قرار جديد أصدره رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ولكنه أثار هذه المرة حفيظة الشارع الليبي في عدة مناطق، حتى خرج البعض في مظاهرات احتجاجية عارمة.
القرار تمثل في ضم بعض البلديات لتصبح فروع بلدية من بينهن من انتخبوا سكانهن عميداً لهم وإنشاء فروع جديدة.
وجاء في القرار اعتبار مسوس فرع بلدي لبلدية سلوق، واعتبار كل من القواسم والرابطة وبني نصير وبني وداد وبني خليفة فروع بلدية لبلدية غريان، كما تضمن القرار اعتبار كل من الدافنية، زاوية المحجوب، الغيران، شهداء الرملة، مصراتة المركز، ذات الرمال، راس المئوية، الزروق، قصر أحمد، طمينة، تاورغاء، أبو قرين، الوشكة، أبو نجيم بي، زمزم، فروع بلدية لبلدية مصراتة.
وضم قرار الدبيبة الفروع البلدية القوارشة، بنغازي الجديدة، البركة، الساحل الغربي، السلاوي، السلماني، الفويهات، الكويفية، بنغازي المركز، المقرحة، النواقة، الهواري، بنينا، بوعيشي، الجردينة، سيدي خليفة، القطارة، بوهديمة، الصابري، حي السلام، إلى بلدية بنغازي، كما يضم القرار غدوة لبلدية سبها، والخشة لبلدية الزنتان، والخلائفة لبلدية يفرن، والقصبات والعمامرة وسم الديس والشعافيين إلى بلدية مسلاتة.
ردود الفعل الشعبية
هذا القرار كانت له ردود فعل شعبية مثيرة إلى جانب ردود الفعل الرسمية أيضا، حيث خرجت احتجاجات في بلدية زمزم ضد قرار الدبيبة، القاضي بإلغاء البلدية وتحويلها إلى فرع بلدي يتبع إداريًا مدينة مصراتة.
وأصدر أهالي زمزم بيانا أكدوا خلاله احترام التعايش السلمي مع باقي المدن المجاورة، مشددين على تمسكهم بحقوقهم في البلدية المستقلة التي تم تأسيسها في 2013، خاصة وأن الانتخابات البلدية جرت في ظروف آمنة، وطالبوا بالعدول عن قرار ضم بلدية زمزم.
حال بلدية زمزم لم يختلف كثيرا عن بلدية تاورغاء، حيث رفضوا قرار الدبيبة بضم مدينتهم كفرع بلدي لبلدية مصراتة، مؤكدين أحقية تاورغاء في الاستقلال إداريًا، وتحقيق مطالبها في حقها الانتخابي، وإعادة إعمارها، وتعويض أهلها وتحسين معيشتهم، مشددين على دعمهم التعايش السلمي مع كل المدن المجاورة، على أن تبقى تاورغاء مستقلة إداريًا، أسوة ببقية المدن الليبية الأخرى
وأكد الأهالي أنه يجب على مجلسي النواب والدولة، والنائب العام، والمفوضية العليا للانتخابات، والبعثة الأممية، تحمل مسؤولياتهم، واحترام إرادة الجماهير، والعمل عليها، وتحقيق مبادئها.
أما أهالي وادي بي وأبونجيم وأم الهشيم فاجتمعوا في بيان واحد للتعبير عن رفضهم قرار الديبية واصفين إياه بالتعسفي، خاصة وأن هذه المناطق مهمشة من قبل كافة الحكومات المتعاقبة وعدم اعتبارهم مواطنين في الدولة، مشيرين إلى سحب أقل حقوقهم وهي الصوت الانتخابي.
وأكد أهالي بني وليد في بيان استنكارهم قرار الدبيبة، أن مناطق زمزم وقرزة وغيرها من المناطق التي تم ضمها لمصراتة هي جزء من إقليم ورفلة التاريخي، مشددين أنهم مستعدين لحماية هذه المناطق بالغالي والنفيس حتى بالأرواح، داعين عقلاء مصراتة لإيقاف الدبيبة الذي وصفوه بـ “المعتوه” عند حده، موضحين أنهم سيتعبرون مصراتة شركاء معه في هذه القرارات.
