خلود الفلاح
في الشتاء القادم
سأشتهي لك صالة
لا تتجاهلك مقاعدها
سأشتهي لك
حائطا يواريك
سأشتهي لك
عنبا وخبزا وجبنا
سأشتهي لك
برتقالة تضئ
خلود الفلاح شاعرة، وصحفية ليبية من مواليد بنغازي عام 1973، ترعرعت في مدينتها، ودرست فيها متطلعة لما وراءها من مدن، وبلدان تخرجت من جامعة قاريونس، كلية الآداب، قسم إعلام شعبة صحافة، وتحصلت على الليسانس، وخاضت العمل الصحفي وسط جوقة من الأقلام المهمة في بنغازي، فعملت في المؤسسة العامة للصحافة منتصف التسعينيات، حيث كان الكتاب سعد نافو، و سالم العبار ومحمد السنوسي الغزالي، وعبدالله عبدالمحسن، وزينب شاهين، وجابر نور سلطان، وليلى النيهوم، وأمال البراني، وغيرهم من الشعراء أيضا المترددين بأعمالهم، وأماسيهم، وأصابيحهم، وجايلتهم، رغم أنها ولدت بعدهم بأجيال بعيدة، وقريبة، فقاربت هاماتهم السامقة في المجال الأدبي أيضا، لا الصحفي فقط .. خلود التي اُختُصت بجدارة في كتابة الومضة تقول الكاتبة ليلي النيهوم عن أعمالها الرقيقة الناعمة :
قصائد جميلة قصـيرة تحكي كل شيء في نبسة .. في ومضة .. في سطرين .. غاضبة مثل صاحبتها .. ترتأي الصمت في انتظار جذوة الكلام، لتكون الروح قلقة، والفضاء ليس وسيعا لشساعتها، ولترامي أطراف أحلامها، وأمانيها .. والهواء راكد لا ترتفع إليه ضحكة طفولتها، لذلك كان الشعر، والفضاء الرحيب، والهواء الحضون، لذلك كان الشعر أوكسجين الروح، تصوغ الشاعرة ذاتاً توازي الواقع .. في تفاصيلها القريبة الصغيرة .. إنها تدوين مغاير لذات تتآكل يومياً .. فالذات هنا ستكون موجزة قدر الإمكان .. فالمقاطع الصغيرة التي تدون تُشكلُ في مجملها ملامح لذات موازية.القصيدة هنا .. تنفصل عن ذات الشاعر .. لكنها لا تبتعد عن أفقه كثيراً ..داخلها من قلق الشاعر، وارتباكه الشيء الكثير ..لذلك فصياغة نص يوازي الحياة .. حياة الشاعر يظل أمراً فيه من الروعة، كما فيه من الخطورة ..فالوقائع المدونة وقائع يومية .. لا تعتمد علي الذاكرة، ولا تشكل سيرة في أي حال من الأحوال
عملت الفلاح محررة ثقافية في جريدة “العرب”. صدر لها دواوين: “بهجات مارقة”، “ينتظرونك”، “طاولة عند النافذة”، “نساء”، “نهر الليثي” تمت ترجمة نصوصها للفرنسية ضمن كتاب “المرأة شاعرة”، شاعرات عربيات بالفرنسية، ترجمة الشاعرة “مرام المصري وتمت ترجمة نصوصها للألمانية ضمن كتاب “إفريقيا في القصيدة”، ترجمة الأستاذة “زينب خليفة كما ترأست اللجنة العليا لملتقى “مبدعات عربيات في زمن الحرية”، بنغازي2012 وفي أحد لقاءاتها الصحافية تجيب خلود عن بدايات دخولها لدائرة المسؤولية الأسرية بالقول : قبل وفاة والدتي لم أكن أعرف ماذا تعني «ربة المنزل»، أو من تعتني بمسؤوليات البيت من مراقبة والتفكير بمستقبل الأولاد والقيام بالأعمال المنزلية من تنظيف وغسل واعداد الطعام .. أنا بعد العام 2018، دون أن انتبه أو أخطط للأمر أصبحتُ أماً وأختاً في الوقت ذاته لتصبح الـ 24 ساعة لا تكفي بين مهامي كربة بيت، وعملي، والتزامي بمواعيد تسليم المقالات والتقارير ..وعلى كل البيت يبقى هو الأمان والراحة والمحبة، الاتفاق والتفاهم والتضحية بقدر من أجل أن تسير المركب بسلام.
