حمزة الحاسي
كَمْ كُنٔتُ يُوسُفَ
وَكَمْ كَانَ ثَوْبِي مُلَطَّخًا بِالعِشْقِ
فَارتدَّ بَصرُ الدُّنيا فِيكِ
كَمْ كَانَ نبيًّا هو اسمُكِ على شَفَتِي
كَمْ كَانَ الرَّحِيلُ المُبَكرُ وخزةً في قلبِ حمامةٍ
لا تَنامُ إلا في حِضْنِ السَّرايَا.
حَيْثُ الشِّتاءُ في مَلامِحِ روما غَنَّى لكِ
فَطارَ من الأرضِ صَيْفُك المُتَمرِّدُ
لمْ تَرقُصِي أنتِ
لم تُغنِّي
لَمْ تغيِّرِي
لم تَتَمرَّدِي على النِّساءِ
وفي أقصَى حُزْنِ وَتَرٍ
رَقَصَ قلبكِ على مُوسِيقى النَّوافِيرِ.
خُضْتُ حَربَينِ بَعدَكِ…يا ابْنَةَ المَاءِ
وما زلتُ علَى قيْدِ القَصيدِ
وحَلُمْتُ أن أقْطفَ مِنْكِ أنْدَلسًا بأكْمَلِها
لأنَّ لي في الوردَةِ الحَمْرَاءِ
ملمسُ حَنِينٍ
ذاكِرةٌ رماديةٌ
وَعِطرُكِ المُخْتالُ
أخْبِرِينِي كيف استَطَاعَ الرحيلُ
أن يكتبَ اسْمَكِ الرَّبيعِيَّ
عَلَى يَبَاسِ قَلْبِي
على وسَادتِك المُهداةِ
عَلى هَزائمِ ذاتِنَا
وكبريائِكِ الأنثى
لا الحَرْبُ لا الرِّيحُ
ولا حتَّى حدِيقةُ الدَّهْمانِي تَغتَالُ اللِّقَاءَ.
أتذكرينَ كَيْفَ اخْترَعْتِ الغُمُوضَ
فِي عَينَيَّ
وَكَيْفَ أبتكرتُ قمراً لأُسمِّيَهُ ليَالي
تَعالَي تَعالَي…
واغمُرينِي ياطَرَابُلسَ الغِيَابِ
تعالي كي نَحفَظَ الأسْمَاءَ
والنُّزَلاءَ
تَعَالي يَا ابْنَةَ المَاءِ
نُرَتِّبُ حُزنَنا الشَّهي خَلْفَ وَجَعِ ظِلِّ كَتْفٍ
لَرُبَّمَا اشْتَهى تَنْهِيدةً من رِيحِ قبلةٍ
ومن الرحيلِ المبكرِ فكرة لِلْبَقَاءِ
تعالَي كي نَحفَظَ
الوُعُودَ
الأمانِيَ
والقَصَائدَ
تَعالِي نعدَّ عَلَى أصَابِعِكِ النَّحِيلةَ
لَيالي الغِيابِ
تَعَالي علَى غُصنٍ يَعشَقُ ظِلَّهِ
علَى القَهْوَةِ البَيضَاءِ
على شُباكِ البَيْتِ القَدِيمِ
وَثَوبٍ عُثْمانيٍّ مُزَرْكشٍ وَمُدَلَّهٍ
تَعرفِينَ مَدَى انْكِسارِ صَوْتِكِ فِيَّ
كَما يَعْرفُ الصَّوتُ مُرُورَ رِيحِكِ الأنْثَى
ارحلي وراءَ كُلِّ شَيءٍ
ارحَلِي عِندَ أُفْقٍ بَعِيدٍ
وكلَّما غطَّى شعرُك الذَّهبيُّ غَيْمةً
ظَنَنْتُهُ شَمسَنَا الأولَى
أمَّا أنَا…
أعرف أن الصِّغَارَ الصِّغَارَ
يَعشَقُونَ الألْعَابَ والفُقَاعَاتِ
وأنَّ الكِبارَ ياعُمْرِي يُسَمُّونَكِ وَطَنْ.
“حمزة الحاسي”
______________
عن الشاعر في : فبراير_2025 _مخطوط : كأنهُ_العشق