صبرية عويتي 1951 إلى 1983
سقيتك الحـب عذباً من مناهله
لا أطلبــن نظيــر الحب أثمانـا
هـذي المدامعُ فاضت ملؤها فشل
فالجهل مأكلنـا والظلــم سقيـــانا
هكذا هي كلماتها رغم المزيج الراقي بين موهبتها الشعرية الفذة الشعر الذي قيل عنه ” أكذب الشعر أصدقه .. وأجمل الشعر أكذبه ” وكوكوتا يقول عن الشاعر ” كاذب يقول الحقيقة دائما ” ودراستها الأكاديمية كخريجة قانون وعملها فيه كمحامية حكمها وضابط تعابيرها في صحف الدعوى مواد القانون التي لا تحتمل تأويل ولا معنيين نلمس في أشعارها أحلاما نبضها الرومانسية وهذا الخط العاطفي الناعم شكل تجربتها بخصوصية قلم لا ينسى رغم الموت الذي غيبها في أوج تأرج عطرها الأدبي إذ صارعت المرض اللعين شابة في الثلاثينيات حتى غلبها في 23 / أكتوبر / للعام 1983 م ….
ربيعاً جميلاً واخصاب غابة
ترى هل يجود القضاء ويعطي
عطاء سخياً يفوق النصاب
ترى هل تعود الليالي قصارا
وتجلو عن النفس ما قد أصاب
وذكراك يوم جلسنا سويا
كتبنا بنجوى العيون كتابه
فخبأت ما قد كتبنا بنجم
خطابا خططناه يتلو خطابه
فذاب السحاب وأمسى سيولاً
وأما الكلام فذبنــا وذاب
“صبرية الطاهر العويتي”، وهي شقيقة القاصة الراحلة “نادرة العويتي”. ولدت في دمشق 24 / ديسمبر/ للعام 1951، درست فيها إلى نهاية المرحلة الابتدائية لتعود والأسرة لأرض الوطن ليبيا تكمل مراحل تعليمها حتى تتحصل على دبلوم معهد المعلمات ، من معهد طرابلس للمعلمات. ولا تتوقف بل تعلمت حتى حصلت على ليسانس القانون من جامعة قاريونس ببنغازي في العام 1978.
لم تبدأ عملها بشهادة القانون بل مارست مهنة التدريس بمدرسة (علي سيالة) وبعد فترة من التدريس عملت كمستشارة قانونية بإدارة التخطيط العمراني ببلدية طرابلس وأثناء ذلك لم تتوقف عن الكتابة فعويتي بدأت الكتابة الأدبية مبكراً ، واستمرت تثري تجربتها وتطورها ، حتى لاقت الترحيب وبدأت النشر من خلال الصحف قال في كتاباتها أحد الأدباء ” لو أمد الله في عمرها، لكانت علامة مهمة في الشعر الليبي، خاصة بين الشاعرات الليبيات “
من قصيدة: بيروت
أبيروتُ إني لأذكر شمسًا
تَعودُكَ في الصُّبح والمغربِ
وأذكرُ فيروزَ فيك الحنانُ
وصوتُ الصلاة وهَدْي النبي
لم تترك صبرية ديوانا شعريا أو كتابا لمقالاتها الاجتماعية والمصادر التي نشرت عبرها كصحف ومجلات ليست متوفرة
فقد نشرت في مجلة البيت وأكثر الصحف المحلية السيارة عن وعبر الأسبوع الثقافي نشرت مقالات بلهجة قوية اعتمدت فيها على دراستها القانونية لتقف في وجه أي ظلم اجتماعي وثغرات قانونية تهضمها حقوقها كإنسانة فاعلة في مجتمعها نمت كل ألوانها الكتابية عن موهبة حقيقية لإنسانة شاعرة وكاتبة رحلت في ربيعها الحادي والثلاثين وقد أثرت في محيطها ببعض ماتركت من كتابات وفي أكثر اشعارها تلمح بيتا أو أكثر يدل على شخصيتها غير الراضخة لنظرة دونية للمرأة في مجتمعها …
إني فطرت على هواك ومهجتي
لولا التسلط ما جفت إنسانا
إني أقاسمك الحياة مشيئتي
ما ضر لو نهل الحياة كلانا
شعارنا يا حبيبي الحب تعرفه
وباعث الحب في القرآن أوصانا
أن نطرد الحقد أن تبني سواعدنا
داراً تظللها بالورد روحانـا
((المرأة ونظرات المتطفلين)) عنوانا لازم مقالاتها فكتبت في أول مقال لها حول الموضوع كاشفة دورة حياة الأنثى في مجتمع يثقل عليها رغم دروها الأهم والكبير :
رغم الثورة التي يشعر بها الإنسان أحيانا تجاه قيود القوانين التي تكبله في كل جانب من جوانب حياته إلا انه لا يجد مناصا من قبولها والتشبث ببقائها وحمد الله على وجودها عندما يتضح له إن بقاءه رهن بقائها وراحته ارتبطت بميلادها ونهايته لا تأتى إلا بانتهائها …. ……….. …. هل المرأة تمارس حقوقها وواجباتها في المجتمع كما أرادها القانون وكما نضمها وافترضها ؟ فنحن نعلم إن القانون دائما يفرض ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن. ولكننا لا نجد المرأة تسير إلا في طريق ما هو كائن بل وتغوص في وضعية القانون- إنما أعني وضعية واقعية تلك هي الجو الاجتماعي المشبع بزفرات العادات والتقاليد والعرف البالي ومشيئة الرجل …………… …………….. فلا أعتقد أن هناك قانونا يستطيع أن يحميها من نظرات المتطفلين تأكلها حين يضطرها الشعور بالعطش إلى الوقوف أمام بائع عصير. أو حين تقف لشراء بطاقة حضور حفلة عامة أو دخول مقهى أو دار عرض .
