قدم مجمع القرآن الكريم بليبيا مجموعة من الملاحظات بشأن قرار المجلس الأعلى للقضاء رقم (18) لسنة 2025م بشأن العفو عن تنفيذ باقي العقوبة في بعض الجرائم وفق ضوابط محددة.
وأكد مجمع القرآن الكريم بليبيا في بيان له أن العفو عن العقوبات في بعض الحالات يتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تجيز لولي الأمر التخفيف أو الإعفاء من العقوبات التعزيرية متى تحقق بذلك المصلحة العامة كما أن القرار جاء في إطار ما يتيحه القانون في ليبيا المستند إلى مبادئ الشريعة، وهو ما ينسجم مع ما تقرر شرعًا من التوازن بين الزجر والإصلاح في السياسات العقابية.
وأدرج مجمع القرآن الكريم الكريم مجموعة من الملحوظات على القرار من وجوب مراعاة مرجعية القرآن الكريم في قواعد العفو، أي أنّ أي قرار يتعلق بإسقاط العقوبات أو تخفيفها يفترض أن يكون منضبطًا بأحكام القرآن الكريم ومقاصده في تحقيق العدل والقصاص والإصلاح، وهذا يقتضي عدم المساس بحقوق الأفراد أو تعطيل حدود الله أو إلغاء عقوبات أوجبها الشرع.
ومن بين الملاحظات أيضا ما يتعلق بحقوق المجني عليهم وذوي الحقوق الخاصة، أي أنه لا يجوز شرعًا ولا قانونًا أن يؤدي العفو إلى الإضرار بحقوق الضحايا أو أوليائهم، وخاصة في جرائم القتل والاعتداءات الجسيمة، حيث إن العفو في مثل هذه القضايا مشروط بموافقة أصحاب الحق
كما أنّ القرار أشار إلى ضرورة التصالح في بعض الجرائم، وهذا إجراء صحيح شرعًا، لكن ينبغي وضع آليات تضمن عدم الضغط على أولياء الدم أو المجني عليهم للتنازل تحت أي ظرف.
وتطرق البيان إلى الإكراه البدني في تنفيذ الغرامات المالية، أي أن اشتراط سداد مبالغ الرد والغرامات، مع النص على إمكانية تنفيذها بالإكراه البدني، يستلزم مراجعة دقيقة، لأن تنفيذ الغرامات بالإكراه البدني قد يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحمي الحرية الشخصية، كما أن الشريعة وضعت ضوابط دقيقة للحبس في الديون، ومنها إثبات القدرة على الأداء، وضرورة التثبت من حال المدين لذا… فإن تنفيذ الغرامات المالية يجب أن يكون وفق إجراءات مدنية وليس عبر الإكراه البدني إلا في أضيق الحدود.
ولفت البيان إلى عدم شمول العفو لبعض الجرائم، أي أن القرار استبعد جرائم الإرهاب وأمن الدولة والحدود والقصاص والقتل العمد والمخدرات التي تجاوزت مدة عقوبتها عشر سنوات، وهذا إجراء منضبط يتماشى مع الشريعة التي تميز بين الجرائم من حيث خطورتها، لكنه يستلزم إعادة النظر في بعض التفاصيل، مثل وضع معايير أكثر دقة لتحديد من يستحق العفو في قضايا المخدرات، بحيث يشمل من تاب وأثبت حسن سلوكه لفترة طويلة.
وشدد البيان على ضرورة وجود آلية شفافة لتنفيذ القرار، أي أن القرار منح النائب العام سلطة تكليف المحامين العامين بفحص الملفات، لكن غياب آلية واضحة ومعلنة لتنفيذ القرار قد يفتح المجال لاجتهادات فردية قد تؤدي إلى عدم العدالة في التطبيق، مما يستوجب وضع ضوابط واضحة، تضمن الشفافية في تنفيذ العفو، وعدم انحرافه عن مقصده العادل.
وأكد مجمع القرآن الكريم أنه يسجل موقفه في التأكيد على أن أي تشريع أو قرار يفترض أن يكون منبثقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومحققًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في العدل والإصلاح. ومن هذا المنطلق فإنه يدعو المجمع إلى وضع إطار تشريعي واضح لموضوع العفو العام والخاص، بحيث يستند إلى الأحكام الشرعية، ولا يؤدي إلى تفشي الجريمة أو ضياع الحقوق مع التأكيد على أهمية التعاون بين الجهات القضائية والشرعية لضبط معايير العفو، وضمان عدم المساس بحقوق الأفراد والمجتمع.
وشدد على ضرورة الرقابة الفعالة على تنفيذ هذا القرار، حتى لا يكون بابًا للتمييز أو الشفاعة، وحتى لا يتضرر الضحايا أو المجتمع من قرارات غير منضبطة معربا عن استعداده لتقديم الاستشارات الشرعية والقانونية لضمان تحقيق العفو مقاصده النبيلة وفق الضوابط الشرعية الصحيحة.
