قراءة – عفاف عبدالمحسن
في الصباح .. حزمت أمتعتي بعد أن دفعت ثمن العلوش وطلبت من الشيخ تكليف أحد مريديه لإيصالي لأقرب ورشة .. ابتسم في غرور وقال لي إن السيارة لم تعد تعاني من شيء هل سنلعب على الكأس بعد أن فقدت الدوري ؟!
بالنسبة لي سأراهن على الألمان .. لأنهم لن يصنعوا سيارة يوقفها القمر الصناعي ويحركها الهاشمي .. بعد عشر دقائق رفع ( هاشمي ) كأس البطولة بعد أن بات الدوري في خزانته .. غير ذلك وفيت أنا بما تعاهدنا عليه أن أقلع عن معاداة من كنت أسميهم مشعوذين ويسميهم هو رجال الله رغم يقيني أنه زلفوت .
كان هذا جزء نهائي في كتاب من قصة زلفوت في الصفحة 113 من الكتاب الذي استدرجني لأقرأه من الصفحة الأولى للأخيرة بجاذبية وحبكة القاص من القطع المتوسط جمع القصص التسعة القصيرة في 114 صفحة بين دفتي غلاف برتقالي متدرج مع البني ولاءلاءات بحر اكتسب لون الغروب يكاد أن يبين ففيه من التهاويم والألغاز ما يشدك لتعرف مافيه من قصص بدأت بوصايا توزين واسترسلت لحدريس ثم روح القهوة والجادور ثم جدي ليصل بنا الكاتب حيث العراق والقصة التي حملت عنوان المجموعة القصصي ( لماذا ذهبت إلى العراق ؟! ) ثم بحروف أجنبيه يكتب عنوان قصته السابعة من بين المجموعة MISHOU ليعود للعناوين بالعربية في قصة هرمون السعادة الكئيبة لتكون الثامنة بعنوان ثلاثون دقيقة والأخيرة عنوانها الغريب ( الزلفوت ) قياسا بما فيها من شعوذات ودفوف تضرب وشيخ يخرج السحر من بلاد لبلاد ..
أما عن ( ميشو _ MISHOU ) والمذيلة في هامشها أنها كتبت في طرابلس في الثاني من نوفمبر للعام 2021 م فبدأها القاص جلال عثمان …
لم أكن أعرف أنني مشهور لهذه الدرجة أينما يممت في الشوارع الكبيرة في الأزقة في الأحياء الغنية في الأحياء البائسة ينادونني باسمي ” ميشو” اسم أطلقته عليّ ” مودة ” أمي التي تبنتني وعمري شهرين يعني ستة عشر شهرا بعمر البشر كنت حينها بالكاد انهيت فترة الرضاعة .. أبي ” بيكي فيس ” وأمي شيرازيه وهو سر محبة الناس لي في كل مكان ( مودة ) فتاة طيبة كأي فتاة ليبية طموحاتها بسيطة شهادة ثم وظيفة ثم زوج .. عاشت في سجن صغير اسمه البيت وسجن أكبر اسمه العادات والتقاليد .. كانت المسكينة مجرد حصالة نقود لأشقائها الذكور …………
يالها من قصة يرويها ميشو القط ففيها من الإسقاطات والدلالات الاجتماعية الصعبة والمعلومات أيضا عن حياة القطط مايكفي ليتنهد القارئ عدة مرات في كل صفحة يقلبها ليتواصل مع الأخرى وإنها لحقائق نلمسها في مجتمعنا ويعيشها البعض منا وهكذا صاغها القاص بأسلوب شائق لا تمله .. كما في كل قصة تمر عليك من المجموعة لماذا ذهبت إلى العراق ؟ عدا واحدة هناك استوقفتني فقد شعرت بأنها شاهد على العصر وقلت في نفسي هل كتب القاص أسماء حقيقية ووقائع صعبة كهذه عاشتها البلاد والناس فيها ؟ هل خيال كاتب !!!! لا أظن فكثيرا ما كانت الروايات والقصص القصيرة لكثير من الكتاب العرب والأجانب وحتى الليبيين الذين نعرفهم عن قرب هي سيرة لسردية لم يستطع الكاتب كصحفي أو إذاعي أو حتى مؤلف يحمل أي لون عملي آخر قادرا على ذكرها علنا فتندرج بين أبيات شعرية وكأنها تهويمات خيال شاعر ساقتها التفعيلة الموسيقية أو القافية اللازمة لنص عمودي أو هكذا كما في قصتنا ” حدريس ” تقرأ وتقع بين الخوف من كون ذلك حقيقة والدهشة في أن الكاتب يعرف كل هذه التفاصيل الدقيقة والانبهار بأن لدينا كتابا يتابعون غوامق وأعماق التاريخ حد الإغراق في تفاصيله بتنبيهات وعلامات ودلالات مع سبر أغوار الراوي للمتحاورين في القصة ليستنطقهم بما يريد قوله ليصل للقارئ .. وماسردته آنفا في قراءة قصيرة للمجموعة القصصية للأستاذ جلال عثمان ينطبق تماما على واقع قصة تضمنها الكتاب كتبها في مالطا وبالتحديد في سانت جوليان في السادس عشر من شهر أكتوبر للعام 2022م وأنتم احكموا معي هل ماذكرته فعليا أم أنني أخمن فقط إذ بدأها ( ثلاثون دقيقة ) :
