضيتة وهو عودة أمه إلى الوطن . ومما زاد الطين بلة أن سماح البحر هاتفت الشاب أنور، في ساعة متأخرة جداً من الليل لتستفسر عن صحة الإشاعات حول وفاة الحاج منصور؛ كل ذلك زاد من المخاوف والشكوك وكذلك الحيرة. نام أنور و تحدثه نفسه ويدعو الله بأن يكون خبر وفاة الحاج منصور خبراً كاذباً.
___________________
الهامش جزء من المقدمة بقلم الروائي دكتور محجوب :
تحاول هذه الرواية رسم صورة؛ لواقع الوطن العربي، الذي يعيشه المواطن؛ في كل أقطاره؛ من عدم استقرار، وطمع العقلية العربية في الوصاية، على بعضها بعضاً، ولو أدى ذلك للاحتلال كما وقع بين العراق والكويت، وكما حدث في شهر رمضان سنة 2017م بين قطر وأربع دول عربية هي : مصر، البحرين، السعودية، الإمارات. وخصوصاً ما تعيشه المرأة العربية وطفلها، من تشرد وضياع؛ ليسوا سببه ولكنهم ضحيته؛ هذا الوطن الذي لم يستقر منذ القدم وبعد الاحتلال؛ وللأسف ربما يمكن القول بأن الاحتلال كان يملك مبررات الظلم !! هذه المرأة التي لم تتعلم؛ والتي غُرِبت بسبب الفقر، وليس لها من خيرات بلادها سوى رصاصات تقتل زوجها وأخاها؛ وتجعلها سبية، عند حفنة مرتزقة؟ و قتلت من العالم الآخر. أو كم من القنابل تجعل بيتها أثر بعد عين. وكم فرح أخوها يوم زفافها؛ لأنه يريد غرفتها وغرفة أختها التي غادرت منذ زمن. وهذا الطفل الذي لم ولن يعرف أين قتل أبوه؛ و من قتله ؟ ولماذا قتل؟ والذي تردد كثيراً على جهات تملك المعلومة، ولكنها لم تمنحها له! فعاش حياة الألم والقدر، هذه الشابة التي عاشت مع أمها وكأنهن أخوات ، يستقبلن الضيوف بفكرة واحدة. وهذا الباحث الذي لم يفهم ولن يفهم لمن تعمل حكومته؟ وهذا الوزير الذي يحضر كالصنم؛ دون أن يدري لماذا طلب منه الحضور؟ وهذا المحاسب الذي لا يجوز له الحديث عن ثروة بلاده وأين صرفت ؟ أو في ماذا ستصرف؟ تصور هذه الرواية رغبة شاب من أصول ليبية؛ ربما ترجع إلى مملكة جرمة في الجنوب الليبي؛ في محاولة لمعرفة مصير أمه وحياتها؛ بعد وفاة أبيه في أرض بعيدة عن بلاده، كيف ما كانت؛ وبأي طريقة عاشت؛ لأنه عرف أين مات أبوه وقَبِل رواية موته القاسية. حمل الأدلة وجمع القرائن؛ وأتسم بالصبر من أجل هذا الهدف.
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من المنصة الليبية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.