حلل مستشار الشؤون العامة لوزارة الاستثمار بالحكومة الليبية الهادي علي أحمد عبدالقادر، الخطة الأمريكية لإعادة إعمار ليبيا باستخدام نموذج PESTEL (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، التكنولوجي، البيئي، القانوني)، مع التركيز على الفترة 2019–2025 واستشراف المستقبل حتى 2030.
وأكد عبد القادر أن الخطة الأمريكية والدولية لإعادة إعمار ليبيا تواجه تحديات معقدة بسبب التفاعل بين العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أنه بينما حققت مبادرات مثل دعم IOM وUNDP تقدماً في المجالات الإنسانية، تظل الحلول المستدامة مرهونة بتحقيق الاستقرار السياسي وتعزيز الحوكمة الشاملة.
وأشار عبد القادر إلى أن الرؤية المستقبلية تعتمد على تنفيذ إصلاحات هيكلية وتجنب “الفخ الهش” الذي قد تعيد ليبيا إلى دوامة الصراع إذا أهملت الأبعاد الاجتماعية والبيئية.
العوامل السياسية
وتضمن تحليل عبد القادر للخطة العوامل السياسية من حيث الانقسام المؤسسي وغياب الاستقرار: لا تزال ليبيا تعاني من انقسام بين حكومتي طرابلس وبنغازي، مع تعثر الانتخابات بسبب الخلافات حول الإطار الدستوري وآليات توزيع السلطة . هذا يعيق تنفيذ خطط إعادة الإعمار ويجعل ليبيا من “الدول الهشة” وفق تصنيفات دولية.
التدخلات الخارجية والأجندات الجيوسياسية: أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى تدخلات دولية (مثل روسيا ) وتأثير الأزمات الإقليمية (السودان والساحل) على أمن ليبيا، مما يزيد من تعقيد الجهود الأمريكية والدولية .
مبادرة مسعد بولس: ركزت على تعزيز الحوكمة المحلية وبناء القدرات المؤسسية، لكنها واجهت تحديات بسبب نقص التمويل وغياب التنسيق بين النخب الليبية والمتقفين.
العوامل الاقتصادية
وشمل التحليل العوامل الاقتصادية (Economic) والذي يتضمن: الاعتماد المفرط على النفط: يشكل النفط 90% من إيرادات ليبيا، لكن الأزمات السياسية (مثل أزمة المصرف المركزي 2024) تسببت في تقلبات إنتاجية، حيث انخفض الإنتاج من 1.17 مليون برميل/يوم إلى 0.54 مليون برميل/يوم قبل التعافي إلى 1.3 مليون بحلول 2025 .
الخطة العشرية للتنويع الاقتصادي: تبنت منظمات مثل UNDP مبادرات لتعزيز القطاع الخاص عبر تحسين الوصول إلى التمويل وتدريب رواد الأعمال، خاصة المشاريع الصغيرة بقيادة النساء والشباب .
التأثير المالي للصراعات: خسرت ليبيا نحو 600 مليار دولار خلال عقد من الصراع (2011–2023)، وفق البنك الدولي، مع توقعات بنمو الناتج المحلي بنسبة 9.6% بحلول 2025 إذا استقرت الأوضاع .
العوامل الاجتماعية
كما شمل تحليل عبد القادر العوامل الاجتماعية (Social)، وتتضمن: النزوح واللاجئين: قدرت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) وجود 350,000 نازح و120,000 لاجئ بحاجة لمساعدات إنسانية، مع تفاقم الأوضاع بسبب تدفق اللاجئين السودانيين عبر الحدود .
الهشاشة المجتمعية: أظهرت تقارير WFP أن 803,000 ليبي يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع ارتفاع معدلات الفقر متعدد الأبعاد بسبب تدهور الخدمات الصحية والتعليمية .
مبادرات الدعم النفسي والاجتماعي: قدمت IOM جلسات دعم نفسي لنحو 180,000 شخص، بما في ذلك ضحايا الاتجار بالبشر والمتأثرين بالكوارث مثل فيضان دانيال 2023 .
العوامل التكنولوجية
كما تضمن التحليل العوامل التكنولوجية (Technological)، واشتملت على: تعزيز البنية التحتية الرقمية: دعمت UNDP تحديث أنظمة التسجيل العقاري والمعلومات الائتمانية لتحفيز الاستثمار الخاص، لكن التقدم بطيء بسبب انعدام الأمن .
نظم الإنذار المبكر للكوارث: بعد فيضان دانيال، عملت IOM على تعزيز أنظمة مراقبة المخاطر المناخية بالشراكة مع وزارة الصحة الليبية .
التحديات التكنولوجية: لا تزال ليبيا تعاني من ضعف شبكات الاتصالات وغياب الاستثمار في الابتكار، مما يعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
العوامل البيئية
أما العوامل البيئية (Environmental) التي تطرق لها التحليل فتشمل: الكوارث الطبيعية: كشف فيضان دانيال (2023) عن هشاشة البنية التحتية الليبية، حيث دمرت الفيضانات 11 منشأة صحية وأثرت على 42,000 شخص، مما دفع IOM إلى تخصيص 6.2 مليون دولار لإعادة التأهيل .
التغير المناخي: تعمل المنظمات الدولية على دمج “التقييمات المناخية” في خطط التنمية، مثل مؤشر الحلول والتنقل (Solutions and Mobility Index) لمواجهة نزوح السكان بسبب الجفاف .
وفيما يخص العوامل القانونية (Legal) فتشمل: إصلاح أنظمة الهجرة: تبنت IOM آلية إدارة الهجرة (MRRM) لتنظيم تدفق المهاجرين عبر الحدود، مع توفير عودة طوعية آمنة لنحو 120,000 مهاجر بحلول 2025 .
تعزيز الحوكمة: تعثرت جهود إصلاح القوانين المتعلقة بالمصالحة الوطنية بسبب غياب ضمانات حقوقية (كالعدالة الانتقالية) في مسودة قانون المصالحة المقدمة عام 2024 .
رؤية مستقبلية
وتوقع عبد القادر للمستقبل خلال الفترة من (2026–2030) تحقيق:
الاستدامة الاقتصادية: إذا استقرت الأوضاع السياسية، يتوقع البنك الدولي نمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة 9% سنوياً بحلول 2026، مدعوماً ببرامج التنويع .
التعافي من الكوارث: ستستمر الجهود لتعزيز البنية التحتية المقاومة للمناخ، مع تخصيص 25% من التمويل الدولي لمشاريع إعادة الإعمار الخضراء .
التحديات المستمرة: بدون تسوية سياسية شاملة، قد تعيد الأزمات الإقليمية (مثل الصراع في السودان) زعزعة استقرار ليبيا، مما يؤثر على خطط النمو الطموحة .