هي إذن تلك الفتاة الليبية التي تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في مجتمع لا يكبل صراحة ولا يقمع بفجاجة الأنثى ولكنه يحاصرها بواجبات جمة داخل وخارج بيتها .. تحملت مسؤولياتها خلود خميس الفلاح كأخت وابنة لرجل عصامي معلم ثم مدير مدرسة وأم كذلك عرفت العمل الاجتماعي وكافحت لتربية أولادها بجدارة الأم الليبية رحمهما الله ومنهما تعلمت خلود قواعد الخوض في المجتمع بقوة رغم لينها ورقتها التي تتضح في شعرها وقوتها التي تتبين واضحة في تحقيقاتها الصحافية واستطلاعاتها ولقاءاتها وتجوالها في كافة المدن الليبية لتتعرف عن قرب سير المؤتمرات المهمة والمهرجانات بصنوفها ولم تتقوقع .. وهي تدرك أين تقف طالما خرجت ميدان العمل وستواجه كل أنماط الشخصيات بين الداعمة والمتحرشة والمعرقلة .. كتبت بالعديد من المجالات منها الشعر والكتابة الصحفية، وتقلدت منصب مديرة مكتب مجلة «الأمل» ببنغازي، وعملت كمراسلة لمجلة «الإذاعة» بمدينة بنغازي، إضافة لمشاركتها في عديد المناشط الثقافية والاجتماعية.

كان لخلود تجربة زواج من كاتب وصحفي لم تدم للأسف رغم توقع الصحب من حولها أنها الأجمل لشاعرين جمعتهما الكلمة على وفاق رباط مقدس .. ولكنها الحياة ومجرياتها التي لا نستطيع توقعاتها .. هي الآن زوجة ضمن أسرة مستقرة انتقلت من بنغازي لتعيش في طرابلس منذ العام 2023 م ومفهوم الشراكة عند الشريكين أوضحته خلود في أحد الحوارات معها قائلة:
يرتبط الأمر بطموح واحلام وامنيات تحاول الأنثى بصفة عامة تحقيقها، وهو يقودنا إلى النظر بموضوعية للأحكام القطعية التي يطلقها كلا الطرفين إذ لا أستطيع وصف مجتمع كامل بأنه معرقل لطموحات نسائه، ولكن كما كل شيء هناك خليط متنوع من البشر متنور وطموح ويرى أن المجتمع يسير ويبنى بمجهودات النساء والرجال. وهناك العكس، الذي يريد أن تعود المرأة في القرن الواحد والعشرين إلى المنزل تنتظر الزوج، وحبذا أن تترك حتى الدراسة وتلغي تفكيرها وتصبح امرأة لا حول لها ولا قوة.
ترى الجانب المتعلق بالتضحية على أساس المشاركة لا بدوافع الأنانية والسيطرة ، إذ ليس من الضرورة أن تكون المرأة هي من تضحي وتقدم بلا حدود لتعيش الأسرة في سعادة ، فالتفاهم على تحديد الواجبات والحقوق لكلا الطرفين شرط أساسي لأي حياة.
حين أفقد ماء الورد
حين أفقد رائحة العشب
أتأهب للبكاء
هي صحافية جادة ومهنية ولكنها كشاعرة تتميز بذاتية لونها حيث جمعت في كلماتها قطوفا من المعاناة الإنسانية والحب والجرأة في عرض معاناة الأنثى ككل ومشاعرها وأحلامها وأثرت الحرب ما بعد 2011 م في عديد أعمالها فكتبت بحرقة عن هذا .. خلود الفلاح شاعرة لها خطها الخاص تتمتع بروح نشطة معطاءة وصبورة تقاتل لإبراز وجه ليبيا الجميل ..
_ ترجمت نصوصها للفرنسية ضمن أنطولوجيا المرأة شاعرة تحت عنوان ” شاعرات عربيات بالفرنسية ” ترجمة مرام المصري.
_ ترجمت بعض أعمالها للغة الألمانية ضمن أنطولوجيا «أفريقيا في القصيدة » ترجمة زينب خليفة.
_ وترجم لها خالد المعالي من العربية للألمانية قصيدتها (( الحرب تفكر في ترك هامش للبهجة ))، ضمن كتاب جناحا قلبي المثقل .
