الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2024-11-18

9:40 مساءً

أهم اللأخبار

2024-11-18 9:40 مساءً

ملف ترسيم الحدود الليبية التونسية ما بين التبرير والتحذير

Wide Web

ترسيم الحدود الليبية التونسية، ملف شائك مثير للجدل يطفو من جديد على السطح ليثير بلبلة في الشارعين الليبي والتونسي، تتعلق بمخاوف من أطماع تونسية في ليبيا، أو اتهامات بحصول الجانب التونسي على فتات حقل البوري، وبين هذا وذاك يعاد فتح الملف بين الفينة والأخرى.

وتمتد الحدود الليبية – التونسية على مسافة 459 كيلومترًا، وتضم معبرين حدوديين رئيسيين: معبر رأس اجدير ومعبر وازن ذهيبة.

تحويل العلامة الحدودية

ومنذ عامين كشفت السلطات الليبية عن تحويل جزئي للعلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس، في منطقة “سانية الأحيمر” والتي تتبع الأراضي الليبية، وذلك وفق بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو 2022، حيث أوضحت أنه تم وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان شرق (السانية) بمسافة تقدر بحوالي 150 مترًا شرقًا ونحو 6 كيلو جنوبًا.

كما أكدت اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قبل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، وجود عملية تحوير للعلامات الحدودية من مكانها الأصلي، حسب بيان المديرية وقتها.

خلاف حقل البوري

من جانب آخر فإن خلافا بين البلدين يعود لعام 1982 على حقل البوري النفطي لكن الطرفين قبِلا آنذاك، وفقاً لوزارة النفط الليبية، إلى الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية التي قضت لصالح ليبيا فيما عُرف حينها بقضية الجرف القاري، ولكن في مارس 2023 أثار الرئيس التونسي، قيس سعيّد، القضية ذاتها وطالب بمقاسمة إنتاج حقل البوري النفطي، قائلا إن بلاده لم تحصل من حقل (البوري) النفطي إلا على الفُتات، مشيراً إلى أنه كانت هناك نية لتقاسم الحقل في فترة الرئيسين القذافي والحبيب بورقيبة.

وبالأمس القريب عاد الجدل من جديد حول الحدود الليبية التونسية، حيث قال وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي، إن بلاده لن تسمح بالتفريط في أي شبر من التراب الوطني”، مشيرًا إلى “ترسيم الحدود مع ليبيا ومتابعته يجري على مستوى لجنة مشتركة تونسية – ليبية تقوم بتحديد وضبط الحدود، وتتكون من وزارة الدفاع الوطني والداخلية التونسيتين، على غرار اللجنة المشتركة التونسية – الجزائرية”

رد الفعل الرسمي

بمجرد صدور هذا التصريح من وزير الدفاع التونسي، حتى ردت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية بالتأكيد على أن ملف “ترسيم الحدود الليبية-التونسية” قد أُغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، من خلال لجنة مشتركة بين البلدين، وأصبح منذ ذلك الحين ملفًا مستقرًا وثابتًا وغير مطروح للنقاش أو إعادة النظر.

واستبقت وزارة الخارجية حدوث أي توتر، وتحدثت عن العلاقات الأخوية والروابط التاريخية العميقة التي تجمع الشعبين الشقيقين الليبي والتونسي.

وفي هذا السياق أجري المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية الطاهر الباعور اتصالا هاتفيا مع محمد النفطي وزير خارجية تونس، “تناول العلاقات بين البلدين الشقيقين والتي لا تقبل النقاش حوّلها؛ كذلك سبل تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى تعزيزاً للشراكة بين البلدين”.

من جانبه حذر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، طلال الميهوب أي طرف من المساس بالحدود المرسمة دولياً بين البلدين، مؤكدا أن أي خطوة في هذا الاتجاه لن يتم الاعتراف بها.

وأعرب الميهوب عن استنكاره التصريحات بخصوص الحدود في هذا التوقيت، “وإخوتنا في تونس أدرى بالظروف التي تمر بها بلادنا”، معلنا عن عزم مجلس النواب الليبي عقد جلسته القادمة لمناقشة تصريحات وزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، واصفا هذه التصريحات بغير المسؤولة، ولذلك سيخاطب مجلس النواب، البرلمان التونسي رسمياً بهذا الشأن.

