الهجرة غير الشرعية من ليبيا تعد أحد الملفات الشائكة أمام السلطات الليبية والدول التي يقصدها المهاجرين وأيضا المهاجرين أنفسهم الذين يعانون سوء المعاملة داخل الأراضي الليبية.
هجرة المتوسط
ورغم حديث السلطات الليبية عن مساعيها الحثيثة لوضع حد لأزمة المهاجرين إلا أنها اعترفت بأنها نافذة أساسية للهجرة جاء ذلك على لسان وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية وليد اللافي، الذي قال في يوليو الماضي إن “الأرقام تقدر أن أعداد المهاجرين المنطلقين من ليبيا تتجاوز 40 بالمائة من إجمالي الهجرة في المتوسط” وفق قوله.
اللافي أكد خلال منتدى الهجرة الذي شاركت فيه 28 دولة أفريقية وأوروبية أنّه تم الاتفاق على مبادرة ليبيا التي تتضمن رؤية الحكومة في تحويل الأطر الاستراتيجية للتعاون في ملف الهجرة إلى برنامج عملي قابل للتنفيذ والاتفاق على تشكيل فريق عمل لتحديد المشروعات في بلدان المصدر، ولن يتم إغفال الجانب الإنساني والحقوقي خلال المباحثات.
إحصاءات
ورغم صعوبة تحديد رقم دقيق لأعداد المهاجرين من ليبيا إلا أن التقديرات تشير إلى أن الأرقام ضخمة حيث قدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من 14 ألفاً و755 مهاجراً غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال النصف الأول من عام 2024.
ويعتبر عام 2023 الأكثر دموية من حيث الوفيات على طريق الهجرة عبر وسط البحر الأبيض المتوسط، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، حيث فقد أكثر من 2,500 مهاجر حياتهم، دون احتساب القتلى الذين قضوا في حوادث غرق لم يتم رصدها. وفي عام 2024، سجلت المنظمة الأممية وفاة 1,300 مهاجر على طريق الهجرة، الذي يسلكه المهاجرون منطلقين من السواحل الليبية والتونسية على أمل الوصول إلى أوروبا.
تحديات
لكن الغرق ليس التحدي الوحيد الذي يواجه المهاجرين المنطلقين من ليبيا حيث يعانون سوء المعاملة وتدهورالأوضاع المعيشية وهو ما أكدته منظمة أطباء بلا حدود التي قالت إن الغالبية العظمى من الناس الذين يحاولون عبور البحر المتوسط يمرون عبر ليبيا، ويتعرضون لمستويات مروعة من العنف، بما في ذلك الاختطاف والتعذيب والابتزاز.
وبينت المنظمة أنه رغم ذلك ما زال الناس يحاولون الفرار من ليبيا. ففي عام 2023، حاول 341,010 أشخاص عبور البحر المتوسط، اعتُرض طريق أكثر من ثلثهم (34 في المئة) في البحر وأُعيدوا إلى ليبيا، رغم أن ليبيا لا تعدّ مكانًا آمنًا.
منظمة أطباء بلا حدود أشارت إلى أن المحاولات الأوروبية للقضاء على الهجرة من خلال تعزيز الحدود الوطنية وتعزيز مراكز الاحتجاز خارج حدودها تدفع الناس إلى أيدي المهربين حتى يعبروا نقاط التفتيش والحدود ويتجاوزوا السياج ويخرجوا من السجون ليصلوا في النهاية إلى قوارب تقودهم عبر البحر الأبيض المتوسط.
المنظمة قالت أيضا أنه بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يصلون إلى أوروبا، فإن التحديات والمخاطر التي واجهوها تبدأ مرة أخرى فور وصولهن إلى اليابسة. فعدم وجود مأوى، وإجبارهم على العيش في ظروف غير صحية أو في ظروف مناخية سيئة، وعبور الحدود الغدارة، ومواجهة السلطات المعادية، تدفع الكثير من الناس إلى المرض او الإصابة أو مواجهة مشاكل في الصحة النفسية.
ثلث السكان
ليبيا التي تعد نقطة استراتيجية لعبور المهاجرين تواجه هي أيضا تحديات مرتبطة بملف الهجرة في مجملة حيث قال وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، إن أعداد المهاجرين الموجودين في ليبيا حالياً بنحو 2.5 مليون مهاجر، وتوقع ارتفاع العدد إلى 3 ملايين وهو ما يشكل ثلث سكان البلاد تقريباً، مشيراً إلى أن نحو 90 إلى 120 ألف مهاجر يدخلون إلى ليبيا عبر الصحراء شهرياً.
وتحدث الطرابلسي عن أن بلاده أنفقت قرابة 330 مليون دولار على ملف مكافحة الهجرة خلال العام الماضي، معتبراً أنها خط الدفاع الأول، إذ أن “أمن أوروبا يبدأ من حدود ليبيا مع دول الساحل والصحراء”.
ضغوط
وفي هذا الصدد قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إن بلاده “وجدت نفسها بين ضغط الرفض الأوروبي للمهاجرين شمالاً والرغبة الأفريقية في الهجرة من الجنوب”، وموضحاً أن ما يعزز مشكلة الهجرة هو “الأزمات التي تعانيها بعض البلدان الأفريقية”، بالإضافة إلى المشكلات التي “تؤرق الدول” الأخرى.
ليبيا التي تعاني أزمات الهجرة تعد أيضا مقصدا للمنظمات الإنسانية الساعية لمساعدة المهاجرين وفي هذا الصدد قالت المنظمة الدولية للهجرة أنه في عام 2023 تمكنت المنظمة من الوصول إلى أكثر من 51,000 مهاجر من خلال توفير مواد إغاثة واستشارات طبية، وقدمت أكثر من 163,000 استشارة رعاية صحية أولية، وساعدت 9,369 مهاجرًا على العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية.
ورغم المساعي المحلية والدولية لحل مشكلة الهجرة في ليبيا باعتبارها بلد عبور للمهاجرين تظل الأزمة قائمة وتظل التحديات المرتبطة بالهجرة أكبر من قدرة بلد منفردا على حلها خاصة إذا كانت تواجه ضغوطا داخلية كثيرة.