الناير اليعقوبي
في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية في ليبيا يومًا بعد يوم، أصبح ارتفاع مستوى المعيشة عاملًا رئيسيا يجهز على نسيج العلاقات الاجتماعية، فقد غدت الحياة اليومية ساحة معركة شرسة يصارع المواطن فيها أثقال من تكاليف متصاعدة مضنية على كاهله، ما أدى إلى تغيرات عميقة في طبيعة التفاعل بين الأفراد حتى في الأسرة الواحدة.
هذه المعركة تدور رحاها في خضم فوضى اقتصادية، كانت وراءها سياسات غير سوية للمؤسسات الحكومية المعنية بالمال والاقتصاد نجم عنها غلاء في المعيشة انعكس بشكل مباشر على الأسر وخلق توترات داخلية بها أدت إلى تراخي وتآكل الروابط العائلية في عدة مواضع.
والحالة أن.. الأب والأم مُنشغلان معظم ساعات اليوم بتأمين ضروريات الحياة، ما أفضى إلى جفوة وفجوة بين بعضهما البعض، وبينهما من جهة وأبناءهما من جهة أخرى، وهؤلاء الآخرين منشغلون في مشاغل متباينة التصنيف والتبرير.
مشاغل أدت معظمها إلى شعور بالعزلة والوحدة والاكتئاب وتراجع في القيم التربوية والأخلاقية، سبب في انتشار سلوكيات غير تلك التي يُضرب المثل في رُقيها وقيمتها فكان أن ضُربت منظومتي الأسرة والمجتمع في الصميم.
الحقيقة بين ظهرانينا تؤكد بأرقام وبيانات لا لبس فيها أن واقع حال جل الأسر التي تصنف تحت خط الفقر ويتجاوز نسبتها نصف أجمالي الأسر الليبية – وفق آخر دراسات – تعاني من ضغوط مالية أدت إلى ارتفاع معدلات الطلاق، وأجبرت الأطفال على ترك مدارسهم للعمل ومساعدة أولياء أمورهم في توفير متطلبات البيت.
و الحقيقة أيضا أن الطبقة الوسطى في المجتمع تلاشت، وأن التغذية ساء حالها عند الأطفال والكبار على حد سواء بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية ، إضافة إلى تفشي الأمراض والجريمة بمختلف أشكالها، الأمر الذي يهدد استقرار المجتمع بأسره.
وبعد.. ان متطلبات الحياة المادية واحتياجات الروح الإنسانية يكملان ويتممان بعضهما البعض، وأي نقص في احداهما تعصف الريح بالأخرى، مما يستوجب – عاجلا غير آجل – أن تضطلع المؤسسات الحكومية والمدنية بواجبها لتخفف من وطأة أحمال متفاقمة لا يحمد عقباها ،و حينها ليس بالإمكان احتواءها و الحد من حدتها على الأسرة و المجتمع.