د . عامر التواتي
كثيرة ومتغيرة تلك التحديات التي تواجه البلدان وخاصة الهشة منها في صورة توترات تؤرق المجتمع، تحديات سياسية واقتصادية وتكنولوجية ومعرفية، توترات بين العالمية والمحلية، بين العمومية والخصوصية، بين الثورة المعرفية وقدرة الإنسان على استيعابها، بين الأصالة والمعاصرة، بين الروحي والمادي.
لا يخلو التعليم من هذه التحديات، وعندما يتعلق الأمر بالتعليم الطبي العالي وخاصة في المجالات السريرية وفي بلدان مثل حالتنا تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار الاقتصادي والإداري، والانقسامات الاجتماعية، والخلافات السياسية، والنزاعات المسلحة، يبدو حينها الحديث عن التعليم العالي وخاصة في مجال الطب السريري وكأنه ضرب من ضروب الهذيان.
تطور التعليم العالي في مجال الطب السريري من خلال الحاجة لمختصين ومن خلال الممارسة المهنية في مجال التخصص الأمر الذي قاد إلى ضرورة تصميم برامج تدريبية وتعليمية وبحثية وهى المتطلبات الأساسية لإعداد مختصين والتي تختلف عن البرامج الأكاديمية البحثية التي تجرى في العلوم الصحية والطبية غير السريرية.
مع مرور الزمن تطلب اعداد مختصين مهنيا وعلميا وأكاديميا إيجاد مؤسسات مختصة بالإضافة للجامعات، تأسست الكليات colleges والمجالس المختصة في مختلف فروع الطب السريري، حيث تتضمن برامجها مناهج محددة وواضحة، إطار زمني محدد، آليات تدريب وتقييم وتقويم معيارية، وبحوث علمية منهجية، وتمنح شهادة اختصاص مؤهله عمليا وأكاديميا، وهذا المعمول به في معظم دول العالم.
يعتبر مجلس التخصصات الطبية والذي تأسس منذ 30 سنة هو المؤسسة العلمية المخولة قانونيا والمؤهلة علميا للقيام بهذا الدور وهو تدريب وتعليم وتأهيل وتقييم الأطباء في مختلف التخصصات تأهيلا عمليا وأكاديميا , وهو فعلا قام ويقوم بهذا الدور رغم كل الصعوبات والتحديات التي يواجهها كل يوم , كما أن الشهادة التي يمنحها هي شهادة وطنية تقوم أيضا بتحقيق مفهوم توطين المعرفة يجب دعمها وتطويرها وحمايتها.
تظل برامج الماجستير والدكتوراة مهمة جدا في المجال البحثي بما في ذلك السريري ولكنها لا يمكن أن تحل محل شهادة الاختصاص (الزمالة/البورد)، كما أن هذه البرامج لمنح درجة الماجستير والدكتوراة تقوم بها الكليات المختصة (كليات الطب) وليست أي مؤسسات أخرى.
