عام الحروب في الشرق الأوسط والانتخابات في العديد من دول العالم، هكذا تم وصف عام 2024 بأحداثه السياسية التي كان لها تأثير على تغيير مجرى الكثير من الأحداث على مختلف الصعد وأبرزها الاقتصاد وموجة ارتفاع الأسعار.
التضخم الذي عاني منه العالم خلال السنوات الماضية تراجع إلى حد ما في 2024، ولكن تزامن مع ذلك ارتفاع كبير في الأسعار طال كل شيء من الغذاء إلى الطاقة، وكان لذلك انعكاس على الأحزاب الحاكمة، وعبر عن ذلك الانتخابات التي أجريت في عدة دول وجاءت بحكومات جديدة.
ففي الولايات المتحدة، ساعد ارتفاع التكاليف الرئيس السابق دونالد ترمب على الفوز بولاية ثانية كرئيس، ما أدى إلى ظهور قيادة أميركية جديدة من المرجّح أن تختبر المؤسسات الديمقراطية في الداخل والعلاقات في الخارج.
وأدت المشاعر المعادية للسلطات والتي نشأت بسبب التضخّم، إلى تنصيب حكومات جديدة في بريطانيا وبوتسوانا والبرتغال وبنما.
كما أوصل الناخبون في كوريا الجنوبية المعارضة إلى البرلمان الذي شكّلت فيه أغلبية، وهو ما كبح جماح الرئيس يون سوك يول، وفي أوائل ديسمبر الأول الحالي، فرض الرئيس الأحكام العرفية، التي سرعان ما أبطلها البرلمان الذي عزل يون سوك يول من منصبه، ما دفعه إلى الإعلان عن نيته التنحّي عن منصبه.
وبينما صعد اليمين المتطرّف إلى الساحة في معظم الدول الأوروبية حيث حصل على 31% من الأصوات، وكان لذلك انعكاس على فرنسا وألمانيا واليابان والهند.
الانتخابات في العالم
ففي فرنسا قرر الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وأسفر الاقتراع عن مشهد سياسي غير مسبوق في فرنسا، فبالرغم من تصدره الجولة الأولى، اكتفى التجمع الوطني اليميني المتطرف بالمركز الثالث بـ143 مقعدا خلف تحالف اليسار “الجبهة الشعبية الجديدة” الذي تصدر النتائج بحصوله على 182 مقعدا، والتحالف الرئاسي “معا” الذي حل ثانيا بـ168 مقعدا، ولم تسفر الانتخابات عن أي أغلبية في الجمعية الوطنية.
وفي ألمانيا خسر المستشار الألماني أولاف شولتز اقتراعاً على الثقة في البرلمان وذلك بفوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” للمرة الأولى في انتخابات على مستوى الولايات، ما يمهّد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير؛ بهدف إخراج برلين من الأزمة السياسية الناجمة عن انهيار ائتلافه، ويعني التصويت أن ألمانيا ستعقد انتخابات فيدرالية جديدة في 23 فبراير، أي قبل حوالي 7 أشهر من الموعد المخطط له في الأصل.
وفي اليابان تعرض الائتلاف الحاكم لهزيمة ساحقة في الانتخابات العامة التي جرت فقد على أثرها أغلبيته البرلمانية، حيث فقد الحزب الديمقراطي الحر بزعامة رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا وشريكه الأصغر في الائتلاف حزب كوميتو 70 مقعداً لتكون هذه أسوأ نتيجة للائتلاف منذ أن خسر السلطة لفترة وجيزة في 2009.
أما في الهند تمكن حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء الهندوسي القومي ناريندرا مودي وحلفاؤه من الفوز بأغلبية برلمانية في انتخابات الهند العامة.
وشهد الشرق الأوسط أيضا انتخابات في الجزائر وتونس، وفي الأولى فاز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولاية رئاسية ثانية بنسبة 94.65%، وفي تونس فاز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد بالأغلبية المطلقة للأصوات، بنسبة وصلت إلى تسعين في المئة وبالتالي توليه مجددا رئاسة البلاد للسنوات الخمس المقبلة.
