ترتفع مخاوف أطياف ليبية متعددة من مساعي «توطين المهاجرين» داخل البلاد بإيعاز من دول أوروبية، في ظل تزايد تدفق المئات بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، وهو ما أعاد إلى الواجهة التساؤلات حول احتمالية تحول ليبيا إلى «وطن بديل» لآلاف الفارين من أوطانهم.
احتجاجات شعبية
وشهدت العاصمة طرابلس، الأسبوع الماضي مظاهرة في ميدان الشهداء، رفع خلالها المحتجون شعارات مندّدة بتزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين في مختلف مدن البلاد، من بينها: «ليبيا ليست مكاناً للاجئين»، «لا لتوطين المهاجرين في ليبيا»، «ليبيا لليبيين» و« لا لتغيير هوية ليبيا»، وطالب المتظاهرون السلطات باتخاذ موقف حاسم إزاء هذا الملف الذي وصفوه بـ«الخطير».
وفي مدينة مصراتة، خرجت تظاهرة مماثلة اتخذت طابعاً أكثر عنفاً، حيث أقدم محتجون على تحطيم سوق عشوائي يُستخدم من قبل مهاجرين أفارقة، وطرد من بداخله، مطالبين بإغلاقه بشكل نهائي وترحيل المهاجرين المتواجدين فيه.
وبرّر المحتجون تصعيدهم بتنامي الجرائم الجنائية وانتشار الأسلحة بين بعض المهاجرين، إضافة إلى ما اعتبروه «مظاهر عشوائية خطيرة وتجمعات مشبوهة» تهدد أمن مناطقهم واستقرارها.
كما رافقت هذه المشاهد والأحداث موجة من التعليقات التحريضية على الإنترنت، وصفت المهاجرين بأنهم “تهديد وجودي وداخلي لليبيين”، وبأنهم “مصدر للفوضى والجريمة وانعدام الأمن”.
حملات أمنية
وعلى خلفية ذلك، نفذت الأجهزة الأمنية حملات مداهمة استهدفت مقار المهاجرين، واقتادت عدداً كبيراً منهم إلى أقسام الشرطة.
فمت جانبه أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بوزارة الداخلية بالحكومة الليبية، إنه «تم إحباط محاولة هجرة عبر شواطئ منطقة التميمي، وتم ضبط 48 شخصاً من جنسيات مختلفة، كانوا في طريقهم إلى القارة الأوروبية عبر السواحل الليبية»، مبرزاً أنه «تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم، وإحالتهم إلى فرع الجهاز بمدينة درنة؛ لاستكمال باقي الإجراءات المعمول بها وفقاً للقوانين والتشريعات النافذة».
وقال الجهاز، إنه «ضبط عدداً آخر من مهاجرين غير نظاميين في مدينة القبة من جنسيات مختلفة لمخالفتهم شروط الإقامة»
من جانبها تواصل قوات خفر السواحل العمل على إعادة المهاجرين من البحر المتوسط إلى مراكز الإيواء، حيث أوضح التقرير الأسبوعي الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة، أنه تم اعتراض وإعادة قرابة ألف مهاجر إلى ليبيا، خلال الفترة الممتدة من 21 سبتمبر (أيلول) 2025 إلى 27 من الشهر ذاته.
فيما أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية إطلاق «حملة موسعة» لترحيل المهاجرين إلى دولهم، بمساعدة المنظمة الدولية، التي سبق أن رصدت وجود 704 آلاف و369 مهاجراً غير نظامي في ليبيا، منهم 11 في المائة نساء، و10 في المائة أطفال.
وكان وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي، قد صرح في وقت سابق أن هناك نحو 2.5 مليون أجنبي في ليبيا، من بينهم حوالي 80% دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، وغير مسجلين بالإقامة والضرائب وفواتير الكهرباء والماء.
الدعم القانوني للحملات
من جانبه برر الباحث القانوني والمستشار، محمد العربي، “الحملات الأمنية التي استهدفت مهاجرين في صبراتة وعدداً من المدن الليبية بأنها جاءت بعد اقترافهم لعدد من الجرائم والانتهاكات والأمور التي طالت مواطنين، بالإضافة إلى بقائهم وسط الأحياء السكنية في صورة ربما تكون مقلقة للأسر الليبية”.
وتابع العربي أن “بقاء الوافدين بكثرة واتخاذهم ليبيا دولة عبور وانتظارهم قوارب الموت حتى تقلهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط يعتبر عملية إجرامية تسعى الدولة الليبية إلى إنهائها”.
وأردف: “للأسف لا يوجد أي دور للدول الأوروبية المعنية بهذه الأزمة رغم الاتفاقيات المبرمة مع ليبيا في الماضي ومن المفترض أن يكون للأمم المتحدة دور خاصة في علاقة بالوافدين من السودان والذي أجبرتهم الحروب والنزاعات هناك على اللجوء نحو البلاد، هناك أرقام كبيرة جداً تجاوزت الـ 700 ألف بحسب آخر الأرقام”.