ردود الدبلوماسيين والمسؤولين
لم يقف التعليق على قرار الدبيبة عند الحد الشعبي بل شمل المسؤولين السابقين وبعض الحاليين، فمثلا أكد عضو المجلس الوطني الانتقالي سابقا وأحد أعيان زمزم امبارك رحيل، أنهم فوجئوا بقرار الدبيبة بشأن ضم بلدية زمزم إلى بلدية مصراتة دون أخذ إذن منهم.
وكشف رحيل عن فيديو متداول لعميد بلدية مصراتة السقوطري، يتحدث عن نيته التوسع شرقاً، مما يدل على أن قرار الدبيبة جاء بناءً على طلب من عميد بلدية مصراتة، موجها الاتهام إليه مباشرة.
وفسر رحيل القرار بأنه إفشال للديمقراطية، ومحاولة للسيطرة على أراضي المواطنين بالقوة، لأن الأمر ليس مجرد إجراء إداري بل له أبعاد أخرى، منوها إلى أن أهالي المنطقة رفضوا القرار وأصدروا بياناً بهذا الخصوص كما أغلقوا الطرق، لكن جاءت قوة عسكرية من مصراتة لتفريق المتظاهرين بإطلاق الرصاص في الهواء وترهيبهم، لذلك قرروا عدم الخروج في مظاهرات مجدداً وسنتجه للمسار الإداري، نحن في انتظار نتائج الانتخابات، وسنقوم برفع قضية ضد الحكومة، إلا أن مشايخ وأعيان زمزم تفاعلوا مع القرار وتواصلوا مع مدينة مصراتة وبني وليد و حكومة الدبيبة، وتم تشكيل لجان للتواصل وحل الإشكالية.
فيما توقع عبد المجيد الشمري مدير مكتب العلاقات العامة في بلدية بني وليد، خروج مجموعات كبيرة من أهالي البلديات الليلة للاحتجاج على القرار، مشيرا إلى أن أحد أسباب احتجاج الأهالي عدم صدور القرار من الجهات التشريعية في مجلس النواب، لافتاً إلى أن صفحات التواصل الاجتماعي تستعد لتنظيم وتحشيد مظاهرات كبيرة في المدن.
أما عبد الرحمن الشكشاك، رئيس المجلس المحلي تاورغاء، فأوضح أن رفض القرار جاء نتيجة شعور الأهالي بالتهميش والإنكار، مؤكدا أن المجلس لم يصدر بيانًا رسميًا بعد، إلا أن التحركات الشعبية داخل تاورغاء تعكس رفضًا واسع النطاق.
رأي النواب
ردود الفعل الشعبية لم تكن بعيدة عن آراء بعض أعضاء مجلس النواب الذين علقوا على القرار حيث قال النائب عبدالمنعم العرفي، إن قرار الدبيبة بضم بلديتي تاورغاء وزمزم إلى مصراتة خطوة في الاتجاه الخاطئ، موضحا أن البلديتين لهما خصوصيتهما.
وأعرب العرفي عن تقديره المواقف الغاضبة لسكان البلديتين، مؤكدا أنه إذا كانت ليبيا دولة مؤسسات وديمقراطية لكان للمواطن الحق في تقرير ما يريد، معبرا عن رفضه اتخاذ القرارات بالفرض أو بكسر الإرادات أو بجعل التبعية أمرًا وقعًا.
أما عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني، فأكد أن “عبدالحميد الدبيبة يقود حكومة سابقة سحبت منها الثقة”، معتبرا أنها حكومة أمر واقع لا تختلف عن أي مجموعة مسلحة تفرض نفسها بالقوة في زمن الفوضى “
وأضاف أنه “لا يجوز للدبيبة إلغاء بلديات وتحويلها الى فروع حسب مزاجه دون اعتبار لمعياري السكان والجغرافيا والظروف الاستثنائية لكل منطقة”، معربا عن أمله في أن يكون للقضاء كلمة في هذا الشأن.
