نادرة العويتي
كتبت : (أنا والبحر نغتسل بدموعنا، نتساقى ذوب الرمال والملوحة نخب الأمل المشترك في العثور على عزيز فقدناه ، في هذا اليم سقطت لؤلؤتي الوحيدة .. هل تعلمون ماذا يعني أن يفقد المرء لؤلؤته التي سيقتات من فيض توهجها ؟ )
هي الكاتبة الصحفية والحقوقية والقاصة في الزمن الصعب السيدة نادرة الطاهر العويتي رحمها الله .. من أوائل الكاتبات اللواتي ساهمن في نشأة الرّواية النسائية بالمغرب العربي عامة واعتمدت بروايتها الأولى في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كثاني روائية على المستوى المحلي .. من مواليد 7 / 4 / 1949م بدمشق .. لأسرة ليبية هاجرت إبان الاحتلال الإيطالي وعاشت ردحا من الزمن حيث ولدت بسوريه وعاشت بداية صباها ببيروت حيث تلقت تعليمها هناك حتى حصولها على شهادة الحقوق من جامعة بيروت ورغم دراستها الحقوق .. تعلقت بالعمل الصحفي ورغبت العمل كصحفية وليس ككاتبة فقط فتلقت مجموعة من الدورات التدريبية في العمل الصحفي نظمتها في العام 1965 م مجلة المرأة في طرابلس لبنان والقاهرة وعادت في عام 1966 لطرابلس الغرب لبلادها ليبيا لتعمل بمجلة البيت محررة ومشرفة على الصفحات الثقافية بها صحبة الرائدة الكبيرة المرحومة خديجة الجهمي .
(( أكثر المخلوقات البشرية التي لا أُمل من النظر إليها تعابير وجه أمي، هذه الكتلة المتحركة من الطيبة والحنان _ مقتطف ورد في روايتة عويتي الوحيدة ))

العويتي .. كاتبة هادئة طبعا حتى أنها اتخذت هدوءها كطابع إنساني فيها منهجا وأسلوبا في كتاباتها التي اتسمت بعدم البهرجة بل بشفافية وعمق لم تعتمده في الكتابة فقط بل في التحاور أيضا .. ولا يفعل هذا إلا محاور عارف .. لديه مكنة الحديث بما يملك من معارف تهيؤه للفوز بجولات الحوار كلها إذا ما احتدم وأترك لقارئ سيرتها هذه الجزئية التي تتحدث فيها عن نفسها فتقول :
(ربما أكون الكاتبة الأكثر تحفظاً وانضباطاً وتمسكاً بكل الثوابت الاجتماعية ، وإذا ما حدث وغاب الرقيب الصعب الساكن في أعماقي ، وتجرأ القلم بعض الشيء ، فإنني سرعان ما أحاسب نفسي وأعود إلى المربع الأول الذي انطلقت منه .. حرية التفكير والتعبير الصريح عن بواطن التفكير دون مراوغة مسألة لم نعتدها بعد، وثقافة لم نتشبع بها ونمارسها. قبل أن نتناول حرية التفكير علينا أن نتذكر أوصاف مجتمعنا ووضع المرأة فيه، على اعتبار أنها تابعة للآخر، حتى على المستوى الأدبي ليس من الشجاعة أن تغامر الكاتبة بمكانتها الاجتماعية مقابل التعبير الحر عما يدور في خلدها، وإن غامرت فلها أن تتحمل النتائج).
أصفها أنا بعنوان روايتها فهي كالطبيعة ضاجة بالكثير في أحشائها ناعمة المظهر جميلته حد أنها عنونت روايتها (( المرأة التي استنطقت الطبيعة )) وصدرت في العام 1983 ولاقت الرواية اهتماما كبيرا للفارق الزمني الذي فصل إصدارها عن أول رواية نسائية كانت للكاتبة مرضية النعاس عام 1972 بعنوان ( شيء من الخوف) واعتبرت بذلك ثاني إنتاج أدبي روائي نسائي على المستوى المحلي .. كتبت نادرة في مجلة البيت كصحافية في القسم الثقافي ولكنها إضافة لمجلة (البيت) ، نشرت مقالاتها وقصصها القصيرة، في الدوريات الليبية والعربية ، وبرغم بدايتها المبكرة في كتابة القصة القصيرة ، إلا أن مجموعتها القصصية الأولى لم تصدر إلا في العام 1988 بعد أن صدرت روايتها قبل ذلك بخمس سنوات .. وساهمت العويتي بإثراء المكتبة الليبية والعربية بمجموعة من الأعمال الأدبية التي صدرت لها عبر أزمان متباعدة نوعا ما في مجال القصة القصيرة ، منها خمس مجموعات قصصية هي (حاجز الحزن 1988 م _ اعترافات أخرى1994م _ عند مفترق الطرق 2006 م _ لعنة الرواية _ عيون الكبرياء _ ورمادي ).
تقول : (تأخذني القصة أكثر .. والمقالة أيضا .. بشكل عام .. الكتابة لا نخطط لها، لكننا نحلم بها نعم الكتابة حلم عشق، تصوف، ارتقاء إلى دنا خاصة خالية من الإسمنت والفجاجة ، أتمنى أن أكتب وفق قوة الجاذبية المتاحة أمامي لأحداث تظلل مساحة ما من الذاكرة الطفولية .. الأحلام قد تتعارض مع الاستعدادات النفسية والتهيئة الذهنية والأفضل أن نترك للظروف فرصتها لعلها تهدينا بعض الإلهام والشجاعة ).
تناولت في أعمالها الكثير من القضايا المهمة ، منها (التمييز العنصري ومأساة الشعب الفلسطيني، وأحداث شيلي بأميركا الجنوبية ، وقصص مرعبة عن معتقل غوانتانامو)
(في فمك كلمة هامة تود أن تقولها.. وفي يد خصمك رصاصة.. يطلقها عليك دون أن يحاسبه أحد)
خلود الفلاح الصحافية والشاعرة أعدت مقالا مهما عن ( كاتبات وكتاب الرواية الواحدة ) فقالت : هناك من يعتزل الكتابة الروائيّة، وله أسبابه، مثل الإنجليزي أوسكار وايلد كتب روايته الوحيدة “صورة دوريان غراي” وتفرغ بعدها للشعر. وأيضا الشاعر الغنائي الليبي أحمد الحريري كتب رواية واحدة “وجدت. في عيونكم مدينتي” طبعت في بيروت، واحترقت كل نسخها في بيروت عام 1975 .. وأوردت من بينهم الروائية صاحبة الرواية الواحدة والمجموعات القصصية العديدة والمقالات والدراسات بين اجتماعي وأدبي نقدي وتوعوي نادرة العويتي فقالت عنها في مقالها :