وشدد على أن “الأمر يحتاج إلى تدخل من الأمم المتحدة والدول الأوروبية، والأزمة شائكة ومعقّدة ومع الأسف إمكانيات ليبيا ضعيفة جداً في مواجهة هذه الأزمة، ولا يمكنها لوحدها مواجهتها”.
أما المحلل السياسي والناشط الحقوقي، حسام الدين العبدلي، إن “الغضب الشعبي ضد المهاجرين غير الشرعيين في تصاعد، خاصة مع تزايد أعدادهم وافتقار الكثير منهم إلى وثائق أو جوازات سفر، ما يجعل من الصعب معرفة سجلاتهم الجنائية”.
وأضاف العبدلي أن “الأمر لم يعد يقتصر على الجانب الأمني، بل بات يشمل تهديداً للأمن الصحي بعد رصد أمراض وأوبئة غير مألوفة في ليبيا، فضلاً عن المنافسة الكبيرة التي يشكلها المهاجرون في سوق العمل، وهو ما أدى إلى حرمان كثير من الليبيين من فرص العمل”.
وأشار إلى أن “المهاجرين غير النظاميين يستفيدون من الكهرباء والوقود والمواد الغذائية المدعومة دون دفع أي ضرائب أو رسوم، على عكس الأجانب المقيمين بشكل قانوني”، معتبراً أن “هذا الخلل يفاقم الاحتقان الشعبي”.
وختم العبدلي بالقول: “أعتقد أننا أمام بداية ما يشبه ثورة ضد الهجرة غير النظامية، والأمر سيزداد حدة إذا بقي المسؤولون مكتوفي الأيدي، لأن ما يحدث حالياً يمثل تهديداً ديمغرافياً حقيقياً لليبيا”.
حراك لا للتوطين
وفي هذا الصدد يرى حراك «لا للتوطين» أن ليبيا «تواجه مؤامرة خطيرة تستهدف سيادتها عبر مشروعات مشبوهة، تهدف إلى توطين المهاجرين الأفارقة في البلاد».
وأضاف أن هذه المخططات «ليست سوى محاولة لطمس هويتنا وتهديد مستقبل أجيالنا».
وسبق أن دعا الحراك المواطنين للاحتجاج، و«رفض أي مشروع أو اتفاقية لتوطين الأجانب في ليبيا».
كما سجّل المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان رفضه القاطع لمقترحات توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، معتبراً ذلك انتهاكاً للسيادة الوطنية ومخالفة للقانون الدولي.

مبادرة تخصيص مقر لتجميع المهاجرين
ووسط هذا الرفض، أُعلن في طرابلس عن مبادرة جديدة تتعلق بملف الهجرة، أثارت استغراب العديد من المختصين، وتتضمن تخصيص مقر لتجميع المهاجرين المسجلين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، إنه زار المقر بدعوة من رئيس اللجنة الفنية المعنية بمتابعة ملف الهجرة وأمن الحدود، اللواء محمد المرحاني حيث اطّلع على تفاصيل المبادرة لدعم عمليات العودة الطوعية بشكل مباشر، بالتنسيق مع سفارات دول المهاجرين.
وأضاف أورلاندو، في تدوينة عبر منصة «إكس»، أنه شدد على «أهمية ضمان أن تكون جميع عمليات العودة آمنة وطوعية، وأن تتم وفقاً للمعايير الإنسانية»، مؤكداً في الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبي «سيواصل متابعة آلية تنفيذ العملية عن كثب، بالتعاون مع الشركاء الليبيين والدوليين».
انتقادات للمبادرة
واجهت هذه المبادرة انتقادات واسعة، فمن جانبه انتقد الحقوقي المختص في ملف الهجرة واللاجئين، طارق لملوم، المبادرة، معتبراً أن الخطوة «تكرار لتجربة فاشلة سابقة».
وقال لملوم إن ما يحدث اليوم «مشابه لما وقع عام 2018، حين أعلن الاتحاد الأوروبي عن افتتاح مركز التجميع والمغادرة في طرابلس، بتكلفة إجمالية بلغت 6 ملايين دولار، لم يُخصَّص منها للمركز سوى مليوني دولار، ولم يصمد أكثر من عام».
وأضاف الحقوقي أن «السفير الأوروبي يعقد اتفاقاً مباشراً مع رئيس جهاز حرس الحدود، في غياب وزير الداخلية ورئيس جهاز مكافحة الهجرة وصمت رئاسة الحكومة، لتحويل مبنى سكني في طرابلس إلى مركز جديد لتجميع المهاجرين».
وتساءل لملوم عن جدوى الخطوة قائلاً: «ما الحاجة إلى مركز جديد، في حين أن عمليات العودة تُنفَّذ بالفعل عبر مركزَي طريق السكة وتاجوراء، إضافة إلى الرحلات المغادرة من مطارَي بنغازي وسبها؟».
