حولت الصحافيّة ورسامة الكاريكاتير “فاطمة الورفلي” شغفها بفن الكاريكاتير، إلى إنتاج علميّ، وذلك بإجازة رسالة الماجستير الخاصة بها في تخصص الصحافة والنشر التي تحمل عنوان: “خطاب الكاريكاتير في الصحافة الإلكترونية الليبية”، وهي أول دراسة سيميائية في تحليل الكاريكاتير في الصحف الليبية، وقد أجيز هذا العمل العلمي من دون أي تعديلات مع توصية بالنشر، لتتوج مسيرة فاطمة التي لم تكن سهلة بهذا الإنجاز، لتنهي عام 2024 محتفية بهذا الانتصار.
رحلة الماجستير لم تكن التجربة الأكاديمية الأولى لفاطمة في الكاريكاتير، فقد بدأتها في مرحلة متقدمة عبر مشروع تخرجها من مرحلة البكالوريوس صحيفة “هدرز كاريكاتير” ، والذي عُدّ أول صحيفة كاريكاتيرية ورقية في ليبيا، بمساعدة وإشراف أستاذيها في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة بنغازي وهما: إسماعيل الفلاح وابتسام اغفير.
لكن إذا ما رجعنا بالزمن إلى ما هو أبعد من المرحلة التي كانت فيها فاطمة طالبة جامعية، نجد أن بداياتها مع الكاريكاتير كانت وهي في المرحلة الثانوية، في بداية ثورة 17 فبراير 2011، تقول فاطمة الورفلي للمنصة الليبية: “كنت أرسم الكاريكاتير في بداية الثورة لشخصيات سياسية آنذاك، وكنت أشارك بها في محيط الأهل والأصدقاء، وواصلت الرسم حتى في المرحلة الجامعية، حيث كنت أشارك رسوم الكاريكاتير في صفحات الجامعة ومع الطلاب وكنت أناقش فيها وعبرها المشكلات التي نتعرض لها نحن الطلبة”.
بين كثير من الرسومات التي رسمتها فاطمة على مدار سنوات، لديها رسمة تكنّ لها خصوصية، وقد تعلقت بها بشكل كبير، تحدثت عنها للمنصة الليبية، قائلة: هذه الرسمة ناقشت فيها ظاهرة انتشار الرصاص العشوائي التي كانت متفشية حين ذلك، وتشير إلى حادثة مؤلمة لوفاة مواطن برصاصة عشوائية، تم توثيقها بالصورة، وقد قامت هي بتجسيد هذه الحادثة عبر رسمتها التي حاكت فيها الشخص المتوفى كما وثقتها الكاميرا، وقد لاقت هذه الرسمة رواجًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعُرضت حتى في بعض القنوات الفضائية الليبية.
رغم هذا الشغف الكبير الذي يجمع فاطمة بالكاريكاتير، إلا أن الصدفة هي التي قادتها في أن تختار الكاريكاتير محورًا أساسيًّا للبحث فيه ودراسته في رسالة ماجستير، تذكر لنا فاطمة حديثًا دار بينها وبين مشرفتها الدكتورة “مي عبدالغني”، قبل أن تختارها فاطمة مشرفة لها، تقول فيه : حين كانت د. مي تدرسني إحدى المواد الدراسية في المرحلة التمهيدية، تناقشنا سويًّا وقلت لها إنني أود ألا أبتعد بموضوع رسالتي عن المرحلة الجامعية، وبدورها اقترحت علي د. مي أن أبحث في علم السيمياء وتحليل الخطاب، الذي يتفرع منه تحليل الصورة ومنها الصور الكاريكاتيرية، وأكدت لي أنه باعتباري رسامة سأكون الشخص الأنسب للبحث في هذا العلم وهذا المنهج الذي يعد جديدًا ولم تتم دراسته على صعيد محلي، وبالفعل اندمجت في رسالتي، ودرست الكاريكاتير بطريقة علمية”، تصف فاطمة تجربتها بالصعبة والممتعة في آن واحد، وتضيف: “بحكم موهبتي كنت مستمعة باكتشاف رسومات الكاريكاتير وتحليلها وتحليل الألوان والرموز فيها”.
ولأن لكل عمل صعوبات فإن أبرز الصعوبات التي واجهت فاطمة خلال عملها على رسالتها كانت قلة توفر مناهج التحليل السيميائي التي اعتمدت عليها في تحليل رسومات الكاريكاتير، إضافة إلى شح الكتب التي سردت تاريخ الكاريكاتير في ليبيا.
تقدم فاطمة أعمالها الكاريكاتيرية لصحيفة الأنباء الليبية التي تعمل بها، المنصة سألت فاطمة عما إذا كانت تفضل تجربة الرسم عن تجربة التحليل العلمي التي قامت بها في رسالة الماجستير وأجابتنا : “بالطبع أحب كوني رسامة أكثر، لأنني أجد نفسي في الرسم، وأستطيع التعبير من خلاله، إلا أن هذا لا يمنع أنني استمتعت جدًا في مرحلة تحليل الرسومات وقراءة الرسائل المضمنة في رسومات الكاريكاتير لفنانين آخرين”.
وعن فن الكاريكاتير في ليبيا، ترى فاطمة أن مساره يزدهر بوجود رسامين مميزين، يملكون خطابًا كاريكاتيريًا يهمّ المواطن والمجتمع بشكل أكبر، قادرين على أن يغيروا ويناقشوا عبر مساحة أكبر.
تسعى فاطمة لأن تكون على دراية وتمكن كامل من مجال وفن الكاريكاتير، لا سيما وأن النساء في مجتمعنا قليل منهنّ ممن وضعن بصمة في هذا المجال، جاهدة باعتبارها رسامة كاريكاتير على أن تكون على إلمام بكل التفاصيل العلمية والتاريخية الخاصة بهذا الفن.