في نورها الثلاثين
عانقت
قمرا وطائرة ورقية
****
في المسافة الصافية
بين ظلينا
نمت حديقة ظريفة
لأنهم أطلوا
من الشرفة الخطأ
حرموا أنفسهم
روعة المشهد
ديوانها الأول ” بهجات مارقة “ كانت الحياة وردية عادية فكتبت فيه عن تلك الصحون التي تبتهج استقبالا لوجبة الغداء ثم صورتها وهي تصطك من البرد في حوض الغسيل .. ولحقه ديوانها الثاني أيضا والدنيا من حولها عادية وهي تمارس أعمالها ودورها المجتمعي بقوة وربما كانت تنتظر شيئا ما فكان تحت عنوان ” ينتظرون “ لكنها الأيام وتقلباتها فتكتب وتصدر ديوانها ” نساء ” حيث الليالي معتمة والخوف هو المسيطر في أيام الحرب لكنها فيه كتبت عن نساء وحيدات تقدم بهن العمر فقدن أحبائهن في الحروب فكن وحيدات لكنهن متفوقات غير مهزومات .. تقول عنه :
كتبت قصائد الديوان في بنغازي والحرب قائمة والخوف يسكن القلوب وكانت الكتابة الحصن المنيع لمواجهة الموت، وبه عدة لوحات داخلية للتشكيلي الليبي عادل فورتية، بالإضافة لتصميمه لوحة الغلاف .. قصائده يمكن قراءتها كقصيدة واحدة متصلة، رغم أنه يتكون من عدة قصائد مكثفة التفاصيل، عن حالات إنسانية لنساء يتحدثن بحميمية عن الملل والتقدم في العمر وعن الخيبات المتواصلة، وهن السن نساء مهزومات ولكن قويات ومتفوقات. كانت تجربة مختلفة. الديوان يشبهني وإلى الآن لم أستطع الخروج من أجواء قصائد الديوان وأنا أكتب قصائد جديدة لديوان قادم لا أعرف توقيت صدوره.
عن قصد تغيب خلود الرجل في هذا الديوان ” الذكر ” لرؤيتها الخاصة أنه مقصر في حق ” الأنثى ” فلم تشر إليه حتى .. في كامل قصائدها التي انتخب بعضها وكعادتها في كتابة النص الشعري الومضة قصير مركز متكامل :
”أقف أمام المرآة
أتلمّس تجاعيدا حول العينين
وشفاه دون فرح”
***
النساء الحزينات
يضعن الورود البلاستيكية
في المزهريات
ويكتبن قصائد عن الحرب، الحب، اليتم، والوحدة.
***
أقلّب ألبوم الصور
هنا طفولتي السعيدة
في الشارع،
أتعثر بوجوه النساء المهملات في قصص الحب
***
كل يوم تغلقين الباب بالمفتاح
وتتركين النافذة مفتوحة
لأحلامك السعيدة.
“نساء” ديوانها الذي صدر عام ألفين وخمسة عشر جاء في حجم متوسط وضم تسعين صفحة تخللتها رسوم فحمية للفنان التشكيلي اللّيبي عادل فورتيه استعاضت بها عن اختيار عناوين لقصائدها كما أهدي الفورتية للشاعرة لوحة الغلاف المعبرة عن محتوى الديوان .. خلود كما عرفناها نشيطة متحركة دأبت على المشاركة في الملتقيات والمهرجانات للاستزادة وللتعريف بذاتها الشاعرة والكاتبة الصحافية وبالليبيات أيضا وقدرتهن على خوض غمار الحياة باقتدار .. فشاركت الصحفية والشاعرة خلود خميس الفلاح بفعاليات ملتقي ( عامر بوترعة للشعر العربي الحديث ) شهر مايو للعام 2024 م وصرحت الفلاح قدمت عديد قصائدها من ديواني ينتظرونك ونساء والملتقى المقام في تونس نظمه مركز الفنون الدرامية والركحية بسيدي بوزيد أقيم تحت شعار «بين فلسطين والشعر العربي مسافة ثورة» فخلود ترى أن الشعر يسهم ولا بد في الجوانب الإنسانية والقضايا المصيرية
دواوينها :
صدر لخلود عدد من الدواوين منها «بهجات مارقة» (2004)، «ينتظرونك» (2006)، «طاولة عند النافذة (2008)، «نساء» (2015)
في آخر السيرة الممتزجة بالكفاح والفرح والحزن والمشاركات والدهشة والانسحاب والحضور .. أترك القارئ الكريم مع أنعم القصائد التي أحببتها شخصيا في ديوانها الأول بهجات مارقة ليستمتع بالعذوبة واختزال الصورة الإنسانية في بضع كلمات مرتبة بعناية شاعرة :
عازف البيانو
يقسم الترانيم
إلى :
حقول
وفراشات
ورتابة