يحتفل الأمازيغ في شهر يناير برأس السنة الأمازيغية الجديدة، التي تسبق التقويم الميلادي بـ950 عاما. وتعرف السنة الأمازيغية بتسميات مختلفة حسب المناطق، لكن أكثر الأسماء شيوعا هي “ناير”، أو “إض يناير” (ليلة يناير)، ويتميز إحياء السنة الأمازيغية بطقوس إحتفالية فريدة تتنوع وتتباين من منطقة إلى أخرى وهي ذات دلالات رمزية، تعكس ارتباط الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الممتدة عبر التاريخ، من خلال إعداد أطباق ووجبات خاصة وتنظيم كرنفالات وتجمعات بين العائلات والجيران على أهازيج الأغاني والأناشيد الأمازيغية.
تاريخ الاحتفال
يحتفل الأمازيغ في بلدان شمال إفريقيا مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وجزء من العالم بحلول السنة الأمازيغية ابتداءا من الأسبوع الأول من شهر يناير. وإلى حد الآن لم يتفق الأمازيغ على يوم محدد للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، الا أن غالبيتهم يحتفلون اما في 12 أو13 يناير.
ويوافق 2025 عام 2975 بالتقويم الأمازيغي وهو يوم يحمل طابعا تاريخيا وثقافيا بالغ الأهمية بالنسبة للأمازيغ الذين يبذلون جهودا وتضحيات كبيرة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية في ظل العولمة وتصادم الثقافات.
ويعود تاريخ هذا الاحتفال إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات والأساطير الشعبية في شمال إفريقيا، ويعد إحياء للرابط بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلا عن ثروة الأرض وسخائها. لذلك، يعتبر يناير احتفالا بعيد الطبيعة والحياة الزراعية والنهضة والوفرة.
ما هي قصة يناير؟
تختلف الروايات عن قصة بداية الاحتفال ب “ينّاير”، لكن الرواية الأبعد عن الأسطورة والأقرب إلى كتابات المؤرخين هي قصة وصول الأمازيغ إلى عرش مصر. فيقول المؤرخون إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو في الأصل احتفال بانتصار الملك شيشنق “وهو أمازيغي من أصول ليبية” على الفراعنة الذين كان يحكمهم رمسيس الثالث.
ويقول مؤرخون إن المعركة حدثت على ضفاف النيل 950 سنة قبل الميلاد. وعلى إثر انتصاره، أصبح الملك شيشنق الأمازيغي حاكم الأسرة الثانية والعشرين للفراعنة.
وهناك أيضا من يرجع أصول الاحتفال بـ”ينّاير” إلى بعض الأساطير القديمة، منها أسطورة العجوز التي تحدّت شهر يناير وظروف الجو القاسية لترعى أغنامها، فطلب شهر يناير من شهر فبراير أن يعيره ليلة ونهارا للانتقام من العجوز. وتؤكد الأسطورة أن “يناير” جمد أوصال العجوز وأغنامها، لذا يعتبر بعض الأمازيغ القدامى أن هذا اليوم يجب أن يكون يوم حيطة وحذر.
وآخرون يعتبرون أن الاحتفال بـ”ينّاير” سيجلب لهم الخير والسعادة، والنجاح لأن يناير هو أول شهر في الرزنامة الأمازيغية الفلاحية.
التقويم الأمازيغي
إن التقويم الأمازيغي واحد من التقويمات التي يقوم الأفراد باستخدامها في بعض دول المغرب العربي. بدأ هذا التقويم باتخاذ الشكل الرسمي بعد البدء في عدّ الأعوام الأمازيغية من قِبل الأكاديمية البربرية في باريس، اعتبارا من 950 قبل الميلاد، ووقع اختيار التاريخ ليتزامن مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.وبالتالي، يرى الأمازيغ أن هذا التاريخ يرمز إلى القوة والسلطة.
عادات وتقاليد الاحتفال
تختلف الاحتفالات والطقوس ب “يناير” من بلد لأخر، لكنها كلها تتفق في أنها تعكس الهوية الأمازيغية، فقد أصبح من المعتاد ارتداء الأزياء والمجوهرات الأمازيغية التقليدية الخاصة بهذه المناسبة.
في ليبيا يحتفل الليبيون في بعض المناطق بجمع النساء للأعشاب والنباتات وتعليقها في أسقف منازلهن كمقدمة لبداية سنة زراعية خضراء مليئة بالوفرة والخصوبة.
وتسقى الأطباق (وخاصة الكسكس) بالحليب عوض المرق لتكون السنة صافية كصفاء الحليب، كما أنه لا يتم تنظيف الأواني ولا اشعال النار ليلة رأس السنة.
أما في الجزائر، تجتمع العائلة لإعداد أطباق خاصة بهذه المناسبة، مثل طبق “شخشوخة” و”الرشتة” و “بركوكس” بالإضافة إلى “التراز” وهو مكون من الحلويات والتمر والفواكه الجافة.وكلما تنوعت الأطباق والمأكولات كلما كانت السنة سنة خير ورزق.
وفي هذه المناسبة، يقوم أفراد العائلة بوضع الطفل الأصغر وسط “جفنة” أو صينية كبيرة ويدورون حوله ويرمون عليه “التراز”، اعتقادا منهم أن هذا سيزيد من رزق الطفل.
و في تونس، فيحتفل أمازيغ تونس بتحضير أطباق تقليدية كالعصيدة والكسكس و”تيكربابين”، وتجتمع العائلة أو القبيلة للاحتفال ثم الدعاء لتكون السنة الجديدة وافرة بالأمطار والمحاصيل الزراعية.
ويحتفل المغاربة بـ”ينّاير” باجتماع العائلة والأصدقاء حول طبق “تاكلا” أو العصيدة، وهو طبق أمازيغي أصيل.
وهناك عائلات تفضل إعداد الكسكس والطاجين والبيض المسلوق والفواكه الجافة، خاصة في نواحي منطقة سوس.