قانونا المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية يبرزان على السطح هذه الأيام في الساحة السياسية الليبية، كما يبدو أنهما أصبحا مثار جدال بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب.
مطلب المنفي
فمن جانبه طالب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في مخاطبة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بإقرار مجلس النواب، لقانون المصالحة الوطنية، الذي أحاله إليه الرئاسي، منذ فبراير 2024، دون إجراء تعديلات، وفي جلسة شفافة وصحيحة الانعقاد.
المنفي أشار إلى أن طبيعة المرحلة الانتقالية لا تستلزم إصدار قوانين تمس حقوق الإنسان أو البنية الاقتصادية والمالية للدولة، وندعوكم إلى العودة للاتفاق السياسي، والاحتكام له، والتوقف عن الإجراءات الأحادية.
رد صالح
في المقابل أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن البرلمان سيُصدر في الأيام القادمة قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، لبناء وطن يشارك فيه أبناؤه دون إقصاء أو تهميش، مبينا أن القانون جاء نتيجة حوارات ومناقشات بين المكونات الاجتماعية والخبراء والقانونيين، وصيغ بمبادئ العدالة النزيهة وإحقاق الحق وجبر الضرر، بتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية والاجتماعية.
وأشار صالح إلى أن العدالة والمصالحة لبنة أساسية في بناء الدولة وتقوية النسيج الاجتماعي، ووضع القانون موضع التنفيذ سيُنهي الكثير من القضايا العالقة، منوها إلى حاجة ليبيا إلى بناء وطن ودولة يشارك فيها أبناؤها دون إقصاء أو تهميش، وتفتح فيها المشاركة للجميع دون استثناء.
وبين صالح أن البرلمان يقبل النقد والتصويب، وعلى استعداد للجلوس مع كل من تهمه مصلحة ليبيا والليبيين دون تردد، لكنه يرفض الإملاءات من الداخل والخارج، وذلك في رد واضح على مطالب المنفي وتجاوزاته، وهذا ما أكده صالح في تصريحه أيضا برفض الاعتداء على مؤسسات الدولة وجرها إلى حلبة الصراع السياسي.
ودعا صالح للضغط على مختلف الأطراف للوصول إلى توافق ليبي ليبي يخدم مصلحة ليبيا والليبيين، مؤكدا أن البرلمان يشارك في كل الحوارات دون شروط بهدف التوصل إلى توافق يسهم في بناء دولة حديثة ذات سيادة، معربا عن استعداد المجلس الكامل وغير المشروط لتقديم الدعم والمساندة لكل من يعمل من أجل مصلحة ليبيا.
موقف البرلمان
من جانبه أكد عضو مجلس النواب علي الصول، أن المجلس الرئاسي لا شرعية له وليس له علاقة بقانون المصالحة ومجلس النواب لن يرد على مخاطبة الرئاسي، مضيفا أن اختصاص الرئاسي هو استلام ملف المصالحة وليس تحويل القانون، فقانون المصالحة يأتي من لجان النواب بالتواصل مع الوزارات المختصة بالمصالحة.
وأشار الصول إلى أن جميع الأعيان حضروا ملتقى المصالحة في بنغازي، ومن بينهم أعيان مدينة مصراتة، مشيرا إلى استمرارهم في اعتماد قانون العدالة الانتقالية، مؤكدا أن الرئاسي لا يسوى شيئًا أمام الأعيان والقبائل الليبية، علاوة على أنه أخفق في مهمته الأساسية وهي توحيد المؤسسة العسكرية، وكذلك قانون المصالحة الذي أنفق عليه 200 مليون دينار ليبي دون تحقيق نتائج.
وتساءل الصول هل هناك مصالحة وطنية اجتماعاتها تُعقد خارج ليبيا؟ معقبا أنهم أصدروا قانون العفو العام، ولا يوجد أي مبرر لإجراء مصالحة.
وتوقع أن يتم إصدار اعتماد قانون العدالة الانتقالية اليوم الإثنين، شاء أم أبى المجلس الرئاسي، لأن هذا الأمر من اختصاص البرلمان و الرئاسي لا يستطيع إجبار مجلس النواب على اعتماد قانونه المحال.
موقف الرئاسي
في المقابل أشار زياد دغيم، مستشار المنفي للشؤون التشريعية والانتخابات، إلى أن المجلس الرئاسي سيتخذ إجراءات لاحقة في حال أصدر البرلمان قانونًا لا يتماشى مع المفهوم الحقيقي للعدالة الانتقالية، مستبعدا أن يناقش النواب في جلسته اليوم مشروع القانون المحال من الرئاسي، والمقدم وفق خارطة الطريق، وإنما سيذهب في قانون آخر مُفصل على وضع سياسي معين.
واتهم دغيم مجلس النواب بأنه خرج كثيرا عن طبيعة المرحلة الانتقالية في الفترة الماضية، موضحا أن كتاب الرئاسي ليس حصرا لمناقشة قانون المصالحة، ولكن بقية ما طرح في الجلسة، وهي قوانين لا تتناسب مع طبيعة المرحلة.
وقال دغيم إن قانون العدالة الانتقالية، وليس المصالحة، هو المتعارف عليه دوليا وبه الكثير من العناصر والآليات حتى تتحقق المصالحة، ومن ضمنها العفو عن بعض مرتكبي الجرائم في تصنيفات معينة، معقبا أنهم عقدوا كثير من الجلسات مع خبراء من المحكمة الجنائية الدولية والمجلس التنفيذي لحقوق الإنسان، حتى يتم تطوير صيغة جيدة للقانون، استنادا على تجارب سابقة ومفهوم دولي للعدالة الانتقالية.
ما بين مطلب الرئاسي الذي أخفق في كل مهامه ولم يتمكن من استغلال قانون العفو العام في وضع لبنة لبناء مسار للمصالحة الوطنية التي جاء من أجلها، وبين المسار الذي رسمه مجلس النواب لبدء خطوات عملية لتحقيق عدالة انتقالية ومصالحة فعلية، تبقى الخطوات الأحادية والتراشقات السياسية هي سيدة الموقف والفعل الحقيقي يثبته الواقع الحالي.