تبرير تونسي

أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوسف العقوري، فناقش مع سفير تونس ‏لدى ليبيا أسعد العجيلي، ملابسات ماتناولته بعض وسائل الإعلام بخصوص ترسيم الحدود بين ‏البلدين‎، والذي أوضح خلال المحادثة الهاتفية أن وسائل الإعلام لم تنقل بدقة ‏تصريح وزير دفاع بلاده، مبينا أن ما حدث كان في سياق جلسة استماع لمجلس النواب التونسي ‏لوزير الدفاع بالحكومة التونسية‎.‎

‎العجيلي أضاف أن الوزير كان يتحدث عن الأمن في داخل الأراضي التونسية، قائلا إن ‏الوزير ذكر أن ترسيم الحدود يكون عن طريق اللجنة المشتركة أسوة بدول الجوار الأخرى، مؤكدا أن الحدود بين البلدين تم ترسيمها بمعاهدة 19 مايو عام 1910م وهي ‏مثال في الاستقرار والتفاهم بين البلدين فيما يتعلق بقضية الحدود‎.‎

‎وأشار ‎العجيلي إلى أن موقف تونس كان دائما داعم لاستقرار ليبيا وحريصاً على العلاقات الأخوية ‏التي تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة‎.‎

في المقابل أشار العقوري إلى ضرورة الانتباه لأي أجندات مشبوهة أو أخبار مغلوطة تسعى ‏للإساءة بين البلدين، مشددا على عدم الانجرار لأي أخبار لا تستند على مصادر واضحة.‏

‏وعلى الرغم من توضيح السفير التونسي لتلك التصريحات إلا أن ‎المحلل السياسي التونسي منذر ثابت قال إن بلاده تسعى إلى ترسيم حدودها مع ليبيا ‏والجزائر وذلك في ظل التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة‎، والتي تبرز الحاجة لإعادة النظر في ترسيم الحدود وتحديد ‏إحداثياتها وعلاماتها خاصة في المناطق الصحراوية‎.‎

ونفى وجود أي أطماع توسعية لبلاده وراء هذا المسعى، مشيرا إلى حسم القضية المتعلقة بالرواسب الصخرية الغنية بالنفط والغاز والمعادن في ‏المنطقة والتي حكمت فيها محكمة لاهاي لصالح ليبيا ما يزيد من أهمية ترسيم الحدود بشكل دقيق‎.‎

على صعيد آخر أكد المحلل السياسي التونسي ‎باسل ترجمان أن هناك نقاط خلافية بين تونس وليبيا بخصوص ترسيم ‏بعض النقاط الحدودية‎، مبينا أن تصريحات السهيلي تهدف لتوضيح بعض النقاط الهامة خاصة في ظل ‏‏الوضع الأمني غير المستقر منذ عام 2011‏، والذي ينعكس على تونس حيث تزيد عمليات التهريب من ‏ليبيا إلى تونس مشيرًا إلى وجود اتفاقات بالخصوص بين البلدين‎.‎

‎وأوضح الترجمان أنه في حال وجود أي خلاف حول هذه القضايا يتم حله عادة عن ‏طريق التواصل الدبلوماسي، لافتا إلى وجود هدف مشترك لدى البلدين في إقامة علاقة مثالية ‏بينهما‎. ‎

ورأى المحلل السياسي أن ترسيم الحدود سيضمن حالة من الاستقرار الأمني والسياسي في ‏المناطق الحدودية يساهم في دعم اقتصاد البلدين وتطور المبادلات التجارية وتسهيل حركة تنقل ‏المواطنين.‏‎

تحذيرات من الأطماع

هذه المبررات والتحليلات لم تكن كافية للجانب الليبي حيث أكد المحلل السياسي أحمد بوعرقوب أن الدافع الرئيسي وراء تصريحات السهيلي هو الطمع في الثروات الطبيعية خاصة النفط والغاز، مضيفا أن هناك مناطق حدودية بين البلدين غنية بمصادر الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي، وغالبيتها تقع داخل الأراضي الليبية مما يشير إلى وجود أطماع تونسية في هذه الثروات.

