الناير اليعقوبي
في بلادنا، أضحت المرتبات أشبه بجرعات إسعافية تُبقي الموظف حيًّا دون حياة، يمضي بها أيامه بين ديون ثقيلة وتجار يثقبون بالونة صبره.
الأرقام تَشهد، والواقع أفصح من كل بيان، أكثر من 67 مليار دينار صُرفت على بند المرتبات في عام 2024، مقابل 9 مليارات عام 2009، ومع ذلك لا أحد يشعر بتحسن في الأُسر والأسواق على حد سواء.
الزيادات الوهمية في المرتبات لا تعدو كونها وهمًا يسوّق له صانعو السياسات لتجميل صورة الاقتصاد المشوهة، والمواطن لا يطلب معجزة، بل يطالب بقوت يومه من غير أن يكون عالة على غيره، أو رهينة لأصحاب أسواق المواد الغذائية والخضراوات.
الدولة – لو سلمنا أنها لدينا بمعناها السياسي – يُفترض أن ترعى المواطن وتحميه من تقلبات الأسواق العالمية وأولها النفط الخام، إلا أنها الأولى دون باقي أعضاء ” أوبك ” التي باتت في غفلة عن أمرها، والأخيرة التي ربما تعي حجم تداعيات انهيار الاقتصاد الريعي على جيوب المواطنين.
تآكل المرتبات ليس مشكلة محاسبية، بل أزمة معيشية حقيقية، فقد الدينار فيها هيبته أمام الدولار، والأسعار تصعد سُلمًا بلا حبال، والموظف يلهث وراء عمل إضافي لا يسد رمقه، ولا يُنجيه من حفرة العجز الشهري.
وبطبيعة الحال، الفساد حاضر بطبعه، يدير اللعبة من خلف الستار، يبتلع الملايين من الميزانيات التي كان يُفترض أن تُنفق على تحسين معيشة أكثرية الشعب ، لا على تسمين حسابات القلة المُتخمة.
والقطاع الخاص، إما متفرج على انهيار القيمة الشرائية، أو مشارك ضمنيًا في تسليع المواطن الذي لم يعد يحلم منذ زمن برفاهية العيش، بل يبحث عن الحد الأدنى من عزة نفس بين ديون متراكمة وركام ضروريات في مفكرة يومياته.
وبعد.. حين يتحول المُرتب إلى مُسكن، والدولة إلى مقاول فاسد، والمواطن إلى زبون دائم على أبواب العوز، فليعلم البسطاء منا، أن الوطن يُدار بصفقة، وصراخ من يحاول حجب أنين واقع الحال يكشف نشاز سيمفونية ترشيد الانفاق العام والافصاح والإصلاح، وظاهر الأفعال يُنبئ بأن لا نية لدى من أؤتمن على أمانة المسؤولية أن يُصلح اعوجاجا كان فاعله.