د. محمود ملودة
القبيلة مظلة اجتماعية لا أكثر
يرجع سبب بقاء هذا النظام الاجتماعي في ليبيا هو خصوصية المجتمعات في العالم الثالث ، فالدولة القائمة على مؤسسات ثابتة وحيادية غير متوفرة في غالب الأحيان ، فكل الأنظمة السياسية التي توالت على الحكم في كامل الجغرافيا من (مسقط )حتى (مراكش) في فترة ما بعد الاستعمار استعانت بالقبيلة لإحداث التوازنات والولاءات ،والهدف تثبيت النظام السياسي ، إما في صورة وراثية صريحة أو غير صريحة من خلال إطلاق شعارات كبرى تفوض الحاكم بالبقاء وتسوغ استمراره لاستكمال المشروع وقيادة المرحلة وخوض المعركة.
لاضير اليوم ونحن على عتبات العشرية الثالثة من الألفية الثالثة من أن تظل القبيلة مظلة اجتماعية ، تنظّم الأعراف الاجتماعية ، وتضبط حركة التحول الفجائية من الفقر إلى الغنى والعكس ، وتسد الفراغ الذي يحدثه غياب الدولة وضعف مؤسساتها وانتشار الفساد الأمني والاجتماعي ، وتحل مشاكل الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتنازع على الأراضي وبغي الشركاء بعضهم على بعض.
وإذا تعدت القبيلة هذا الدور ، وتأخذ مكان الأحزاب السياسية ومؤسسات الفكر والاستشارة ، وصارت تستشار أو تؤثر وتفرض شروط وشكل نظام الحكم، فالنتائج كارثية ، دعونا لا ننسى ما كان بين القبائل العربية من قتال زمن (داحس والغبراء) ، وما كان بين قبائل (الأغوز والقارلوق) في آسيا ، بل ما كان بين قبائل الشمال في أوروبا ، ولعل أبلغ موعظة حية نراها اليوم ما نشاهده من نتائج استبدال القبيلة بالدولة في أفغانستان وباكستان وأفريقيا .
اليوم هذه الدعوات التي تنظّم هنا وهناك تحت مسميات عرقية وقبلية ، وتتم برعاية دولية ، فخ كبير ، علينا جميعا التفطّن له ، من يجلس مع الأمم المتحدة بوصفه عربا أو أمازيغ أو توارق أو تبو أو أشراف أو كراغلة أو قريتيين أو يهودا ، لا يستغرب أن تجلس الأمم المتحدة غدا مع وافدين جدد لهم حضور عددي بين ظهرانيكم وتجاوز بقاؤهم بالبلد العشر سنوات .
نصيحة ابتعدوا عن الدعوات العرقية والقبلية ، وتشبتوا بالمكان ، هناك مدن ومحافظات وأقاليم، كتل كاملة ، لها تعايش مشترك ، ووجود اجتماعي ومصالح اقتصادية ، من حق هذه الكتل المكانية، أن تشارك في إدارة الدولة ويكون صوتها مسموعا ،وبغض النظر عن من يسكن هذه المدن أو المحافظات ، فنحن أمة ليبية متنوعة ومتعددة الأعراق ، ولنجعل التنوع منحة ربانية ولا نحوله إلى محنة نصنعها بأيدينا .
إذا ثمة الحاجة إلى ميثاق وطني وصوت اجتماعي حاليا ، فليكن باتجاه تنادي سريع وعاجل من شرق البلاد وغربها ووسطها وجنوبها وشعارهم جميعا : لا لإشراك النظام العرقي والقبلي في السياسة .
نصيحة التشبت بالمكان بدلا من العرق والقبيلة هو المنجاة من تسونامي كبير ، تتهيأ أطراف كثيرة لإحداثه بينما البعض غارق في تفاصيل ساذجة تجعله لا يحس بالزلازل ولا يتتبع توابعها المتتالية .
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من المنصة الليبية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.