وأشار الشيباني إلى أن “قرار الدبيبة المشبوه القاضي بتحويل بعض البلديات إلى فروع تتبع بلديات أخرى جاء في وقت إجراء الانتخابات وهذا يفرض إشارة استفهام وتعجب، إنه أمر سفاهة دبر بليل بعد أن علم بمحاولاتنا الجادة لإجراء انتخابات بلدية تاورغاء، منوها إلى أن الدبيبة يعلم أنه لا سلطة له على البلديات التي أدرجها في قراره البائس مثل بنغازي فهي فقط للتمويه والمخادعة والغرض منه بلا شك تاورغاء”.
واتهم الشيباني الدبيبة بالمماطلة في إعمار تاورغاء وتعويض أهلها فقرر ضمها لبلديته وقائمته الفائزة بالانتخابات الأخيرة، على الرغم أن تاورغاء يتوفر فيها المعيار السكاني والجغرافي وكذلك الظرف الاستثنائي والتراكم التاريخي الذي يجعل من الحكمة استقلاليتها وتدبير أمرها بنفسها بعيدا عن الاحتكاك المباشر الذي يجعل ضمها ظلم فادح وتوطئة لنتائج غير إيجابية .
القرار من الناحية القانونية
من جانبه أكد عضو لجنة تنفيذ اتفاق تاورغاء-مصراتة عبد النبي أبو عرابة، أن القرار من الناحية القانونية صدر بعد انتهاء الانتخابات البلدية في مصراتة، مما يحرم أهالي تاورغاء من فرصة المشاركة أو التصويت على القضايا التي تؤثر عليهم.
وأضاف أبو عرابة بأن إصدار مثل هذا القرار دون الرجوع إلى أهالي تاورغاء أو السماح لهم بالمشاركة يعكس عدم احترام لأسس الحكم المحلي والمصالحة الوطنية”، محذرا من تراجع الثقة بين المدينتين وتهديد مسار المصالحة، الذي شهد تقدمًا نسبيًا بعد عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم عام 2018.
الحكومة الليبية
من جانبها اتهمت الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد تتهم حكومة الدبيبة، بزعزعة الاستقرار وخلق الفوضى، بسبب قرار الأخير بإنشاء فروع بلدية، وضمها لبلديات قائمة.
وأشارت الحكومة إلى أنها نبهت بخصوص الممارسات الخاطئة الممنهجة التي ترتكبها الجهات منتحلة السلطة، سواء المجلس الرئاسي أو حكومة الوحدة الوطنية، منوهة إلى أن حكومة الوحدة منتهية الولاية أصدرت قرارًا بإنشاء فروع بلدية وضمها إلى بلديات قائمة، لنشر الفوضى الإدارية وزعزعة الاستقرار، خاصة بعد نجاح الانتخابات المحلية لـ 58 بلدية، والتجهيز لاستكمال انتخاب المجالس الأخرى.
وأكدت الحكومة أن “جميع ما يصدر عن الحكومة منتهية الولاية من قرارات هو والعدم سواء، ويُمنع على جميع الجهات والمؤسسات تنفيذها أو حتى مجرد تداولها لانعدامها قانونًا”، مهيبة “بالمفوضية العليا للانتخابات اتخاذ ما يلزم بشأن استكمال انتخابات باقي المجالس البلدية الأخرى، وبالجهات القضائية والرقابية اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال هذه المحاولات الفاشلة التي تهدف إلى خلق الفوضى وزعزعة الاستقرار”.
قرار الدبيبة بضم البلديات لم يلقى دعما من أي جانب، وقوبل بموجة رفض واستياء شعبي ورسمي كبيرة، ومع ذلك لم يعر رئيس حكومة الوحدة هذه الردود أي اهتمام، وكأن أولئك الليبيين ليسوا مواطنين لهم الحق في التعبير عن رأيهم والتصويت لمن يرونه مناسبًا.