(( الرواية الوحيدة للقاصة الليبية نادرة عويتي (1949 ـ 2015)، تدور أحداث الرواية حول فتاة تدعى نعيمة تشكل الأرض والطبيعة مصدر أمان بالنسبة لها، وأخيها منصور الذي يمثل السند لنعيمة في كل الأزمات التي تمر بها .. نادرة عويتي التي ظلت مخلصة للقصة القصيرة تقول” تأخذني القصة وكتابة المقال أكثر، الكتابة لا نخطط لها، لكننا نحلم بها نعم الكتابة حلم عشق، تصوف، ارتقاء إلى دنا خاصة خالية من الإسمنت والفجاجة، أتمنى أن أكتب وفق قوة الجاذبية المتاحة أمامي لأحداث تظلل مساحة ما من الذاكرة الطفولية الأحلام قد تتعارض مع الاستعدادات النفسية والتهيئة الذهنية والأفضل أن نترك للظروف فرصتها لعلها تهدينا بعض الإلهام والشجاعة)) .
كان لقصصها جانب يحمل كثيرًا من التصوف والفلسفة ذات الحس الساخر والإسقاطات الاجتماعية التي تجاوزت الحالة الليبية لتبحث عن كل ما هو إنساني أينما وجد ، فنجد أحداث بعض القصص تدور في القاهرة ومن سان فرانسيسكو إلى بنغازي وأوجله ولوس أنجلوس ، ومن الثمانينات والتسعينات والألفين.

الأديبة التي خاضت مجالات الكتابة جلها رواية قصة قصيرة وأحبتها أكثر من أي لون أدبي كتبته وأبدعت فيه .. كتب “نادرة العويتي” المقالة الأدبية والاجتماعية، إضافة إلى القراءات النقدية مسهمه في إثراء هذ الجانب من حياتنا الأدبية في ليبيا باحترافية الناقد الموضوعي ، كما شاركت في العديد من المناشط والفاعليات الأدبية والثقافية. وأخذت غفوتها الأخيرة رحلت “نادرة العويتي” عن عالمنا مودعة قلمها ومن أحبوا قراءة ما تكتب بنهم .. في 28 / يناير / 2015 م وقد أعلن عن وفاة القاصة صباح ذاك اليوم “نادرة العويتي” في ذمة الله بعد تعرضها لجلطة دماغية ودفنت بمدينتها طرابلس وقد صفت المحامية والقاصة “عزة المقهور“ رحيلها قائلة : : (رحلت القاصة والصحفية الليبية نادرة العويتي بهدوء كما عاشت حياة هادئة مطمئنة في كنف اولادها الذين ربتهم بجهدها وعرقها ودموعها. نادرة العويتي رحلت رغم انها لم تترك مدينتها طرابلس إلا نادرا. لم تترك اقلامها ودفاترها ولم تتغيب عن ندوات ولقاءات كتابها وأدباءها. بصوتها المميز تلقي بيننا قصصها، أو دراساتها النقدية. تحتفي بكل التفاصيل وتغادر صحبة ابنها المهندس نزار كالحمامة. تطفق بجناحيها وتطير. غادرت في فترة اشتد فيها المرض ببلادها فحركت جناحيها مرتين ثم غادرت. الحمامة البيضاء.. تركت لنا ارثا منه المنشور ومنه غير المنشور، نصيبها كان حبيبات قليلة في هذه الدنيا، رضيت بها وعاشت عليها.. رحم الله رائدة من رائدات الصحافة الليبية والقصة القصيرة والعمل الاجتماعي في ليبيا.).
«جائزة فال للإبداع»، جائزة سنوية أُسست العام في العام 2012 م 29لتتسلمها في ذات العام في 29 / ديسمبر 2012 نادرة العويتي حيث قامت منظمة فال بتكريمها في طرابلس بحضور عدد من الأدباء والصحافيين والمثقفين .. عرفانًا لدورها في مسيرة الحركة الثقافية الليبية.
(( سقطت ، غابت، ضاعت، فحملت أعمدة الجليد على أصابعي، لطمتني الأمواج، جرحتني الصخور، قارعت التيار ، قتلني الحنين , إنها لي ، انفرطت من عقد كبدي، من عمر ذاتي )) .