وشدد بوعرقوب على ضرورة التكاتف السياسي الداخلي الليبي لمواجهة أي محاولات لتقويض السيادة الليبية، مطالبا حكومة الوحدة الوطنية بالتصعيد الدبلوماسي ما لم يعتذر وزير الدفاع التونسي للشعب الليبي عن تصريحاته المثيرة للجدل، كما دعا إلى استدعاء السفير التونسي في ليبيا ثم الإعلان عن كونه شخصية غير مرغوب في وجودها على الأراضي الليبية.

اتخاذ موقف

المحلل السياسي فرج زيدان ذهب في نفس الاتجاه وشدد على ضرورة استدعاء الحكومة للسفير التونسي في طرابلس لتبليغه بالاحتجاج الرسمي ومطالبته بتوضيح رسمي حول هذه الخطوة، مطالبا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة باتخاذ موقف حازم من هذه الإجراءات الأحادية التي قامت بها تونس مؤكداً أن هذه القضية تتجاوز الانقسامات السياسية الداخلية.

وحذر زيدان من خطورة هذه الخطوة التي تمس السيادة الليبية والأمن القومي والاقتصاد الوطني مؤكداً وجود نوايا غير حسنة من الجانب التونسي.

وأشار إلى أنه يجب على الحكومة التونسية الانتظار حتى تستقر الأوضاع السياسية في ليبيا وتتشكل حكومة ذات شرعية واسعة قبل مناقشة أي مسألة تتعلق بترسيم الحدود، معتبرا هذه الخطوة استغلال للأوضاع السياسية الهشة، كما يجب عليها أن تثبت التزامها بحقوق الجوار من خلال التعامل بمسؤولية مع هذه القضية الحساسة.

مخابرات أجنبية

أما رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، عزالدين عقيل، فأرجه إثارة ملف ترسيم الحدود الليبية التونسية إلى تدخل مخابرات أجنبية غربية، تعمل على تخريب كل التوافقات داخل المنطقة، فضلاً عن إثارة الفتنة بين البلدين.

وأكد عقيل أن ليبيا لا تزال تحت الوصاية الأجنبية، والتصريحات المتضادة بين سلطات البلدين لن يكون لها أي تطور خطير أو مخيف على واقع العلاقة بينهما.

اللجوء للقضاء الدولي

فيما ذهب المحلل السياسي محمد الحمروني، إلى إرجاع أصل الخلاف على ملف ترسيم الحدود التونسية الليبية للحدود البحرية وهو صراع خفي يعود إلى عقود، والذي تضاعف في الأربعة عشر سنة المنقضية جراء ممارسات ميليشيات ليبية تفتك مراكب صيد البحارة التونسيين واحتجازهم.

وقال الحمروني إن الجانب الليبي أخل بالاتفاق المتعلق بالجرف القاري الذي يضم حقل البوري النفطي، والمبرم في مطلع الثمانينات، متوقعا أن تعيد تونس إثارة هذه القضية من جديد أمام المحكمة الدولية ليكون النزاع قانونيا.

اعتداء على السيادة

من جانب آخر اعتبر الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، تصريحات وزير الدفاع التونسي، اعتداء صارخ على سيادة البلاد، وتجاوز الأعراف والمواثيق الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول.

وأعرب الاتحاد رفضه أي تدخل في الشأن الليبي الداخلي، واصفا مثل هذه التصريحات بأنها تفتح الباب أمام مزيد من التوتر والاضطراب في المنطقة، مما يهدد الأمن والاستقرار الإقليميين، داعيا السلطات في ليبيا إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية سيادة البلاد، والتصدي لأية محاولة للطعن أو التشكيك في حدودنا التاريخية، كما دعا المجتمع الدولي ومنظماته المعنية إلى تحمل مسؤولياته، والضغط على كل من يحاول المساس بسيادة ليبيا، والعمل على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.

ما بين التبرير والتحذير تبقى الأوضاع الليبية وهذا الملف على صفيح ساخن قد يؤدي على توتر العلاقات بين ليبيا وتونس من جديد، خاصة وأن تصريحات وزير الدفاع التونسي بشأن ترسيم الحدود والحقوق التونسية ليست الأولى من نوعها من الجانب التونسي، علاوة على ذلك فإن الدلائل تشير إلى محاولات استغلال التوتر السياسي في ليبيا للحصول على جانب من الكعكة المتقاسمة بين الدول المختلفة.

تقرير: هدى الغيطاني

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة