محمد العنيزي
( يظهر باطوس في منتصف الركح وسط إظلام خفيف ..ويتم تسليط الضوء عليه مع انبعاث صوت موسيقى خفيف..يشرع باطوس في حوار مع نفسه..فيما تقوم مجموعة من الرجال خلفه بأداء حركات تعبيرية )
باطوس :
كنت أرى الأحلام خيولا جامحة..تنطلق في خيال فسيح..فأتوحد مع ملك الجزيرة..
أأمر وأنهى..وأراني قريبا من الكرسي ..والملك يخلع التاج ويضعه فوق رأسي ..
تنطلق الخيول الجامحة في خيالي..فأجز رأسه بسيفي وأعلن للملأ أنني الملك..وأظل
طوال الليل أراقب دمه المسفوك على أرضية البلاط..حتى يفاجئني ضوء الفجر القادم مع صياح الديكة..
وفوق الأرضية يرسم دم الملك خارطة للجزيرة..فأدوس بقعة الدم الكبيرة بقدمي وأقف عند منتصفها..أشهر سيفي في يدي..وأمسك بالتاج في اليد الأخرى..
أراهن أنني أبيع الضوء للعتمة..وأن دم الملك حليب مراق من أجل رضيع جائع للكرسي..
(ثم يصيح بلهجة آمرة)
أيها الحراس ..أيها الحراس
ألقوا بالجثة بعيدا..عند طرف ناء من الجزيرة..لتتعفن ويحوم حولها الذباب..
ألقوا بالجثة بعيدا..لتتحول إلى جيفة تأكلها الكلاب..هيا..أأمركم أنا الملك باطوس..
أجل أنا الملك..والتاج مهابتي..والسيف حارسي الأمين
أنا ملك هذه الجزيرة ..أنا ملك هذه الجزيرة ..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها..ها
( يهدأ ويصمت قليلا..ويرتفع صوت الموسيقى التصويرية..ثم يعود لمواصلة حديثه..
بعد أن يهدأ صوت الموسيقى )
إيــــــــــه..أدركت أن أحلامي قد كبرت………
وفي المساء الذي زرت فيه المعبد..كانت المصادفة التي ألقتني وسط الضوء الخافت للشموع..حيث الكاهنة التي أمرتني أن أتقدم نحوها..قالت إن الآلهة تنتظر قدومي..لم أصدق..وقلت لنفسي..لابد أنني في حلم وسأستفيق منه..ثم طلبت مني الإنتظار ريثما تستنبئ وحي الإله أبوللو الفيثي ..أحسست بالرهبة..وراودني شعور غامض وغريب
..أغمضت الكاهنة عينيها..كانت تتمتم بكلمات أقرب إلى الهمس ..ثم فتحتهما وقالت :
_ إن الإله أبوللو يأمرك أن تذهب إلى بلاد ليبيا وتقيم هناك وطنا للثيرانيين ..
كان وقع كلماتها قويا على قلبي..صار يخفق بشدة وارتعبت..قالت : سيباركك الإله يا بني..امضِ في رحلتك..واصطحب معك من كل عائلة نفرا من الثيرانيين..ستكون ملكا عليهم..وراعيا لنبتة السلفيوم المقدسة..هبة الآلهة لشعب ثيرا
من المهاجرين.
( يتوقف قليلا..ثم يستمر في حديثه مع تغير في نغمة الموسيقى التصويرية )
يا إله الشمس..والنبوءة..ومؤسس المدن
أخشى من بداية المغامرة..
أخاف من نفسي
أخاف من طمعي
ومن تاج ينتظرني بين يديك..
أخشى ممن حولي
ومن كرسي تتحلق حوله العيون..
وتراق عند حواشيه الدماء..
للخوف أجنحة طيارة
للنزق غروره..
وللشهوة حضيضها..
لي مآرب..وللآخرين مآربهم..
قلبي يكاد ينفطر..
