الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-05-15

5:16 مساءً

أهم اللأخبار

2025-05-15 5:16 مساءً

مقبرة ميثرا في طرابلس.. تاريخها ومقتنياتها وترميمها

مقبرة ميثرا في طرابلس.. تاريخها ومقتنياتها وترميمها

تقع مقبرة ميثرا في منطقة “غوط الشعّـال” على بعد حوالي ثمانية كيلومرات غرب مدينة طرابلس شمالي طريق طرابلس قرجي الزاوية، وتعود المقبرة إلى القرنين الرابع والخامس ميلادي.

اتخذت هذه المقبرة العائلية مكانها في داخل فجوة مستطيلة (8 × 5 أمتار تقريبا) مكشوفة في ما عدا الجزء الشرقي الذي ترك على شكل سقف، ويصل عمق المقبرة إلى حوالي 5 أمتار، حيث نحتت الجدران بشكل قائم مستوٍ على أرضية مستوية من الحجر الرملي.  

تقع هذه الفجوة في سطح هضبة من الحجر الرملي كانت فيما سبق جزء من محجر لأحجار البناء الذي استمر استعماله حتى عقد الستينات من القرن الماضي، وعندما زرته للمرة الثانية في سنة 1996 كان بقايا المحجر لا تزال محفوظة كجزء من الموقع الأثري. 

توجد في الجدار الشمالي من الغرفة ” المقبرة العائلية” في مواجهة المدخل حنية بها قبر “آيليا”، وتوجد في نفس الجدار شرقي القبر الأول حنية أخرى بها قبر الزوج المدعو “آيليوس يوراثانوس” (Aelios Iurathanos)، وفي مواجهة القبر الثاني عند الجدار الجنوبي توجد حنية بها قبران لم يستعملا بعد، ويبدو من النص المكتوب فوق قبر الزوج أنه كان شابـّـاً عندما ماتت زوجته التي كانت تبلغ من العمر ستين عاما، بينما كان عمر زوجها عند وفاته خمسا وأربعين عام.

قبر آيليا

يقع قبر “آيليـا آريسوث” ( Aelis Arisuth  ) في داخل الحنية على شكل تابوت مرتفع وهو أهم مدفن بالمقبرة، حيث يوجد حوله الكثير من الرسومات الجميلة، وهي في مجملها أيقونات جنائزية ترمز لمعتقدات قديمة كانت سائدة في الك العصر.

في تلك اللوحة الجدارية أعلى قبرها رُسمت “إيليا” السيدة النبيلة في وسط إكليل من الأغصان والورود يحملها ملكان مع وجود نص مكتوب باللاتينية يخلد ذكراها واسمها وعمرها حيث عاشت 60 عاماً.

إيليا ترتدي ذاك الرداء الأبيض النبيل ومحاطة بإكليل من الزهور المرصعة بالأحجار الكريمة والتي تعود إلى القرن الثالث والرابع الميلادي.

وقد ترك الجزء الأسفل من الحنية على شكل تابوت يوضع الميت بداخله، وأغلق التابوت بطبقة من الجير وملاط الجص رسم عليها بعض الصور الجميلة، حيث وضعت صاحبة القبر نائمة على ظهرها بينما كان رأسها ناحية الغرب وقدماها نحو الشرق وقد كتب اسمها في عبارة جنائزية تحيط بها دائرة من الأغصان والورود يحملها ملكان مجنحان طائران ويمسك كل واحد منهما بغصن. تقع هذه الدائرة في أعلى الحنية التي احتوت القبر.

الحفريات

وكشفت الحفريات على مجموعة من القبور التي حفرت تحت مستوى الأرض على هيئة غرف مربعة مكشوفة يصلها درج منحوت في الأرض الصخرية، وقد احتوى بعضها على مقتنيات مختلفة من الأثاث الجنائزي.

تصور الرسومات بدقة متناهية مراحل وطقوس عبور الموتى إلى العالم السفلي/عالم هاديس، حاكم المملكة الرمادية، كما هي في الأساطير الإغريقية خطوة بخطوة، وهناك الكاهن الواقف في صدر القبر، يرمي البخور في المبخرة، ويرتدي القميص القصير الحاسر فوقه عباءة خفيفة أنيقة موشاه جوانبها بالزخرف الأرجواني، وعلى رأسه يضع قبعة البيضاء.

وكذلك توجد 15 خزينه ومن أهمها خزانة تحتوي على بعض الأثاث الجنائزي المتنوع الذي يستعمل في أغراض متنوعة.

اكتشاف المقبرة

وفي سنة 1958م وعلى حين غرة، عندما كان فلاحاً يحرث مزرعته في حقول جنزور، انهارت الأرض تحت محراثه، فقام بتبليغ الإدارة العامة لمصلحة الآثــار، والتي أرسلت بدورها فريقا من العلماء المتخصصون في المصلحة بالكشف عن المكان، الذي تبين أنه مقبرة كاملة ترجع إلى العصور الكلاسيكية وتدل المراحل الأثرية المتراكمة على استعمالها لمدة تزيد عن 300 سنة متواصلة تمتد من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الرابع ميلادي، أي أن السكان قد نشطوا حولها خلال الفترة الرومانية الممتدة من مطلع الميلاد حتى بداية العصر الوسيط، وهو التوقيت الذي جفت وخوّت أو هلكت فيه معظم المدن والمراكز الساحلية.