الموقف السياسي
تتوالى التأكيدات السياسية برفض توطين المهاجرين في البلاد، ولكن عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي أكد أن حل مشكلة الهجرة غير الشرعية في البلاد يكمن أولا في حصر عدد المهاجرين وأماكن تواجدهم في ليبيا قبل اتخاذ أي قرار بترحيلهم عنوة وبعنف لأن العنف لا يولد إلا العنف وإذا حدث ذلك فسوف يؤدي إلي حدوث مواقف عدائية من بعض الدول الأفريقية ضد الدولة الليبية بتحريض من أطراف خارجية لزعزعة الاستقرار في البلاد، خاصة أن دخول بعضهم كان منذ فترة ليست بالقصيرة بل بعض الأطراف السياسية اتخذت منهم قوات استعانت بهم على القتال معهم .
ودعا لنقي في تصريح لـ “المنصة” إلى عدم الخلط بين من دخل للبلاد خلسة بقصد الهجرة إلى أوروبا وبين جيران ليبيا سواء في الجنوب مثل تشاد والنيجر والسودان أو تونس في الغرب أو في الشرق مثل مصر، فهولاء دخلوا ليبيا لغرض العيش والعمل وهم أخوة لليبيين في الدين الإسلامي والجيرة وكم من أسر ليبية أيام الاستعمار وأيام الفقر هاجروا للبلدان المجاورة منهم من رجع ومنهم من بقي هناك إلى يومنا هذا.
وأضاف لنقي أنا لست مع من يرى اتخاذ مواقف عنف ضد هذه الهجرات وتابع أطالب من الجهات التشريعية مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اقتراح مشاريع قوانين تنظم أحوال الأجانب في البلاد في جميع الأحوال سواء الدخول بغرض العمل أو الهجرة إلى أوروبا.
وحث لنقي النخب الوطنية على المساهمة في حث جهات الاختصاص للعمل على إصدار التشريعات واللوائح المنظمة لعمل الأجانب سواء كان دخولهم للبلاد قانوني أو هجرة عبر المنافذ الحدودية المفتوحة بكل أسف وتصحيح وضعهم القانوني وحصر أعدادهم مع بيانات كاملة عن أماكن إقامتهم داخل البلاد.
وتابع لنقي إذا اردنا وقف الدخول للبلاد عشوائيا علينا مراقبة الحدود بانضباط وجدية وتوحيد قوات حرس الحدود، داعيا إلى التهدئة فيما يخص الدعوة لطرد الأجانب من الأراضي الليبية وما صاحبها من عمليات عنف غير مبررة.
وشدد لنقي في تصريحه على أن كل هذه الخطوات ممكنه حتى وإن تأخر اتخاذ مثل هذه الإجراءات، لافتا إلى أنه يرى أن هذه الحلول أفضل من العنف الذي لا يولد إلا العنف والفوضى والأحقاد .
الموقف الإعلامي
أما الإعلامي مالك فرج فأكد عدم تعاطفه مع أي أجنبي دخل أرض ليبيا بشكل غير شرعي، وقال “لا أؤيّد توطينه، ولا أقدّر من يريد توطينه، ولا أحبّ من يقول إنه يجب مساعدتهم …وأرى أن المساعدة الوحيدة لهم أن يُعادوا إلى بلدانهم عن طريق الشحن أو الترحيل القانوني، وإلا فسنجدهم في السنوات المقبلة يتوسّعون في مناطق وقطع جغرافية أكبر مما يملكون الآن”
وأضاف بالليبي: “راهم بدّو يكثروا، ويسرقوا، ويضربوا حتى بالسلاح الأبيض”.
من جانبه أنتقد الإعلامي عطية باني، الأوضاع التي تشهدها ليبيا نتيجة الأفارقة ومحاولات التوطين في وقت لا يجد فيه الليبيين أبسط حقوقهم.
وأعرب عن دعمه الموقف الشعبي الذي خرج رفضا لتوطين المهاجرين في البلاد، مشيرا إلى تناثر الأرقام الوطنية وجوازات السفر.
ونبه إلى أن الحدود لا تنعم بالأمن، مشيرا إلى أن الهجرة غير الشرعية تدخل البلاد من كل جانب، وهذا سيؤدي إلى تحول ليبيا إلى فلسطين أخرى، حيث سيصبح الافارقة يهود يطرودون الليبيين.
ودعا للخروج في مزيد من المظاهرات ودعوات سلمية لرفض تواجد المهاجرين وتوطينهم، مؤكدا أن ليبيا لليبيين فقط، ومن يرفض ذلك سيلحقه العار وسيسجل عليه التاريخ ذلك.
واعتبر أن عدم اتخاذ موقف واضح حتى الآن ضد محاولات التوطين سلبية وتخاذل، محذرا من الاعتداءات التي بدأت تطال المواطنين في الشارع وفي بيوتهم من قبل هؤلاء المهاجرين.
تتجلى مواقف القلق من التصرفات والمبادرات التي قد تكون فردية والتي تتقاطع مع شعارات المحتجين والحراكات الشعبية والقانونية والإعلامية التي شددت على رفض أي خطط أو مبادرات لتوطين المهاجرين في ليبيا، باعتبارها محاولة لتغيير هوية البلاد وتهديداً لأمنها القومي واستقرارها الاجتماعي.