انتهيت منذ لحظات من مشاهدة محاضرتي في جامعة كارديف خريف 2016 في العادة لا أحب مشاهدة محاضراتي ( وهو الأستاذ المحاضر في الجامعات الليبية ) أو برامجي التلفزيونية ( وهو الإذاعي صاحب العديد من البرامج بالإذاعات الليبية مرئي ومسموع ) باستثناء تلك التي أعددتها لطلبتي في جامعة طرابلس خلال جائحة كورونا .. كانت محاضرة مشحونة بالعواطف وغاية بالأدلة والبراهين .. يا الله لم أكن أعلم أنني كنت مقنعا إلى هذا الحد .. كانت جزءا من الموسم الثقافي لعاصمة ويلز .. وأثارت الكثير من الجدل في أوساط الجالية الليبية في المدينة …. ……. ………………. محاضرة لمدة ثلاثين دقيقة فقط تحدثت فيها عن دولة النبي وقلت إن الإسلام دين عمل وتفكير وليس دين لاهوت وعن الدولة المدنية في الإسلام قلت إنها الدولة التي يحكم فيها ويمسك بزمام أمرها أهل الاختصاص وليس رجال الدين .. ضربت مثلا حول أول مواجهة عسكرية مع قريش في غزوة بدر عندما سأل الحباب بن المنذر النبي .. إن كان المكان الذي اختاره أمر رجل دين أم أمر قائد ميداني ؟ وعن اعتماد النبي عليه الصلاة والسلام للانتخابات كأسلوب لإدارة الدولة ومشاركة الناس في الحكم وبيعة العقبة الثانية التي كانت من أوائل العمليات الانتخابية التي شهدها التاريخ …………………… ………………
أن يتبع القاص أسلوبا سرديا يطعمه من حين لآخر بحوار قصير عبر كل قصة قصها علينا وحوت الكتاب الجمامع للقصص القصيرة التسع فهذا كان مشوقا بالفعل وليس مجاملة إذ لا يترك الحوار المفاجئ بين الفينة والأخرى منهمكا في السردية حتى يأخذ منه النعاس مأخذا فيهزه بكلمات متداوله تارة فيها حدة وأخرى طبطبة وثالثة أوامر ورابعة مخاوف وخامسة خبث ودهاء .. يأخذنا هذا إلى قصة العنوان الغريب حتى تقرأها فتقول : هل عرف القاص شخصا اسمه بهاء الدين أحمد الحباري وكنيته المقداد فعلا سرد عليه قصته فصاغها بوحي وبوح الكاتب القدير فصاغها بكل مافيها من حكايات الرجل بطلها وأهله وأمه ومدرسته في جنيف إلى ليبيا إلى أن أصبح كبيرا وتغلغلت فكره جماعة صغيرة سلفية اسمها ( إحقاق الحق ) فتبنى ما تدعو إليه منذ تأسيسها في العام 1986 م هادفة لنصرة الدين وقد شارك في حرب العراق الثانية ومنها إلى سوريا .. وهكذا القصة تدور حول شخصية وكأنها حقيقية وفي أحداث حرب العراق بتواريخ ثم يصل بحواريات عدة إلى أن يصل لقصة عيد البوريم حيث تزوج من ضابط امريكية بعد أن اعتقل من قبلهم في العراق ويوضح للقارئ أن ما زعم عن البوريميون أنهم في عيدهم يأكلون خبزا معجونا بدم أطفال ذبحوا من أجل هذه المناسبة مزاعم خاطئة وأوهام أناس يهولون الأقاصيص ليشتهروا .. حتى ينتهي بالبطل المقام في جنيف مسقط رأسه ويتولى منصبا علميا كبيرا ويعلق في ذهنه طوال حياته مهما تحسنت وتغيرت سؤال يؤنب به ضميره أو يلوم نفسه .. لماذا ذهبتُ للعراق ؟
بشكل عام القارئ للقصص سيستمتع لدرجة أنه لا يريد الخروج من القصة بنهايات مفتوحة ويتمنى أن يتعرف عن قرب على شخوصها بل مثلي وأنا أعرف القاص عن كثب وهوزميل وصديق الزمن العتيد شعرت برغبة الاتصال به وطرح عديد الأسئلة التي انتابتني مع بداية كل قصة في المجموعة وتلح عليّ مع ختامها إما الصادم لأنه مفتوح أو المفاجئ لأنه غير متعود أو الضعيف لأنه لم يركن لما رغبت للقصة من نهاية .