بعد وفاتها الشاعرة صبرية الطاهر عويتي في طرابلس بفترة ليست بالقليلة حمل الدكتور عبدالله مليطان على عاتقه مسؤولية تجميع نتاجها الأدبي شعرا ومقالا وأعده في كتاب معنون بذات عناوين المقالات ( المرأة ونظرات المتطفلين ) ليحتوي على سبعة عشر مقالا وخمس قصائد ربما لم تكن هي كل إبداعها الأدبي ولكنه الرجل المثابر صاحب الأرشفة والتأرخة للكاتبات والكتاب الليبيين عبر إصدارات ضخمة ومهمة حفظت لكثر من المثقفين الليبيين عبر أجيال أعمالهم وأسمائهم الدكتور عبدالله مليطان حفظه الله دأب على حماية حق الشاعر والكاتب بهكذا طريقة حضارية تثري المكتبة الليبية .. وجميل ما فعل من أجل حفظ إرث أدبي لرومانسية وقوة كلمات صيغت بقلم وردة قطفت من حديقة الحياة قبل أن تحقق كل أحلامها ولا اعتراض على تصاريف الله .
سراب كما كان أضحى سرابا
فلا كان يوم طواني وغابا
سقاني فأروى ويا طيب سقيا
لساق إذا ما سقاني عذابا
كهمس الربيع أطل عليــلاً
وغاب فكان الخريف غيابه
ترى هل يعود وتغدو السواقي
عذابا كما كان يسقي عذابا
ترى هل يعود وتغدو الأماني
ربيعاً جميلاً واخصاب غابة
ترى هل يجود القضاء ويعطي
عطاء سخياً يفوق النصاب
ترى هل تعود الليالي قصارا
وتجلو عن النفس ما قد أصاب
وذكراك يوم جلسنا سويا
كتبنا بنجوى العيون كتابه
فخبأت ما قد كتبنا بنجم
خطابا خططناه يتلو خطابه
فذاب السحاب وأمسى سيولاً
وأما الكلام فذبنــا وذاب
وكنت تصارع عند الرواح
دموعاً طوى الحب فيها عذابه
فأطرقت ثم امتثلت لصمت
طويل كان قد وجدت الصواب
وأسندت رأسي إلى ساعديك
لعزم كمن لا يريد عتابــا
وجابت خيالات نفسي ألوفا
وآبت بخذلان من لا يجابا
وكان الوداع ابتعدنا بصمت
وصمت الوداع أشد اكتئاب
فلا أنس يوماً كهذا ترانـي
عزيزى إذا ما نسيت مصابا
كتب عنها : يجيء ما أتيح من شعرها تعبيرًا عن حبها للبنان ، تصف طبيعته وتذكّر بأجوائه المسالمة. داعية إلى إشاعة الحب وانتصار العدل بين بني البشر، يساورها شعور دفين بالحزن وتنتابها غصة الندم . تغلب على شعرها النزعة الرومانسية، وهي في ذلك تبدو متأثرة بأجواء البيئة التي عاشت فيها طفولتها وشبابها الباكر في بلاد الشام .. تتسم لغتها بالتدفق واليسر، وخيالها طريف. التزمت الوزن والقافية فيما كتبت من شعر الإنتاج الشعري:
– نشرت لها صحيفة «الأسبوع الثقافي» عددًا من القصائد منها:«قلبي ينساني» – العدد (101) – 16/5/1974، و«عزف منفرد» – العدد (133) – 27/12/1974، و«أغنية حب للعام الجديد» – العدد (135) – 10/1/1975 ونشرت لها مجلة «البيت» عددًا من القصائد منها: «بيروت» – العدد (4) – 20/2/1976، و«عودة» – العدد (7) – 5/4/1976، ولها «حب وحديث» – مجلة «المرأة الحديثة» – العدد (3) – فبراير 1971.
عودة
قالت ندمتُ ولَوْمُ النفس يكفيني
لا القلبُ ناسٍ ولا الأيامُ تُنسيني
إني هجرتُك والآهاتُ في كبدي
أيُّ التمائم من ذا السُّقْمِ يشفيني؟
أيُّ القصائدِ للغفرانِ أذبحُها
في معْبدِ الصَّفْح من روحي وتكويني؟
أيّ الورود بلون الحب أزرعُه
من روعةِ الأمس أم من رِقَّةِ الحين؟
عرفْتُها ذلَّةً ما كنتُ أقصدُها
أو هفوةً خالها الواشون تُرديني
لو كان شوقي لك التَّعدادُ مبلغه
لفُقتُ بالعدِّ ما فوق الملايين
فاسمعْ كوامِنَه في النفس مُضرمةً
في لُـجَّة القلب، في عُمْق الشرايين
في الروح يهتفُ باسمٍ أنت مُسْطِرُه
كالمسْكِ كالطِّيب في كل الأحايين
دعني أعيدُ بقايا من قصائدنا
مما سقيتُكَ مما كنت تسقيني
فما شممْتُ ورودًا غيرَها عَطِرًا
يُصغَى إليه، وأصغي إذ تناديني
وما عساكَ ضياءُ النفس تُمسكُه
عيناك تقسمُ أنْ بالروح تفديني
فاتركْ يدي لهواك، كي تلملمه
لبَّيتُ ألفَ نداءٍ لو تناديني
شارك هذا الموضوع:
اكتشاف المزيد من المنصة الليبية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.