قصيدة النثر في ليبيا (3)
علي عبدالمطلب
” الأستاذ الدكتور علي عبدالمطلب الهوني في كتابه النقدي المهم الصادر عن دار النخلة للنشر في العام 2008 م عنونه بشكل عام دبابيس في قفا الأديم .. والكتاب عبارة عن دراسات نقدية معمقة احتوى على خمسة عناوين كل واحد منها بدرجة أهمية تفوق أو تتساوى مع سابقه وتاليه .. ومن بينها تخيرنا لقراء المنصة الدراسة النقدية للناقد الكبير ” قصيدة النثر في ليبيا ” أدرج لكم الجزء الثالث من القراءة والتي تخير الدكتور الناقد أنموذجا (( النتاج الشعري للشاعرة فوزية شلابي )) .

تقول الشاعرة في إحدى قصائد فرحها بقدوم العام الجديد :
مساء الخير
أيها
العام اللذيذ
متى دخلت أمي الفضاء الرومانسي ؟
كيف التهم العصفور قضبان الحديد ؟ (9)
تستقبل الشاعرة عامها الجديد بتفاؤل وبشرى لتنتقل فجأة لتحقيق عالم المستحيلات في هذا الزمن الصعب من خلال تحقيق مصطلح الحرية والعمل به، حتى نشعر ونستمتع من خلاله بحياتنا.
وطعم الحرية هذا هو الذي يغير التاريخ ويكتبه من جديد فعلى سبيل الأفراد هذا ( عنترة بن شداد العبسي ) عندما تاقت نفسه للحرية صار فارس قبيلته وهذا ( سبارتاكوس ) العبد الروماني عندما ذاق طعم الحرية قاد ثورة ضد القيصر .. أما ثورات الأمم فهي دائما خير من يمثل هذا الجانب فالثورة الفرنسية قامت لإحساس الشعب بالظلم والجوع فغيرت وجه العالم من حولها …. ومع هذا الاندفاع التام للشاعرة في عالمها المستقبلي يطفو لا شعورها على السطح ليحاول أن يثبط من همتها ويشعرها بصعوبة المهمة المستقبلية .. تقول الشاعرة :
هل
تعثرت في الوحل
قليلا (10)
ويعني هذا الشطر أنك أيتها الشاعرة مهما كنت ماردا أو أي شيء يكبر في نفسك فلا بد أن تتعثري ولو قليلا وأنت تشقين طريقك نحو المجد .. فيضيف لا شعورها :
أيها العام اللذيذ
هذه لوحة الأفاعي
وهذه مقابض الوقت
وتلك !
أتعني التي هناك .. تلك ؟
أوه .. إنها زهرة عباد الشمس (11)
في هذا المقطع تقدم لنا الشاعرة لوحة للحياة اليومية في عالمها الجديد كما يراها لا شعورها لا كما تراها هي وهذا يدل على أنها لا تتدخل في أعمالها الشعرية لتغير كلمة مكان كلمة أو لتستبدل معنى بآخر أثناء عملية التنقيح يخاطبها لا شعورها بطرح سؤال بطريقة استهزائية :
أيها العام اللذيذ ؟
وكأني به يقول : أتقولين عاما جديدا !!!
تدلنا على ذلك علامة الاستفهام الاستنكاري وإن كان يجب أن تستبدل علامة الاستفهام بعلامة تعجب لتتوالى صور الحياة اليومية للعام الجديد وكل صورة من صورها مثبطة لهمم الشاعرة فالأفاعي في كل مكان حتى أنها لتكاد تملأ مستقبل الشاعرة وتتحكم في أعمار الناس بينما توجد بزاوية مهملة مجهولة زهرة لعباد الشمس لم يفطن لها أحد سوى العام الجديد الذي سأل عنها بقوله :
وتلك !
وعلامة التعجب هنا تدل على تعجب العام الجديد من وجود زهرة جميلة بين جحور الأفاعي وكأني بزهرة عباد الشمس هي الشاعرة نفسها تقف في مكان مجهول ترصد أحداث السنة القادمة .
أما قصيدتها الوطن / الحب .. فتؤكد فيها الشاعرة على العلاقة بين الوطن والمواطن .. بين حب المواطن المتقلب وبين أمومة الوطن الثابتة شأن كل الأمومات في العالم .. تبدأ فوزية شلابي قصيدتها بسؤال للمواطن الذي فقد أو بالأحرى تخلى عن بعض التزاماته تجاه وطنه :
ماذا يبقى من الوطن
إن لم تلوحه شمس الظهيرة
ولم يحمئه الحب
ولم ترشقه القرنفلة
…….. …….. ……
لم تنفلق به حبة القمح
ولم تتوحد وإياه في اللون
ماذا يبقى مني
ماذا يبقى منك (12)
الشاعرة هنا ترى أن على المواطن أن يتحمل شمس بلاده المحرقة وحرارتها اللافحة وترمي من وراء ذلك إلى التعب والسهر والعمل الدؤوب مهما كانت الظروف المصاحبة التي على المواطن أن يؤديها ليخلق وطنا متكاملا أفضل .. وترى أن على المواطن إذا مسته حرارة الشمس في بلاده بسياطها أن يتذكر دفء هذه الشمس في فصل الشتاء أو دفء حضن بلاده الذي يتجسد في الأم أو الزوجة وإن كان حبه كبر وحضنه أوسع ليشمل جميع الشعب .. فبلثمة منه ينطلق المواطن ليبني بعنفوان ورغبة لا يشعر معهما بتعب ولا نصب ..
…. …. …. ….
أي أنه أحد شطري حبة القمح المنفلقة والوطن شطرها الثاني وفي هذا الديوان الذي أسمته الشاعرة بديوان ( بالبنفسج أنت متهم )
نقول إن البنفسج هو لون الغيرة وكأني بها تريد أن تقول بالغيرة أنت متهم وهل تأتي الغيرة إلا من محب ! ولكنها إذا زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها محطمة كل ما يقابلها .

9. المصدر السابق ص19
10. المصدر السابق ص19
11. المصدر السابق ص20
12. فوزية شلابي ( بالبنفسج أنت متهم ) . ط1 _ طرابلس _ المنشأة العامة للنشر والتوزع والإعلان 1985 . ص 57 .