حذر تقرير اقتصادي حديث نشرته صحيفة “يورشيا رفيو” الأميركية من أن ليبيا قد تواجه انهيارا اقتصاديا خلال العامين المقبلين، بفعل تراجع متوقع في أسعار النفط العالمية، في ظل غياب الشفافية واستمرار الاعتماد شبه الكامل على العائدات النفطية كمصدر دخل وحيد.
وأشار التقرير إلى توقعات بانخفاض سعر خام برنت إلى نحو 54 دولارًا للبرميل بحلول نهاية عام 2025، وإلى 45 دولارا في ديسمبر 2026، بينما تحتاج ليبيا إلى سعر لا يقل عن 72 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، ما يهدد قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها التشغيلية والتنموية.
تحذيرات داخلية ومؤشرات مقلقة
ونقل التقرير عن علي الحبري، المحافظ الأسبق لمصرف ليبيا المركزي، تحذيراته بشأن مؤشرات “خطيرة” تنذر بانهيار مالي، مشيرا إلى تفاقم حجم الإنفاق العام، وتزايد الاعتماد على النفط، إضافة إلى تهريب الوقود والسلع وتضخم الطلب على الدولار، في ظل غياب سياسة نقدية متماسكة.
وبحسب التقرير، فإن ليبيا سجلت عجزا يقدر بـ1.5 مليار دولار، مع إنفاق بلغ 2.3 مليار مقابل إيرادات لا تتجاوز 778 مليون دولار، في وقت تستخدم فيه 60% من عائدات النفط لتغطية الواردات، بينما أصبحت الإيرادات غير النفطية تغطي أقل من 1% من الإنفاق العام.
مخصصات ضخمة وغياب الشفافية
في سياق متصل، خصصت الدولة 34 مليار دينار لصالح مؤسسة النفط في طرابلس بهدف رفع الإنتاج إلى مليوني برميل يوميا، إلا أن التقرير طرح تساؤلات حيال الشفافية في آليات صرف هذه الأموال، في ظل غياب مؤشرات واضحة لتحقيق هذا الهدف الطموح.
الجدل حول مشاريع الإعمار
من جهة أخرى، تفجرت سجالات سياسية بشأن ملف إعادة الإعمار، حيث اعتبر النائب المهدي الأعور أن المشاريع التنموية تعد ركيزة لترسيخ الاستقرار، محذرا من أن تجميدها قد يعيد البلاد إلى دوامة العنف.
كما رفض تحميل هذه المشاريع مسؤولية تدهور سعر صرف الدينار، مرجعا الأزمة إلى “سوء إدارة الملفات المالية”، مثل التوسع في شراء السيارات الحكومية وصفقات مبادلة النفط بالوقود.
في المقابل، دعا النائب عمار الأبلق، ضمن مجموعة تضم 60 نائبا، إلى تعليق عقود الإعمار مؤقتا إلى حين وضوح الرؤية المالية، مشددا على ضرورة إنهاء التنافس السياسي بين حكومتي الشرق والغرب بشأن المشاريع.
اتهامات متبادلة ومسؤولية مصرف ليبيا المركزي
وتعليقا على المشهد الاقتصادي، حمل النائب جاب الله الشيباني مصرف ليبيا المركزي المسؤولية المباشرة عن الانهيار المتسارع لقيمة الدينار، مشيرا إلى فشله في إدارة السياسة النقدية وحماية الاحتياطي الأجنبي. وقال: “المصرف لم يكن مضطرا للرضوخ للإملاءات، بل كان عليه أن يتمسك باستقلاليته، إلا أنه بات أحد أطراف التجاذبات السياسية”.
كما اتهم الشيباني المصرف بالمساهمة في هدر المال العام، من خلال “اعتمادات مشبوهة صممت على مقاس فئة محددة”، مؤكدا أن ذلك عمق الفساد وفاقم معاناة المواطنين.
انعكاسات على السوق المحلي
فيما بدأت تداعيات الأزمة تنعكس مباشرة على السوق، حذر رئيس نقابة الخبازين، بوخريص محمد، من ارتفاع مرتقب في سعر رغيف الخبز إلى 2 دينار، نتيجة زيادة سعر الدقيق من 195 إلى 255 دينارا للقنطار، بسبب ارتفاع سعر الصرف، مؤكدا أن النقابة لم تتلقّ أي رد رسمي رغم مخاطبة الجهات الحكومية.
الانقسام السياسي يفاقم الأزمة
وفي خضم هذه التطورات، اعتبر عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، أن جوهر الأزمة ليس اقتصاديا فحسب، بل سياسي في الأساس، قائلا: “ما يسمى بالبحث عن ميزانية موحدة بين الحكومات المتنازعة ليس إلا ترحيلا للأزمة، وليس حلا لها”.
بدوره، دعا النائب بالخير الشعاب إلى توحيد السلطة التنفيذية كخطوة أساسية لتجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية، مقترحا تشكيل حكومة جديدة تنهي الانقسام وتعيد ترتيب الأولويات الاقتصادية.
أزمة اقتصادية معقدة في انتظار حل سياسي شامل
ويأتي هذا التحذير في وقت كشفت فيه بيانات مصرف ليبيا المركزي عن إنفاق عام بلغ 224 مليار دينار خلال عام 2023، ما أدى إلى مزيد من الضغوط على سعر صرف الدينار، وأثار مخاوف من تحول الملف الاقتصادي إلى ورقة جديدة في الصراع السياسي القائم.
ويجمع الخبراء على أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب خطة إصلاح اقتصادي شاملة، وتوحيد الجهود بين المؤسسات المالية، والحد من الاعتماد على النفط، مع ضرورة استقرار سياسي يمهد الطريق لتدفقات استثمارية وتحقيق تنمية مستدامة.