عفاف عبدالمحسن
قراءنا الأفاضل، المتمعنين عمق المعاني، حينما كنا صغارا سمعنا أن رمضان شهر فضيل، تغلق فيه أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة للمستغفرين التائبين العائدين الآيبين الأوابين .. تصفد فيه الشياطين رحمة من رب العالمين بعباده .. ماكنا نعرف لماذا ؟ وكيف ؟ وكلما كبرنا، وقرأنا -والقراءة حيوات، وآفاق لمعارف جمة- .. أدركنا أننا حينما نرفع أيادينا للمولى نطلب منه الستر، إنما نحن نفتح للروح منافذ نحو الَرّوح الإلهي. فالستر قليل من كل شيء، ورضا عنه، وكثير من الروح المتبتلة في ملكوت الله سبحانه جل في علاه .. والبر باب من أبواب على مصاريعها تفتح لنا مدى العمر، ولكننا في حاجته لاقتراب الروح أكثر، وأكثر في رمضان الغفران، والرحمة، والعتق من النيران .. فماذا حينما نقول بر .. بكسر الباء فنتحدث عن باب للجنة، لا انكسار أمامه، عنوانه البر ولتكتمل صورته البهية ( بر الوالدين ) ومما قرأت أسوق لكم بتصرف طفيف ما قيل فيه .. إن الأبناء أنواع خمسة .. أحدهم لا يفعل ما يأمره به والداه فهذا عاق .. والآخر يفعل ما يؤمر به ولكن على كراهة، فهذا لا يؤجر .. وثالث يفعل ما يؤمر به، ويتبعه بالمن، والأذى، والتأفف، ورفع الصوت، فهذا من كل بد يؤزر .. والرابع يفعل ما يؤمر به بطيب نفس، فهذا مأجور محمود فعله، ولكننا نلاحظ في هذا الزمان أمثاله قليل .. أما النوع الخامس من الأبناء يفعل ما يريده والداه قبل أن يؤمر به، فهذا هو ( البار ) والبارون موفقون في الدنيا والآخرة، وهم نادرون للأسف ..
من يمكنه في هذا الزمن الصعب المحافظة على القيم ” ولا أعيب الزمن قطعا، وإنما العيب فينا ” فالعصور تتبدل، وتتغير، وتتمدين المعيشة، وقد تنفرط أسس التربية من الوالدين فيفرطون غير بارين بأبنائهم.. فيا ترى هل يبرونهم في كبرهم؟ والقاعدة المنطقية تقول ” فرط سيفرط فيك وبك ومعك ” بيت بلا أسس وقواعد تربوية قويمة كيف سينشأ النشء فيه ؟!! وما دفعني لهذا كنت أتحدث مع زملاء في العمل عن دار المسنين، وكيف يستطيع الأبناء التفريط هكذا بقسوة في والديهم، والبعض قال ” داين تدان ” والبعض ردد ” إنه ابتلاء في الأبناء ” وكُثر والحمد لله عابوا هذا الفعل، واستنكروه مهما كان وجرى من قبل الأب أو الأم فصاحبهما في الدنيا معروفا ” .
السؤال سيبدأ هكذا : من لا يريد أن يجعل من ابنه أفضل هؤلاء الخمس الذين ذكرت آنفا .. كلنا نريد؛ لأننا نرغب أن يدخلنا الله، وإياهم الجنان .. الابن والبنت طبعا من الصنفين الأخيرين، أي: المأجور والبار. وكل من يدرك أن الأبوين أقرب باب للجنة برهما وطاعتهما .. فهل سنسأل بعد هذا عن مصيرهما .. الولد البار ” وكل مولد ولد ” .. لا تسأل عن سعة أرزاقهم، وانشراح صدورهم، بل وبركة أعمارهم بسم الله الرحمن الرحيم *( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم )*.
