عفاف عبدالمحسن
لماذا نتخير أياما يجب أن تتحلى فيها النفس والروح بالهدوء والطمأنينة وعالي نفحات التراحم والتآخي والمودات وننثر عبر طيب أخلاقنا المستلهمة من تلك الطيبات الناعمة من داخل داخل أعماقنا المستنبتة من فطرة ” الحق والحب والجمال ” ننثرها على كل من حولنا في الطرقات في أعمالنا في مؤسساتنا، حيث نطرق أبوابها: إما لعملنا فيها ونستقبل أناسا يحتاجون تراحمنا معهم ومودتهم بمنحهم حاجتهم التي تعبوا من أجلها؛ ليصلوا إلينا، أو حين نذهب نحن عند نوافذهم التي عادة ما تقسوا علينا لأنها مقفلة أو بعيدة عن مداج أقدامنا لا أدري كي لا نطالها أو لا نطالهم أو كي يرغموننا على اشرئباب أعناقنا؛ لنراهم أو رفع أذرعتنا عاليا مع تعب يعيقها في كثير من الأحيان لتمتد حيث الشباك المرتفع المكسو بالحديد، ولا يظهر منه إلا أنف الموظف أو الموظفة أو فمهم كي يحادثنا وقد لا نسمعهم .. نعرفهم ولا نعرفهم .. فهل يمكننا أن نتنفس عبادة النفس الطيبة في هذه الأيام الرمضانية على أقل تقدير .. وعلى أكثره لا بد أن نتعايشها من بادئ حياتنا لمنتهاها لأنها بالتأكيد باب إلى الجنة مسعانا وغايتنا وكل وسيلة إليها تتأتى فقط ونستطيعها بالخلق القويم الطيب باللسان الرطب، بالتعامل الراقي، بالصوت الهادئ، بالابتسامة الصدقة، بالكلمة الطيبة الصدقة فآه لو يدري قومي ماخلف عبادة النفس الطيبة هذه من أشياء تنقلهم إلى دار السعادة في أخراهم ويتزودون زادا هائلا قبل الوصول للنهاية المحتمة التي ينسونها ويعتقدون أنهم مخلدون فيها وما البقاء والخلود إلا لله سبحانه جل في علاه .
ولأنني في أيام رمضان أمر من الطرقات فألاحظ التجهم والتعنت أحادث نفسي لماذا لا يبتسمون! لماذا وجوههم مكفهرة! حتى ذاك المتنعم في سيارته الفاخرة لا يرى من يعانون في سياراتهم المهلهلة بجانبه .. فينهر خوفا على قطعة الحديد التي يمكن أن تصبح لا شيء في لحظة قدرية لم يقدرها .. وذاك الذي يمنح ورقة لأحدهم من شباكه المغلق بشباك من حديد صلد يخرج أطراف أصابعه بورقة تتعجن قبل أن تصل صاحبها مع وجه أيضا مجعد كماها صارخا ” هيا خلاص معش تراجعوني بنتريح ” بينما هو لم يأت للمنتظرين منذ العاشرة صباحا إلا في الثانية عشر ظهرا !!!!!!!!!!!! شعر بالتعب والملل فكيف بكم انتظروه لساعات حتى تكرم وخرج من بيته ظهرا ليأتيهم متجهما مكشرا يصرخ في وجوههم بلا أي اعتبار لكبير أو صغير !!! لمرأة أو شيخ طاعن أو شاب فيه حمية الشباب قد يتهور منتقما لكرامته بسبب عنجهية الموظف ويحدث مالا تحمد عقباه !!!! إنهم بالتأكيد لم يعوا قيمة عبادة النفس الطيبة … هكذا قلت في نفسي محللة بهدوء ماأراه وأتعجب له وأحزن لأن هذه الأخلاقيات التي تطفح على سطح المجتمع لمسلمين يدركون تماما بل أحيانا يعتقدون في أنفسهم أنهم صالحون بينما هم يفسدون على أنفسهم .. فلا إتقان في عمل ولا تخلق بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم القويم واستنان سننه الحميدة في المعاملات مع الآخرين ولا زاد يدخرون لأخراهم … شيء محزن هذا .
أحبتي في الله أردت القول والله أعلم بما عقدت عليه نيتي من إيصال رسالة توعوية أو طيبة فقط لمن حولي وأحبهم في الله أن كل ماهو طيب نستجلبه بأرواحنا المتبتلة لله؛ ليثبت أقدامنا يوم الحساب ويثقل موازيننا بالصالحات الطيبات يوم نلقاه سبحانه فلا مجال إلا عبر عمل صحفي أو إذاعي لعل هناك من يقرأ ومن يسمع فتصل الرسالة (مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).. وفي فن الكتابة (نون والقلم ومايسطرن) فليكن القول لله والكتابة في سبيل الله. وما أحرانا هذه الأيام التي اقترب فيها الفوز بالعتق من النيران من أن نجمع شتات أنفسنا؛ لنتهيأ عمليا وروحيا لذاك المبتغى .. وباب الجنة المفتوح على مصاريعه لنا ندخله من عبادة النفس الطيبة .. وإنما المسلم الطيب يتصف بالصبر والجلد بالقوة والعطاء والله يحب المؤمن القوي المواجه للشر بتقديم الخير لعل الأشرار يتعلمون منه كيف تتحسن أرواحهم الفائرة كالنار تحرق الأخوة والقرابة وتقتل الخير في الناس ويقابل السيئة بالحسنة مؤمنا ودائما أن المولى حسبه ووكيله وجابر كسر نفسه .. يمضي مرددا في ذهنه قوله تعالى (( فإن مع العسر يسرا )) وقوله عز من قائل (( وبشر الصابرين )) .. فليدرك أن الله حسبي ووكيلي .. بها ينتصر الله للمظلومين .
هل سمعتم يا أحبتي بعبادة النفس الطيبة .. الله عز وجل حين خلق بني آدم ” جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك ، والسهل والحَزْن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك “. (رواه أحمد وصححه الألباني) ولا يستوي الخبيث والطيب ، ولا يأتلف كل واحدٍ إلا مع قرينه وشبيهه .. ومعنى ( الطيّب ) في اللغة : الطاهر والنظيف، والحسن والعفيف، والسهل واللين ، وذو الأمن والخير الكثير، والذي لا خبث فيه ولا غدر ..إذن هي نفس لا يملكها إلا شخص ذو سيرة طيبة وهي أجمل ما يتركه الإنسان في قلوب الآخرين .. ذلك الذي يتسبب في سعادة إنسان فتتحقق له سـعادة الدارين .. اللهم اجعلنا منهـم فرحـم الله من تغـافل لأجـل بقاء الود .. ودوام المحبة .. وستر الزلة .. بسم الله الرحمن الرحيم ( فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُم ) ما أحوجنا في هذا الزمان إلى محبة صادقة وقلوب حانية .. تسامحنا إذا أخطأنا .. وتعذرنا إذا قصرنا وتدعو لنا إذا مرضنا وإذا عن هذه الدار الفانية انتقلنا إلى دار الخلود التي نعد لها عدتها وأولها طيبة قلب تفضي لطمأنينة نفس وسلام داخلي .