شهد مسجد الصحابة في مدينة درنة أول صلاة جمعة بعد إعادة افتتاحه، عقب أعمال ترميم شاملة استمرت لأشهر إثر الأضرار الجسيمة التي لحقت به جراء إعصار “دانيال” المدمر في سبتمبر 2023.
يُعد مسجد الصحابة من أهم المعالم الدينية والتاريخية في درنة، ليس فقط لمكانته الدينية، بل أيضاً لاحتوائه على أضرحة 73 من الصحابة والتابعين الذين ساهموا في نشر الإسلام في شمال إفريقيا، تأسس المسجد في عام 1970 فوق جزء من مقبرة الصحابة، التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الهجري، حيث دُفن فيها قادة الفتح الإسلامي الذين واجهوا البيزنطيين في معارك كبرى، ومن بين الأسماء البارزة التي ترقد في هذه المقبرة “زهير بن قيس البلوي القائد الإسلامي الشجاع الذي استشهد في معركة ضد الرومان، أبو منصور الفارسي وعبد الله بن بر القيسي من الصحابة الذين ساهموا في فتح المغرب الكبير.
في سبتمبر 2023، ضرب إعصار “دانيال” مدينة درنة، مُخلّفاً دمار واسع طال البنية التحتية والمنازل والمعالم الأثرية، وكان مسجد الصحابة من بين المواقع التي تضررت بشدة، المشهد كان مؤلم، حيث غمرت المياه أجزاء كبيرة من المسجد، وتعرضت واجهته لأضرار جسيمة، ما استدعى تدخل عاجل لإعادة ترميمه.
بعد أشهر من العمل تحت إشراف صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا، عاد مسجد الصحابة بحلّة جديدة، مع توسعة وتطوير شمل عدة مرافق، ليبقى كما كان دائماً منارة دينية وثقافية للمدينة.
وخلال أول صلاة جمعة بعد الافتتاح، اجتمع أهالي درنة بفرح وتأثر، حيث شكّل المسجد ملتقى لأبناء المدينة الذين جاؤوا ليشهدوا هذا الحدث التاريخي، مؤكدين أن عودة المسجد تمثل رمزاً لصمود درنة وتعافيها.
لم يكن مسجد الصحابة مجرد مكان للصلاة، بل كان مركز ثقافي واجتماعي هام، حيث احتضن على مر السنين الندوات الدينية والعلمية، والمناسبات الاجتماعية، مثل حفلات الزواج والعزاء.
إعادة افتتاح المسجد ليست مجرد عملية ترميم حجر وبناء، بل هي رسالة أمل لأهالي درنة بأن مدينتهم تنهض من تحت الركام، وأن تراثها وتاريخها سيظل صامداً رغم المحن.