ماذا دهاني ؟ ..هل جبنت أم تراجعت ؟
( يتوقف باطوس عن الكلام..يتغير لحن الموسيقى التصويرية..وتتغير الأضواء..
وينبعث صوت يخاطب باطوس..فيتلفت حوله يبحث عن مصدر الصوت..وعلى وجهه علامات الخوف والدهشة..)
الصوت :
أيها الشاب القوي باطوس..
امضي في رحلتك المقدسة..فأنا أحرسك وأباركك..أنت الملك المنتظر في قوريني..
سيلتف الثيرانيون من حولك ويخضع لك النسامونيون و التحنو وباقي القبائل .
مفتاح الثروة سيكون بيدك..إنه النبتة العجيبة..التي تجلب لك الثراء وللثيرانيين معك..
إنها نبتة السلفيوم يا باطوس..احرص جيدا على أن تكون راعيا لهذه النبتة المقدسة هبة الآلهة التي اختارتك لتعمر قوريني..ويتناسل فيها الثيرانيون ..
( يتوقف الصوت قليلا..وباطوس يستمرفي البحث عن مصدر الصوت..ثم يصيح..)
باطوس :
من أنت ؟..من الذي يخاطبني ؟…من أنت أيها الصوت ؟
الصوت :
باطوس…… أيها الشاب القوي الشجاع…
سيكون البحر في عونك يدفع المركب معك..وقوة السواعد التي تجذف أباركها..
وأجعل الشمس تمدك بالدفء………..
باطوس : (مقاطعا الصوت )
من أنت ؟ ..أين أنت ؟..أنا لا أرى أحدا ؟..من أنت.. ؟
الصوت :
أنا الإله أبوللو رب الشمس والطهارة..ومؤسس المدن..أعدك بملك قوريني..
ستنعم بلقب الملك..ويحكم نسلك من بعدك..وتدين لهم القبائل..ويعمرون الأرض..وسيتوافد المهاجرون الثيرانيون إلى قوريني..من أجل إعمار الأرض المقدسة التي أسميتها باسم حوريتي الرائعة قوريني مصارعة الأسود..والتي حملتها معي إلى هناك في عربة تجرها بجعتان..وضاجعتها هناك في الأرض الخصيبة..
فأنجبت الإله إريستايوس..
إذا عمرت قوريني وحلق اسمك في سمائها..وكنت الملك..فاجعل شعارك العدل والمساواة ورفع الظلم عن الرعية..
قل للجمبع أنك جئت من أجل الإعمار والعدالة والحرية..ولاتقل أنك جئت من أجل نبتة السلفيوم..ثم ضع يدك على تجارتها..وافرض الإتاوات على القبائل التي تتاجر بها..ستحصد يا باطوس ثروة هائلة……..انطلق في رحلتك
( يتوقف الصوت مع إظلام كامل وموسيقى تصويرية ثم تعود الإضاءة كاملة ويظهر
مشهد باطوس والرجال والمركب والآخرين الجالسين )
باطوس :
هل كل شيء جاهز أيها الرجال ؟
أحدهم :
أجل يا باطوس..لقد أخذنا كل ما يلزم للرحلة إلى المركب..ونحن جاهزون للإبحار..
باطوس :
إذن هيا أيها الرفاق إلى المركب..لننطلق في رحلتنا إلى البلاد التي اختارها لنا الإله أبوللو..ليبيا بلاد الخيرات الوفيرة..حيث نعاجها تلد ثلاث مرات في السنة..وشياه قطعانها تدر على الدوام لبنا لا ينضب له معين..
وتذكروا القسم الذي أقسمتموه عند المعبد..قسم أبناء ثيرا..
( يسير الرجال باتجاه المركب وتعلو أصواتهم بالتوديع ويلتفت باطوس إلى الجمع الواقف لتوديعه هو ورجاله ويرددون :
الوداع..الوداع يا أهل ثيرا )
المجموعة
الوداع أيها الرجال..عودوا إلينا غانمين..الوداع
(( ستــــار ))

