د . علي عبيد
يقول قاموس المعاني أن السطل هو وعاء نحاسي به عروة، يستعمل لحمل الأشياء، وأهمها السوائل. اللهجة الليبية باعتبارها تبسيط للفصحى وناشئة عنها، تملك نفس خصائصها في نقل المعنى من مجرد التشبيه إلى استحداث معنى جديد.
بهذه القاعدة يصبح السطل عبارة عن الأداة التي تحمل أشياء كثيرة دون أن تؤثر فيها أو تحورها أو تغيرها. هذا المعنى ينسحب على بعض البشر الذين تقتصر مهمتهم على حمل المحتوى ونقله إلى جهة أخرى دون ممارسة النقد عليه أو التفكير فيه.
السطول في مجتمعنا كثيرون جدا، وأعترف أنني لم أدرك حجم وجودهم إلا مؤخرا، ربما ساعد الفيسبوك على ظهور حجم انتشارهم، وتحول المرء إلى سطل هو تعبير عن ظاهرة معقدة، أساسها الجنوح إلى الدعة والسلامة، والابتعاد عن المتاعب والمسؤوليات، لأن المألوف دائما مريح، فإذا كان ناقل الكفر ليس بكافر كما يقال، فإن ناقل المحتوى برئ من تبعاته، فضلا عن أن المحتوى الجاهز لا يكلف حامله جهد الفرز والتحليل والتركيب.
التماس مع السطول يمكن أن يحدث في كل دروب الحياة؛ المناسبات الاجتماعية، صفحات الفيس، رحلة سفر طويلة، انتظار ممل أمام مصرف، وهكذا. فما أن تحاول أن تبدي رأيا، خصوصا في الدين والسياسة، حتى تجد نفسك وجها لوجه مع سطل عميق، لمجرد أن لا تتوافق أفكارك مع أفكاره يقوم السطل بقذف كل محتوياته في وجهك.. حظك وحده هو الذي يحدد مدى ما يلحق بك من لطخات، فإذا كان محتوى السطل شديد القذارة، فلن يكيفك أن “تسبع” نفسك بما الزهر…!
خلافا لمجتمعات الدنيا، يمكن للسطل في بلادنا أن يكون انسانا بسيطا لا يفك الخط، ويمكن له أن يكون أستاذا جامعيا يحمل لقب ” بروف” فالمرء لا يحتاج إلى أكثر من تجميد هبة الله للإنسان المسماة العقل ليتحول إلى سطل كبير.
من الحقائق المؤلمة أن المجتمعات التي تكثر فيها السطول، تكاد تتلاشى فرصها في التقدم والرقي.