مكان واحد لم يحدث فيه أي تغيير وهو روسيا، حيث أعيد انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا بحصوله على 88% من الأصوات، وهو رقم قياسي في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي.
الحرب على أوكرانيا
كما واصلت موسكو حربها ضد أوكرانيا، وحقّقت مكاسب ملحوظة على الأرض.
وبينما وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإنهاء الحرب في يوم واحد، ويخشى كثيرون في أوكرانيا وأوروبا أنّ ذلك يعني الانحياز إلى بوتين والإبقاء على الوضع الراهن.
الشرق الأوسط والاغتيالات
في الشرق الأوسط، تُواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، مرتكبة مجازر بالغة البشاعة ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وأدت الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، إلى إحياء الدعوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذ أنه استنادا لبيانات السلطة الفلسطينية، وإعلانات أصدرتها حكومات في العالم اعترفت 146 من إجمالي 193 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.
وخلال الفترة الأخيرة اعترفت سلوفينيا وإسبانيا وإيرلندا والنرويج وأربع دول تقع في منطقة الكاريبي بدولة فلسطين هي جامايكا وترينيداد وتوباغو وبربادوس وجزر الباهاما، لكن هذه القائمة لا تشمل معظم بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
وفي منتصف أبريل، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يهدف إلى جعل فلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية.
وفي سياق آخر قام الاحتلال باغتيال أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، منهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في طهران، وصالح العاروري في لبنان، بينما استشهد قائد الحركة يحيى السنوار في أرض المعركة.
وامتدّت الحرب إلى لبنان مخلّفة آلاف الشهداء والجرحى، ودمارًا هائلًا، قبل أن يتمّ الإعلان عن وقف لإطلاق النار في لبنان في 27 نوفمبر الماضي.
وشهد العام اغتيالات بالجملة في صفوف قيادات حزب الله في لبنان، منهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، ونائبه نبيل قاووق، والقياديين فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل.
أما في سوريا، فأطاحت الفصائل السورية المعارضة بقيادة أحمد الشرع، بنظام الرئيس بشار الأسد، وجرى تعيين حكومة سورية مؤقتة برئاسة محمد البشير.
السودان وأزماته
السودان الذي يغيب عن أنظار العالم رغم ما يعانيه من صعوبات وحروب وأزمات إنسانية، إلا أنه غائب عن أنظار العالم.
وفي هذا الصدد وصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عام 2024 بالمميت على كافة الأصعدة بالنسبة للسودانيين، بما تخلله من تصاعد خطير للجرائم والانتهاكات ضد المدنيين في المناطق التي تشهد نزاعات مسلّحة في السّودان، وما رافقه من تفاقم للأوضاع الإنسانيّة فيها نتيجة الحرب المستمرّة منذ 19 شهرًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ظل انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي أن مناطق النّزاع في السّودان، لا سيّما دارفور وكردفان، يتعرّض المدنيون فيها للقتل العمد، والتهجير القسري والتّجويع، ويرتكب المقاتلون بحقّهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وسط صمت دولي، موضحا أن عدد الأشخاص الذين قتلوا في السّودان نتيجة الصراع الداخلي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يقدّر بـأكثر من 130 ألف شخص، إلى جانب جرائم تجويع مروعة بحق نحو 25 مليون مدني، بمن فيهم النساء والأطفال، حيث يواجه 97% من السّودانيين مستويات خطيرة من الجّوع، وهو ما يُعدّ رقمًا غير مسبوق في التاريخ الحديث، ناهيك عن تسبب هذه الأزمات في أكبر موجة نزوح في العالم وتفشي الكوليرا وتدمير البنية التحتية.
ما بين الانتخابات في الولايات المتحدة وأوروبا التي انعكست على كل دول العالم، وبين استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وبين الحروب في الشرق الأوسط وموجة الاغتيالات، يبقى الأمل في أن يكون عام 2025 أكثر هدوءً واستقرارًا في كافة دول المنطقة.