والسؤال الأهم حينما يخلو المرء بنفسه بعد وصوله سن الإدراك والمسؤولية أمام المولى عز وجل مع اقتراب الروح فليردده كل في نفسه لعله يستعلم .. هل أنا قريب من أجمل باب يدخلني الجنة ؟ هل أنا بار بوالديَّ؟ فكيف أفعل وما هو البر ؟ كيف أتبينه في نفسي وفعالي ؟
كما قرأت استعلمت أن البر ليس مجرد قبلة طبعتها على جبين أو رأس والديّا ، أو على أيديهما ، أو حتى طأطأت فقبلت قدميهما ، فظننت أنني بلغت غاية رضاهما .. تصوروا أن البر بوالدينا يمكن أن يكون في اليوميات العادية البسيطة التي قد نراها نحن أحيانا لا تؤذي وقد لا تعتبر من أحد ولكن حين نتركها من أجلهما أو نفعلها من أجلهما .. تعطي المعنى البسيط والعميق للبر بأشكاله وأنماطه .. إنه تصرفاتنا وأشياء لا تؤذينا إذا تركناها وتنفعنا إذا فعلناها .. لماذا ؟ لأن أبوينا لن يريدا منا إلا أن يَصْلُحَ حالُنا .. وتعلمت حينما اشتد عودي أن البر هو أن تستشف ما في قلب والديك ، ثم تنفذه دون أن تنتظر منهما أمرا .. هو أن تعلم ما يسعدهما .. فتسارع إلى فعله ، وتدرك ما يؤلمهما .. فتجتهد أن لا يرونه منك أبداً.. بل قد يكون في أمر تشعر أنهما يشتهيانه .. فتحضره للتو .. ولو كان كوباً من الشاي وأن تحرص على راحة والديك .. ولو كان على حساب سعادتك وقد فعلت بعضا ولكنني لم أكد أفعل شيئا لهما إلا ووجدتني سعيدا ولا شيء قمت به لأجلهما جاء على حساب سعادتي بل زادني سعدا وتلك دلالة جعلتني أدرك قيمة نصحي وللمسلم على المسلم حق النصيحة .. أنصح غيري بقيمة البر مدركة أنه جالب للخير على فاعله وفي تعامل الروح النقي أن أحب لأخي ما أحب لنفسي فكيف حينما تلذذت مذاق البر في حياتي ويومياتي لا أود صحبي وأهلي بأن يفعلوا فيقتربون مما أمر الله طمعا برضاه وفوزا في الآخرة بجنته ونعيمه .
كثيرة هي طرق البر المؤدية إلى الجنة .. فلا تحصروها بقبلة .. قد يعقبها الكثير من التقصير .. وإذا أراد الآباء أن يجعلوا من أولادهم وبناتهم أفضل الأنماط الخمسة من الأبناء فليروا فيهم ( في الأب والأم ) وأشدد على الحديثين العاملين بحثا عن حياة كريمة لأبنائهم معتقدين أنها ستكون بتوفير كل الماديات متناسين التربية القويمة والنصح بطرق تناسب وقتهم وزمانهم مسترشدين بحكم السابقين أن نربيهم لزمانهم لا لزماننا .. برا بهم .. وما يفعل الأب والأم مع الجد والجدة وهما على قيد الحياة إنما دروس عملية للأبناء .. فلا يكفي أن تقرأ أمامهم الآيات في طاعة الوالدين وبرهما بل تمعنها وفعلها هو الدرس الحقيقي الواقعي ..
بسم الله الرحمن الرحيم
*( وإن جاهداك على أن تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا )*
*( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما )*
صدق الله العظيم
سهلة هي طرق البر فيكفي أب وأم أن يشعرا بحنان أبنائهم .. رفهوا عنهم ففي سن معينة ما الذي سيجلب لهما السعادة .. أن تفيض على والديك بقربك منهم بحنانك وجميل صنيعك بمالك ولو امتلكوا الملايين بلا تفكير فيما يمتلكون .. فكل ما أنتم فيه جاء بعد سهر وتعب وقلق وتضحيات جسام لا يعرفها الابن والبنت إلا بعد أن يصبح لديهم أبناء .
فيا معبودي وحبيبي وخالقي ورحيمي في الدنيا والآخرة أناجيك دوما رغبة في القرب منك والسعي إليك لنيل ما يستحق العبد الخالص النية بطاعتك وما خلقتنا لأجله على الأرض نعمر ولا نهدم نسبحك ونحيي أنفسا لا نقتلها معنويا أو ماديا .. أخجل يا رباه من وقت يمر علي ولا أذكرك فيه وأنت من أنت الغني عن ذكري فلا إله إلا أنت سبحانك خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ما استطعت .. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إذا كان الدعاء قربى فإنك قريب سميع مجيب فاجعلني أرى أمنياتي تتسابق علي بتسخير منك يا مجيب الدعوات وقاضي الحاجات .. سخر لي يا رب أحبابك ويسر لي أسبابك واجزني خير ثوابك يا عظيم العطايا يا كريم النعم .. ارزقني ومن حولي وفي معيتي .. أرواحا نقية فأنقى أنواع الجمال روحا نقية بل هي موطن الجمال الأصلي تمنوها لتطهروا وتصفوا الضمائر وتجمل الوجوه وتعلموا البر وعلموه في أجمل صوره فهو باب إلى الجنة .