وعند اكتشاف المقبرة كان غطاء التابوت سليماً وكان يوجد عليه صورة “لبــــوة” مكتوب عليها العبارة اللاتينية: Que Lea Jacet أي ” هنا ترقد اللبوة” .

ومن المعروف أن كلمة أسد أو لبوة، تعتبر إحدى الدرجات السرية السبع لطقوس “ميثرا” ( Mithra  ) الإله الفارسي الذي انتشرت طقوس تقديسه بين الجنود الرومان، وكان يعتقد أن تقديس ميثرًا مقصور على الرجال ولكن الأبحاث الحديثة أثبتت أن النساء قد تلقين أسرار هذه الطقوس.

ترميم المقبرة

قام العالم الإيطالي أنطونينو دي فيتا بترميم المكان ورسوماته بالتعاون مع طلبته، وأكمل ترميمه عام 1969م، وسمي بـ( جداريات مقبرة زنزور الملونة ) ودلت الشواهد على طرق دفن مختلفة وأدوات كان أغلبها أثاث جنائزي مثّل ثلاثة أحقاب تاريخية:

المرحلة الليبية المبكرة والتي توصف بـ” البونيقية ” أو Libycas-Phoenicum ليبيكاس فينيكوم أي الليبو- فينيقيبون، وهي كلمة نجدها في المصادر اللاتينية واليونانية من بينها الدليل الجغرافي لبطليميوس، وترجع هذه المرحلة للقرن الأول قبل الميلاد.

مرحلة الليبـو – رومانية، وهي ترجع للقرون الميلادية الثلاث الأولى 

المرحلة المسيحية، والتي تؤرخ للقرن الرابع الميلادي حينما اعترف الإمبراطور قسطنطين الأول Valerius Aurelius Constantinus بالديانة المسيحية.

الطقوس الميثرائية

من جانبه أفاد الباحث يوسف أحمد الختالي أنه من المستبعد جدا أن تكون المقبرة مسيحية ببساطة لأن تكريس النقش الجنائزي لإله العالم السفلي “هاديس” هو مناقض تماما لمعتقدات الخلاص المسيحي.

وأكد الختالي أنه طبقاً للسياق الأسطوري والمفردات الأيقونية التي تحفل بها هذه المقبرة، أن هذه المقبرة كانت تمثل الطقوس والمعتقدات الميثرائية في أوج انتشارها في شمال إفريقيا، وليس أدل على ذلك من تمكين النساء الليبيات المثقفات من تلقي أسرار هذه الطقوس الشرقية التي كانت في بدايتها أفكار فلسفية تُـعنى بالوجود والموت والخلود.

وأضاف أن الطقوس الميثرائية مهدت لانتشار أفكار التنوير المسيحي حيث تماهى المسيح عليه السلام بالإله ميثرا المولود من شعاع الشمس الذي أصبح بنوره ينصر البشر على ظلمات الشرور.

كتيب المقبرة

جدير بالذكر أنه صدر كتيب ثنائي اللغة (العربية والإنجليزية) كشف النقاب عن أسرار مقبرة “إيليا آريسوث” الأثرية، التي تُعدّ من أهم المعالم التاريخية في مدينة طرابلس.

وتضمن الكتيب معلومات عن ظروف اكتشاف المقبرة في عام 1903 و إعادة اكتشافها في عام 1912 و أعمال الترميم الشاملة التي أجريت عليها عامي 1919 و 1920

ترميم الرسومات الجدارية

يذكر أن أعمال ترميم الرسومات الجدارية للمقبرة، كانت خلال عامي 2021 و2022، من خلال التعاون بين مصلحة الآثار الليبية ووزارة الخارجية الإيطالية، والسفارة الإيطالية لدى ليبيا، والبعثة الأثرية لجامعة روما الثالثة، ومؤسسة “ميدا- تاريخ البحر الأبيض المتوسط القديم”.

وأشارت مصلحة الآثار إلى أنها ثابرت على حماية هذا الموقع الذي نال منذ تاريخ اكتشافه اهتمام الكثير من العلماء أمثال سالفاتوري اوريجما و بيترو رومانيللي و انطونينو دي فيتا لما يتميز به من رسوم جميلة تسلط الكثير من الضوء على الطقوس الجنائزية في القرن الرابع الميلادي وهو زمن تداخلت خلاله الكثير من المعتقدات الدينية المحلية و الوافدة.

ضمن التعاون الثقافي المشترك بين مصلحة الآثار والبعثة الأثرية لجامعة روما الثالثة وبدعم من وزارة الخارجية الإيطالية، افتتحت مقبرة ميترا (إيليا أريسوث) يوم السبت الموافق 11/3/2023 بعد الانتهاء من عملية الترميم والحماية المطلوبين للموقع الأثري الذي عانى من سوء عمليات الحفظ في السنوات الأخيرة.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications