عبدالحكيم الطويل
بناءاً على جُملة من الحقائق العلمية والتاريخية .. فكل الألبسة في كل الشعوب عبارة عن مزيج من الحضارات السابقة !
كل لباس تقليدي لأي شعب ستجده يأخذ ممن قبله.. لكنه يخترع ويضيف الجديد عليه، حتى يظهر بعد نحو جيلين فارق ملموس بين الزيين، ول يعود أحد إلى القول بأنه ذاته السابق
بهذا المعيار تم إنتاج الزي الليبي الحالي الذي أعتبر نفسي من المعتزين بارتدائه لأنه أفضل ما يُعَبِّر عن أفخم هوية طرابلسية ليبية
فأين هو الشعب الذي يتكون لباسه التقليدي من طاقيتي بالبسكل؟
اليونان؟ ما أبعد بسكلهم عن بسكلي!
ففي لباسنا تصل نوارة البسكل إلى الكتف لترتاح عليه هناك، بينما في اليونان يصل إلى مايقرب الصدر!
حتى بالرغم من أن طاقيتنا يتم صناعتها في تونس فالتوانسة أنفسهم يقولون إنها طاقية طرابلسية.. ناهيك عن أن صناعها من أصل ليبي.. الغرياني والسنوسي كأبهر الأمثلة!
حتى بالرغم من أن شكل الشنة عند شرقنا تلتبس على السياح الأجانب فيظنون إنها الشاشية (الطاقية التونسية) إلا أنها تختلف عنها في درجة اللون الأحمر وفي ارتفاعها
الزبون والفرملة هل يرتديها غير الليبيين؟
ربما تجد الفرملة في اللباس التقليدي السوري أو حتى بعض نواحي مصر بل هي أصل الصدرية في السترة الغربية المعاصرة، لكنها ابداً ليست بزخارف وفخامة الليبية الرائعة! (لا أريد أن أتحدث هنا عن فخامة الصدرية الليبية النسائية! إذ ملوكيتها تستحق مقال لوحدها!)
حتى التارزية المصريين الذين يشتغلونها في الاسكندرية يسمونها بالفرملة الليبية!
سألتني مرة سائحة شاهدت جبتي وقالت لي بأنها مثل الجبة التونسية، قلت لها مع اعتزازي بجمال جبة إخوتنا التوانسة إلا أنك لو تمعنت النظر في رقبتها فستجدين زخرفة التونسية مستطيلة وذات رأس على اليمين ورأس على اليسار تنتهي زخرفة الرقبة بهما، وهذا مما لا تتوفر عليه الجبة الليبية.. فهي أكثر مرونة واتساع!
حتى السروال… ما أبعد السروال التونسي عن سروالنا الذي يفتخر ببذخه الملوكي عندما يصل إلى الحذاء!!
وما دمنا قد أتينا بسيرة الأحذية أقول ما أبعد حذاء اليونان الذي ينتهي رأسه بكرة حمراء عن حذائنا الفاخر.. خصوصاً إذا تحدثنا عن البلغة الغدامسية وشقيقتها الأندلسية (وربما جدتها لا أدري بدقة!)
حتى تنورة اليونان ما أبعدها عنا.. ربما هي تشبه لباس الزكار عندنا لكنها أقصر منه ويتم ارتدائها على سروال ضيق جداً ما أبعده عن زكارنا وعن لباسنا الطرابلسي!
لا أتحدث إذاً هنا عن تشابهات فالكل يتشابه مع بعضه لكنني أتحدث عن خلافات جوهرية واضحة
فاسأل بنفسك عن أحد آخر غيرنا يرتدي هذا الطقم البهي بذات هذه الزخرفة أين موجود؟ في الجزائر؟ في المغرب؟ في اليونان؟ في روما؟ ما فيش!
لذا من الجهل حقاً أن نقول أن ما نرتديه لباس تركي أو يوناني أو تونسي!
الفارق شاسع بينها إذاً ويمكن لأي منكم تصفح صور الملابس التقليدية لدى الشعوب القديمة في الجوجل ليكتشف بنفسه الفارق
ثم من أين علمت أن العبي والجرد أخذناه من الرومان؟
لماذا لا يكون الرومان هم من أخذوه من الليبيين أيام احتلالهم لبلادنا؟
هناك أكثر من نقش مصري قديم لزعماء قبائل ليبيين يرتدونه!
ومن قال لك إن الطاقية الحمراء تونسية؟
رغم أنني قلت إن صانعيها هناك يعترفون بليبيتها.. هناك أدلة تاريخية منشورة على أنها جاءتنا من الأندلس/ من الأندلسيين المطرودين من بلادهم بعد انتهاء حكمهم الإسلامي لها،
ومع ذلك هناك أدلة قوية جداً أخرى على أنهم أخذوها أصلاً من أمازيغ شمال أفريقيا، وهم على أي حال بعض أجدادهم!
ثم تلف وتدور ولن تجد الطاقية السوداء إلا في طرابلس! لن تجدها في تونس إلا فوق رأس طرابلسي يقيم هناك!
لن تجدها في ألبانيا ولا اليونان ولا اسطنبول إلا فوق رأس طرابلسي
ولهذا هذا الطقم يسمى لباس ليبي!
حتى المصريين في غرب مصر الذين يرتدون مثل لباسنا هو مصريين من أصل ليبي وفي هذا إثبات على ليبية لباسنا لا التشكيك في هذه الحقيقة
حتى لو وجدت من يرتدي طاقيتي بالبسكل السوداء من غير الليبيين (وهذا لا يمكن إلا في فيلم أو مهرجان) فلن تجد تحتها مثل معرقتي البيضاء التي يظهر منها خط جميل على جبيني.
حسبنا فقط أن نبعدها عن التشويه والتلوث المعاصر بحجة تطويرها.. فبذلتنا فاخرة لا تحتاج إلى تطوير..
وإنني أختم لكم حديثي هنا بقصة حقيقية حدثت معي مع بعض الدبلوماسيين في حفل استقبال أقامته زمان السفارة الكويتية في منزل السفير بشارع زاوية الماعزي.
دعاني السفير أيامها (كان قائم بأعمال بشكل دقيق) بصفتي أحد الكتاب والمثقفين الليبيين، وحينما دخلت التف حولي جمهور من الضيوف من مختلف سفارات دولهم التي يمثلونها في ليبيا يسألوني عن جنسيتي!
وحينما أجبتهم أنني ليبي وأن ما أرتديه هو لباس الطرابلسية التقليدي قال لي أحدهم:
“حينما دخلت تصورتك الخليفة السلطان هارون الرشيد بكامل هيبته!! لذلك تجدني مستغرب كيف ترك الليبيون هذا اللباس الفاخر المهيب واستبدلوه بلباسنا الأوروبي الباهت الرتيب!”
هنا شكرته بحرارة… ثم قلت له: الأصح هو أن تطرح سؤالك على أولئك الليبيين الطارئين…
فأنا لم أستبدل هويتي بشيء مَهين!!
