يبدو أن السجال بين الساسة في ليبيا عاد من جديد للواجهة ، فبعد الجدل الذي حدث مؤخرا بين مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية ،ما يعكس التجاذبات الحادة بين مؤسسات الدولة في ظل واقع سياسي هش.
صالح يطالب بوقف العمل مع حكومة الوحدة
خلال كلمته في المؤتمر السابع للبرلمان العربي بالقاهرة طالب رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح بدعم ومساندة مجلس النواب لممارسة مهامه التشريعية ، مطالبا الحكومات بوقف التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية التي قال إن المدة المحددة لها بالمرحلة التمهيدية قد انتهت، وسحبت منها الثقة من مجلس النواب. وأضاف صالح بالقول:” إنها تفتقر للشرعية التي تستمدها الحكومة من الشعب عن طريق نوابه، كما فشلت هذه السلطة في المهمة التي جاءت من أجلها في إشارة إلى الانتخابات العامة، وأن مصلحة ليبيا تكمن في تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تتولى العمل على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لا سيما أن قوانين انتخاب رئيس الدولة والبرلمان قد صدرت عن طريق لجنة (6+6) مع تأكيدات من مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومجلس الأمن على أن القوانين صالحة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .”
حكومة الوحدة تهاجم صالح
وعلى خلفية تصريحات رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح أمام البرلمان العربي،عبّرت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في بيان عن “استهجانها ورفضها الشديد للمغالطات القانونية والسياسية” التي قالت إن صالح أدلى بها في القاهرة ، واصفا تصريحات صالح بأنها لم تقتصر على الطابع الجهوي والانفصالي، بل عززت خطاب الكراهية، في تنافٍ واضح مع مبادئ الوحدة الوطنية، ومساعي الاستقرار في ليبيا”.
في المقابل أيدت الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد، تصريحات المستشار صالح ، الداعية إلى وقف التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية . وقال حماد، في بيان، إن تصريحات عقيلة في القاهرة ، تستهدف الحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها، “تحقيقا للجهود الإقليمية والدولية في الوصول إلى حلول مبنية على أسس سليمة للأزمة الليبية”، داعيا إلى إجراء انتخابات حقيقية ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب. وشدد بيان الحكومة الليبية على ،موقفها الثابت بشأن وحدة ليبيا، وتماسك نسيجها ومكوناتها الاجتماعية، وسعيها المستمر لإنهاء حالة الانقسام، وترسيخ الشرعية الدستورية. وأضاف البيان أن مجلس النواب ،هو الأساس لأي حل سياسي باعتباره الممثل الشرعي المنتخب والمعبر عن إرادة الشعب. كما أكد البيان دعم الحكومة، التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للوصول إلى حل ليبي – ليبي، داعية المجتمع الدولي إلى دعم تطلعات الشعب الليبي نحو دولة ديمقراطية.
توترات سياسية تستقبل المبعوثة تيتيه
مسار صعب ومهمة شاقة في انتظار رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه، التي تزامن وصولها ، إلى العاصمة طرابلس، لمباشرة مهامها رسميا، بالجدل الحاصل بين رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح و رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والتزمت تيتيه الصمت ولم تعلق بعد على هذا السجال بين صالح والدبيبة . وكانت تيتيه قد أقرّت فور وصولها إلى ليبيا، أن عمل البعثة لن يكون سهلا، لكنّها أكدّت أنّها ستبذل جهودا كبيرة لتحقيق السلام والاستقرار لليبيا، وستواصل العمل بلا كلل لدعم المؤسسات الليبية وتمكينها من إجراء انتخابات وطنية شاملة للجميع. وفي أول لقاء لها بعد استلام مهامها رسميًا، استقبل رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، تيتيه، مؤكدًا دعم الحكومة لجهود الأمم المتحدة في تعزيز الاستقرار الوطني والعمل على الوصول إلى الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية. تيتيه التقت أيضا الطاهر الباعور، المكلف بتسيير وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الدبيبة، والذي أكد، استعداد الوزارة لتقديم كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح مهام عمل البعثة. وأكد الجانبان أهمية دعم المساعي الرامية إلى إجراء انتخابات وطنية شاملة تعكس تطلعات الشعب الليبي نحو مستقبل مستقر وديمقراطي، وذلك في إطار احترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها.
مساعي أمريكية لحل الأزمة
وتشهد الفترة الاخيرة تحركات جادة للمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند من خلال سلسلة لقاءات عقدها مع عدد من المسؤولين في ليبيا الى جانب زيارات عديدة لجهات مختلفة. حيث التقى نورلاند، رئيس حكومة ،الوحدة الوطنية ، عبدالحميد الدبيبة وناقشا رؤية الإدارة الأميركية تجاه تطورات الأوضاع في ليبيا والمنطقة، وسبل تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والحوكمة المالية، بالإضافة إلى مناقشة القلق المتزايد بشأن التواجد الأجنبي في ليبيا، في إطار الجهود الرامية إلى دعم الاستقرار وتعزيز السيادة الوطنية.
وفي اتصال هاتفي جمعه برئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح قال نورلاند إنه أكد، دعم الولايات المتحدة للعملية السياسية، التي تسهّلها الأمم المتحدة. وشدد نورلاند على أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية الموحدة، ودعم نزاهة مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وتحقيق تقدم في المفاوضات الشاملة لتشكيل حكومة واحدة، قادرة على إجراء الانتخابات . كما بحث نورلاند مع رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” آخر المستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا ، وجهود البعثة الأممية في ليبيا وعمل اللجنة الاستشارية والخطوات العملية المُتخذة للدفع قدماً بالعملية السياسية لإنهاء المراحل الانتقالية والمحافظة على استدامة الاستقرار، والتوجه إلى الانتخابات العامة
مخرجات لقاء مجلسي الدولة سيزيد من غضب الدبيبة
ويرى مراقبون أن البيان الختامي للقاء التشاوري بين أعضاء مجلسي النواب والدولة المنعقد في القاهرة الذي أكد على ضرورة إعادة تشكيل السلطة التنفيذية قد يزيد من غضب حكومة الدبيبة لا سيما أنه أكد على أهمية تفعيل مخرجات اللقاء الثلاثي الذي عقد بالقاهرة برعاية جامعة الدول العربية في 10 مارس 2024 ، وهو لقاء جمع آنذاك المستشار عقيلة صالح ومحمد تكالة ومحمد المنفي ، وهو ما يضع الدبيبة وحليفه تكالة في موقف لا يحسدون عليه . ووسط هذا الزخم السياسي تعقد اللجنة الاستشارية المكلفة من البعثة الأممية بتقديم اجتماعاتها في محاولة للوصول إلى نتائج وتوصيات خاصة في ما يتعلق بالنقاط الخلافية للقوانين الانتخابية في سبيل الوصول إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بالبلاد. تجاذبات سياسية تشهدها ليبيا ، تعكس واقعاً معقداً يتشابك فيه الصراع على السلطة مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. ورغم الجهود المستمرة من قبل الأطراف المحلية والدولية للوصول إلى تسوية سياسية، فإن عدم التوافق بين القوى المختلفة والمصالح المتضاربة يزيد من تعقيد المشهد السياسي. ويبدو أن الطريق نحو الاستقرار والانتقال الديمقراطي في ليبيا ما زال طويلاً.
