في الأول من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم بـ اليوم العالمي للقهوة، هذا المشروب الذي لم يعد مجرد كوب دافئ يوقظ الحواس، بل أصبح رمزاً للقاءات والأحاديث اليومية، ولأسلوب حياة يختلف من بلد لآخر. وإذا كان لكل شعب طابع خاص في شرب القهوة، فإن الليبيين يملكون بصمتهم المميزة التي تجعل القهوة أكثر من مجرد مشروب، بل طقس يومي متجذر في الذاكرة الشعبية.
القهوة في البيت الليبي
في ليبيا، تُحضر القهوة العربية بأنواعها المتعددة، ولكل نوع عشاقه ونكهته. فهناك من يفضلها بالكسبر، وآخرون يضيفون الحبهان ليمنحوها عطراً شرقياً أصيلاً، بينما ظهرت مؤخراً عادة استخدام المستكة العربية كإضافة جديدة مستجدة على الذوق الليبي.
ويختلف الليبيون أيضاً في درجة تحميص القهوة: فالبعض يفضلها غامقة قوية الطعم، بينما آخرون يشتهونها فاتحة وخفيفة، وهناك من يحبها مختلطة بين الاثنين. أما في الجنوب الليبي، فالتقاليد تضفي على القهوة نكهة فريدة؛ إذ يضيف بعض الأهالي الفلفل الأسود أو ما يعرف بالعامية بـ”الأكحل”، بينما بعض العائلات تضيف الزهر لتعطي نكهة خاصة، لتصبح القهوة مشروباً مميزاً يعبّر عن خصوصية المكان.
القهوة والمناسبات والأوقات المختلفة
يشرب الليبيون القهوة في عدة أوقات ومناسبات، فـ الصباح يعد وقتها الأساسي، بينما في المساء تعرف باسم قهوة العشية، وغالباً ترافقها الحلويات الليبية والعربية والغربية. وفي الجنوب تشرب القهوة مع التمر.
وترافق القهوة الليبيين في المناسبات الاجتماعية، فهي تقدم أولاً للضيف، وفي الأعراس مع الحلويات، وفي العزاء مع التمر أو بدونه كعلامة على الحزن. وفي الرحلات المعروفة بالزردة، تُطهى القهوة على الجمر، ويتنافس الجميع على من يحضرها بأفضل طريقة، وعلامة الجودة أن تُقدم بوجه، فالقهوة بدون وجه تدل على ضعف خبرة طاهيها أو على قلة جودة البن.
القهوة ترافق الجمعات العائلية المعروفة محلياً باللمة، ويقال إن “القهوة تصنع الأحاديث والحكايات”. وللنساء في ليبيا طقوس خاصة مع القهوة؛ فهن يعتنين بالمنزل ويجعلنه في أجمل صورة، ثم يجهزن القهوة لأنفسهن كمكافأة وراحة، مصحوبة غالباً بـ مبخرة بها بخور الفاسوخ المشهور في ليبيا، لتفوح رائحة القهوة والفاسوخ معاً في المساء كدليل على الراحة والنظافة، مشهداً يعكس دفء البيت واللمة العائلية.
المقاهي… ملتقى الأذواق والعصرة الأولى
مع ساعات الصباح الأولى، لا تخلو شوارع المدن الليبية من ضجيج المقاهي وروائح القهوة الزكية. هناك يلتقي عشاقها لتبدأ حكايات النهار على أنغام فناجينها. وفي المقاهي تنتشر أنواع أخرى من القهوة المستوحاة من الطابع الغربي، مثل: العصرة الأولى، الإسبريسو، النص نص، الكابتشينو، المكياطة، القهوة بالكريمة، معدلة، سبيسيال.
وتتعدد الأسماء كما تتنوع الأذواق، لكن القاسم المشترك أن القهوة في ليبيا هي بداية لحديث لا ينتهي، ومزاج يرافق اللحظة.
وأكد تاجر البن الليبي فارس بالة في حوار رصدته المنصة أن عائلته تعمل في تجارة القهوة منذ ستينيات القرن الماضي، بعد أن بدأت نشاطها في البقوليات والتوابل قبل أن تتفرغ لاحقاً للبن بشكل خاص. وأوضح أن القهوة في ليبيا تُعد جزءاً أصيلاً من التقاليد الاجتماعية، إذ تُقدَّم في المناسبات وتُحضَّر في كل بيت تقريباً، لافتاً إلى أن السوق الليبي يُعد من بين الأكثر طلباً على القهوة مقارنة بدول الجوار مثل مصر والجزائر والسودان.
وأشار بالة إلى أن السوق المحلي يعتمد على خلطات متنوعة من البن، أبرزها البرازيلي والفيتنامي والهندي واليمني والإثيوبي، معتبراً أن البن الليبي المحلي لا يقل جودة عن الإيطالي، بل يتفوق عليه في بعض الأصناف. كما أوضح أن القهوة الخضراء بدأت تلقى رواجاً في ليبيا لاستخدامها في الوصفات الطبية والأنظمة الغذائية الخاصة بخسارة الوزن.
وفي حديث خاص لـ المنصة الليبية، أوضح صلاح محمد ، وهو صاحب شركة قهوة تمتلك ثلاثة فروع، أن البن البرازيلي يتميز بجودته العالية مشيرا إلى أن ليبيا تستورد أيضا البن من الهند، جنوب أفريقيا، بيرو، أوغندا وكولومبيا.
وأضاف أن أسعار البن عالميا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على الإنتاج، خاصة في البرازيل، حيث تعرضت مساحات واسعة من مزارع البن للجفاف .
وأشار إلى أن سعر كيلو القهوة التركية ، المعروفة محليًا بـ “القهوة العربية” ، ارتفع بشكل كبير، حيث زاد بنحو 6 أضعاف بين عامي 2013 و2025 ، إذ كان سعر الكيلو 11 – 12 دينارا آنذاك، بينما يتراوح حاليا بين 65 و75 دينارًا للكيلو الواحد.
القهوة… بين العادة والهوية
سواء قُدمت في جلسة عائلية أو بين الأصدقاء أو على طاولة مقهى، تظل القهوة عند الليبيين طقساً اجتماعياً وجزءاً من الهوية اليومية. إنها ليست فقط ما يملأ الفنجان، بل ما يملأ الروح من دفء ولقاء.
